يثار اليوم الكثير من المخاوف نتيجة مخاوف ضربة عسكرية محتملة تقودها الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد سوريا، وتتجه المخاوف إلى حدوث اضطراب في سوق النفط، وبالتحديد الخوف من صعود قوي في أسعاره خلال الأيام القليلة المقبلة، وتتباين هذه التوقعات لأسعار النفط، إلا أن غالبيتها تحلّق به إلى مستوى ال 150 دولاراً للبرميل.. إلا أن توقعات وصول أسعار النفط إلى ما فوق ال 150 دولاراً للبرميل تبدو توقعات ضعيفة ولا يوجد ما يدعمها اقتصادياً، وذلك للأسباب التالية: أولاً: سوريا ليست دولة نفطية، حيث يصل معدل إنتاجها اليومي إلى حوالي 330 ألف برميل، بما يعادل نسبة 0.5% من الإجمالي العالمي، وبالتالي فإن توقف إنتاجها بشكل كلي لن يكون له تأثير حقيقي على ما يمكن أن نسميه انقطاع الإمدادات أو نقص في المعروض العالمي أو حتى في معروض المنطقة العربية.. فالمنطقة المحيطة لسوريا هي منطقة منتجة ومصدرة للنفط. ثانياً: أن إجمالي الاحتياطيات النفطية المؤكّدة لسوريا تبلغ 2.5 مليار برميل، بما يعادل نسبة 0.2% من الإجمالي العالمي الذي يقدر بنحو 1238 مليار برميل حسب بيانات 2011م.. وبالتالي فإن الغياب الكلي لهذه النسبة لن يكون له تأثير على الاحتياطيات النفطية العالمية. ثالثاً: أن الاحتياطيات السورية من الغاز الطبيعي تقدَّر بنحو 285 مليار متر3 ، بما يعادل نسبة 0.15% من الإجمالي العالمي، وهي نسبة طفيفة لا تكاد تذكر، وبالتالي لن يكون لغيابها تأثير على الساحة الدولية نفطياً. رابعاً: أن مساهمة سوريا في سوق الطاقة العالمي لا يكاد يذكر، ومن ثم فإنها تصنف كدولة غير نفطية. لذلك، فإن إثارة المخاوف من صعود أسعار النفط هي مخاوف سوقية أو مخاوف مضاربات أكثر منها مخاوف حقيقية لها أبعاد ترتبط بالعرض أو الطلب.. فالتأثير السوقي لحجم المعروض أو المطلوب النفطي لسوريا يبدو ضئيلاً، وغير مؤثّر اقتصادياً.. ولكن المخاوف تنبع من الخوف من امتداد رقعة الحرب إلى دول أو مناطق أخرى، أو حدوث أي مناوشات عسكرية نتيجة هذه الضربة المتوقّعة، مثل امتداد أو اشتراك إيران في الحرب، وهي دولة نفطية لها تأثير حقيقي في سوق النفط.. كما أن هذه المخاوف تنبع بدرجة أقل من المخاوف من انقطاع الإمدادات من منطقة الخليج لأي سبب من الأسباب نتيجة الوضع العسكري المضطرب المتوقّع حدوثه خلال الأيام المقبلة. إلا أن الواقع يؤكّد على أن الضربة العسكرية هي ضربة محدودة وخلال فترة قصيرة - كما تم الإعلان عنه- وبالتالي لا يتوقّع أن تمتد لدول أخرى أو أن تطول فترتها.. ثم إنه دائماً التأثير القوي على أسعار النفط يحدث نتيجة التلويح أو الخوف من حدوث المؤثر قبل حدوثه فعلياً، وحيث إن خام برنت يسجّل الآن مستويات حول 114 دولاراً للبرميل، وخام نايمكس يسجّل 107 دولارات للبرميل (إغلاق الأحد)، رغم أن التلويح بهذه الضربة مر عليه ما يناهز الأسبوع، وحيث إن هذه المستويات لا تشكِّل صعوداً قوياً، حيث ارتفع سعر برنت من 110 إلى 116 دولاراً للبرميل (أعلى إغلاق هذا الأسبوع)، بنسبة صعود تناهز 5% فقط.. إذن فأسواق النفط تعتبر قد استوعبت أثر الخوف المبدئي من الحرب بنسبة هذه النسبة الصغيرة. ومن المؤكّد أن ما يُثار حالياً من مخاوف مبالغ فيها بسوق النفط، إنما تنبع في جزء هام منها من تأثير المضاربات التي يسعى من خلالها العديد من الأطراف المعنيين بالسوق في إثارة القلق والخوف تحقيقاً لأهداف معينة، ولكنها لا ترتبط بمخاوف حقيقية من تأثر أو انقطاع الإمدادات النفطية بالشكل الكبير.. ويمكن القول بأن وقوع الضربة العسكرية فعلياً يمكن أن يحدث صعوداً في أسعار النفط بنسب قد تصل إلى 20% بحد أقصى إن اشتد الصراع من الطرفين.. إلا أنه ليس من المتوقّع أن ترتفع الأسعار - في ضوء قصر فترة الضربة العسكرية- عن مستوى 140 دولاراً للبرميل بحد أقصى.. بل إن فارقاً كبيراً بين حرب سوريا المحتملة وحرب العراق أو ليبيا السابقتين، فكلا الاثنتين الأخيرين كانتا حرباً بها ملامح الغزو أو التحرك العسكري على الأرض وكلتا الدولتين كانتا منتجاً ومصدراً رئيسياً ومؤثراً للنفط، في حين أن حرب سوريا من الواضح أنها ستكون بمثابة ضربة جوية أو قصيرة المدى، وسوريا لا تمثّل منتجاً رئيسياً للنفط. والأمر الأهم، هو أن أسواق النفط الآن أصبحت أكثر تماسكاً عمَّا قبل، ولم تعد حساسة مثل حساسية السبعينات التي كانت ترتبط بالإمدادات، ولكنها الآن حساسة للمضاربات.. ثم إن الولاياتالمتحدة تعتبر من المستوردين للنفط (رغم كونها منتجاً)، وصاحبة مصلحة في عدم صعود أسعاره بالقدر المبالغ فيه، ومن ثم فعلى الدوام لديها إستراتيجيات للحفاظ على استقرار أسعار النفط في أشد الأزمات. - مستشار اقتصادي [email protected]