ذهب طلاب سعوديون إلى اليابان وشاركوا في حملة تطوّعية لتنظيف أحد الأنهار هناك، فهاجت الدنيا وماجت عندنا هنا في السعودية، وتمعّرت بعض الوجوه غضباً متسائلة: كيف يذهب أبناؤنا إلى اليابان لتنظيف الأنهار!؟ شدَّني الخبر الذي نشرته صحيفة «سبق» الإلكترونية وشعرت بالسعادة وأنا ألتهم السطور عن مشاركة أبنائنا في عمل تطوّعي كهذا، وشاهدت صوراً معبِّرة وجميلة لشباب سعوديين يشاركون في العمل الجماعي ويتبادلون الحديث مع شباب اليابان ويقدّمون لهم ملابس سعودية ويساعدونهم على ارتدائها في أجواء شبابية سعيدة ومفعمة بروح الزمالة والأخوة الإنسانية. لكن الصدمة كانت عندما قرأت تعليقات بعض قراء الصحيفة على الخبر! كانت الأغلبية الساحقة جداً من المعلّقين تسخر من المتطوّعين السعوديين وترميهم بأقذع عبارات النقد والاستهزاء والتحقير! وكانت بعض التعليقات تطلب من المتطوّعين تنظيف كل مكان في السعودية قبل المشاركة في أي عمل تطوّعي عالمي في الخارج وكأن مثل هذه المشاركة تمنع من التطوّع في الداخل! ومن غير المستبعد أن هذه الأصوات الغاضبة هي أيضاً التي انتقدت مدير إحدى المدارس عندما طلب ممن يرغب من التلاميذ المساعدة في تنظيف فناء مدرستهم! أعرف أن ثقافة التطوّع في مجتمعنا أصبحت متدنية جداً في الوقت الحاضر بعد أن كانت عالية في زمن الآباء والأجداد، لكنني لم أتصور أن تكون قد وصلت إلى هذا الحد من التدني! فالتعليقات لم تكن ناقدة وسلبية فقط، بل عدوانية أيضاً كما لو أن هؤلاء الشباب المتطوّعين قد ارتكبوا جريمة عندما قرّروا أن يشاركوا في فريق تطوّعي عالمي مكون من العديد من الجنسيات! يرى كثيرٌ من الباحثين المتخصصين في الشأن الاجتماعي أن ما نراه من سلبيات هو من تأثير «الطفرة» وتفشي الظاهرة الاستهلاكية في العقود الأخيرة وما جلبته من قيم سلبية. فالتغيّر الاقتصادي الذي عصف بالبلاد بعد منتصف السبعينيات الميلادية كان سريعاً ومدمراً، وكانت له تداعيات اجتماعية فادحة ما زلنا نعاني منها حتى الآن. ورغم أن «الطفرة» المادية بصورتها التي كانت عليها في أوقات سابقة قد تلاشت وحلَّت مكانها ظروفٌ اقتصادية أخرى فإن آثارها ما زالت باقية. هناك مجتمعات في أماكن أخرى من العالم تنعم بالرخاء وحققت مستويات من التقدّم المادي والرفاه الاقتصادي ولم تسقط في الفخ الذي وقعنا فيه، وسبب ذلك أن تقدّمها جاء متدرجاً ولم يكن عاصفاً مزلزلاً كما حدث عندنا. ولذلك لم تفقد تلك المجتمعات قيم العمل الإيجابية والرغبة في بذل المجهود وحب العمل التطوّعي. وقد ساعدها على تحقيق ذلك وضوح الحقوق والواجبات، وشفافية الأنظمة، وعدالة القضاء، والمساواة، والعدل الاجتماعي. ليتنا نعمل على استعادة ما كان لدينا من إيجابيات اجتماعية، وفي مقدمتها حب العمل التطوّعي، لكن ذلك يحتاج إلى إعادة ترتيب وإصلاح لأمور كثيرة تراكمت عبر الزمن. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض **** alawajh@ تويتر