في السبعينيات من القرن الماضي التقى المهندس محمد سعيد فارسي بالمعماري الإسباني خوليو لافونتي في إسبانيا. ورغم أنه لم تكن ثمة لغة مشتركة بينهما، إلا أنه كان مكتوباً لهذا المعماري الرائع أن يضع لمساته ووعيه المعماري على جدة بأكملها، تاركاً خلفه أكثر من ثلاثين لوحة في ميادين مدينة جدة ودواراتها، جعلت منها مدينة الفن والجمال، وتاركة بصمة على كل جزء منها، فلا يخطئ أهلها في مكان ما، ولا زوارها، نتيجة التميز الذي يشتهر به كل ميدان عن غيره، فلا يمكن الخلط بين ميدان الدراجة، وميدان التوحيد، أو القناديل المملوكية، ولكل ميدان تميز بمجسم ما انتماء إلى المكان أو الحي الذي يقع فيه، فهنا طريق الكورنيش، وهناك شارع الروضة، وهكذا. أما في الرياض، ففي مرحلة عمرانها الحديث، من شمال العليا، تم تخطيط الأحياء الجديدة، من حي الورود وما جاوره، حتى نهايات شمال المدينة، بطريقة متناسخة ومكررة ومتشابهة جداً، إلى درجة أن من يدخل حي الملك فهد مثلاً، يلتبس عليه الأمر، هل هو في حي المصيف، أو حي المروج، أو غيرها من الأحياء ذات الكيلومترات الأربعة، دون أن يتميز حي عن آخر، حتى في المحال وتصنيفاتها! ورغم أن الطرق الجديدة تم تصميمها بشكل جمالي مميز، مثل طريق الملك عبدالله، وطريق الملك عبدالعزيز، وطريق أبي بكر، إلا أن التشابه في الأحياء والميادين لا يمنح المدينة تميزاً وخصوصية، وحتى الميدان الأهم في تقاطع مكة والملك فهد، الذي بقي أكثر من سنتين تحت التنفيذ، لم يأتِ بمجسم يلفت الانتباه؛ لسبب بسيط أن الأمناء السابقين لم يصادفهم الحظ بأن يلتقوا بمصمم معماري مثل لافونتي، وتم تصميمه بشكل لا يعبر عن شيء، مع الإهمال المستمر للميادين كافة في وضع مجسمات بدائية، لا تختلف عن المجسمات التي يتم وضعها في مداخل القرى والمدن الصغيرة! هذه العاصمة التي تمددت جميع اتجاهاتها الأربعة، بطريقة فاقت توقعات أكثر المتفائلين بنموها، تحتاج إلى الكثير الكثير من الخدمات ومن الجمال، ففي الوقت الذي تعاني فيه من عدم توافر خدمات التعليم والصحة والطرق والإنارة حتى في أرقى أحيائها في ضواحي الشمال، ضاعت ملامحها الجمالية في تناسخ مساكنها وشوارعها وميادينها، ولعل الأمانة من بين الجهات التي فوجئت بانطلاق المدينة عمرانياً بشكل فاق التوقعات، وكأنما المواطن الذي يبني مسكنه الخاص هو من يقود التنمية، ويدفع بتوسعة المدينة بجرأة، في ظل تلكؤ الجهات الحكومية! المدينة التي تكبر دون العناية بجمالها تهرم بسرعة، وهذا ما سيحدث للعاصمة الرياض، فلعل تبادر الأمانة بالبحث عن مصممين معماريين عالميين، يتعايشون مع المدينة وأهلها، ثم يعيدون تأهيل ميادينها وشوارعها وتجميلها، أم ينتظر معالي الأمين أن توقعه المصادفة في إحدى رحلاته بمهندس معماري متميز مثل لافونتي، يعيد هندسة المدينة؟ هل يبادر مهندسون من تلقاء أنفسهم أم يُمنح معالي الأمين تذكرة سفر إلى إسبانيا أو إيطاليا؛ كي يعثر على مهندس ومصمم يعيد ملامح المدينة المفقودة؟