قبل أكثر من عشر سنوات، أعفي مسؤول يعمل في قطاع مهم، وكان المراجعون، قبل الإعفاء، يقفون طوابير أمام مكتبه في الصباح، وبعد العصر يسدون الطرق المحيطة بمنزله، والجميع يطمحون بخدمة ما، وهو في موقع يسمح له بتوفيرها. وبعد الإعفاء، كتب أحد الصحفيين الرئيسيين مقالاً، وجهه إلى ذلك المسؤول، يقترح عليه أن يبدأ بتحضير نفسه إلى مرحلة جديدة، حيث ستفرغ الطرق المحيطة بمنزله من السيارات، وإن أرسل قصيدة شعر، أو مقال، لأي من الجرائد، فقد لا تنشرها، مثلما كانت تفعل في الماضي، وقد يجد نفسه قاعداً في منزله بجانب الهاتف، ومقابل التلفزيون، علّ أحدٌ ما يتصل لدعوته إلى عشاء. حينها غضب مسؤول أكبر، واعتبر أن مقال الصحافي غير واقعي، وأننا مجتمع يقدر من خدمه، ولكن واقع الحال أن ذلك المسؤول المعفي لم يحصل على حفل تكريم بمناسبة تقاعده. تذكرت تلك الحالة، وأنا أشاهد اليوم مسؤولاً لم يجدد له، وهو يحظى بتقدير المجتمع كلّه، وأصبح يشتكي من ارتفاع نسبة الكوليسترول لديه، بسبب كثرة الدعوات، وكلها تشتمل على ذبائح، وكبسات، ومختلف أنواع الحلويات، وبالمقابل هناك مسؤول آخر أعفي أخيراً، ولم يحظ بتكريم، أو دعوة واحدة، لأنه خلال فترة عمله طغى، وتجبّر، وسقط سقوطاً مدوياً. شخصياً، كان لي شرف المشاركة مع آخرين، في ترتيب حفل تكريم أستاذنا عبد العزيز المنقور، الملحق التعليمي في أمريكا، خلال الفترة 1961 – 1977م، وقد لاحظنا من تلك التجربة ما يلي:- أولاً: أن كل من توجهنا له بدعوة، أو بطلب مساعدته، كان تلقائياً يسألنا: وهل حصلتم على موافقة؟؟ وكانت لهجة السؤال هي الإشفاق علينا، وكأننا بصدد القيام بعمل مرفوض اجتماعياً!! ولكنها ثقافة الاستئذان!! أو الاستئناس!! أو الاستمزاج!! أو طلب الموافقة الصريحة؟!! وهذا أمر غريب، لا يحدث إلا عندنا فقط!! الملاحظة الثانية هي: أن خريجات أمريكا خلال فترة إدارة الأستاذ المنقور، وهن اليوم أمهات، وجدات، ولغرض مشاركتهن في حفل تكريم أستاذهن، فقد تطلّب الأمر الأذن من الإمارة، ولم تصل الموافقة إلا قبل ساعات من الحفل، والسؤال هو: كيف يحدث أن يرسلن تلك السيدات إلى أمريكا قبل أربعين سنة، من قبل الحكومة، ويحتجن اليوم إلى موافقة لتكريم أستاذهن، الذي كان يرعاهن كأب؟؟ إنها مفارقات عجيبة حقاً!! [email protected]