لقد تسابقت الدمعات إلى عيني حين قرأتُ ما سطره مبتعثٌ إلى جامعة هارفارد -حفظ الله عليه دينه وعلى جميع المبتعثين وردهم إلينا سالمين غانمين نافعين. وخلاصة ما أثار الدمع هو ما دار بين الطالب المبتعث وبين صاحبة مطعم (أمريكية الجنسية تونسية الأصل) حين ذهب إلى مطعمها, فكانت تقوم عليه خدمة وإشرافاً وكانت متحجبة بل وناصحة كما وصفها المبتعث حين نصحته بإعفاء لحيته -وفقهما الله لما فيه رضاه- وكان مما قالته له: (يا ليت لو تعطيني جوازك السعودي وأعطيك جوازي الأمريكي والوجه من الوجه أبيض)! وقع في قلبي أنها تريد الإقامة بمكة, أو المدينة النبوية حين طلبت جواز المبتعث. قطع عليَّ هذا التفكير سؤال المبتعث لها في قوله:(فسألتها: لماذا؟ تتوقعون ماذا كان جوابها؟ أجابت قائلة: لكي أطلب العلم عند بقية السلف الصالح، الشيخ صالح الفوزان!! حقيقة عجبت من جوابها ومنطقها). انعقد لساني! شُلَّ تفكيري! تسابق الدمع إلى عيني. أحقاً ما أقرأ! أصدقاً ما أُبصر! أهذا ضرب من خيال! امرأة مشغولة بلقمة عيشها في مطعمها بأمريكا بيننا وبينها هذه المسافات تريد قطعها لطلب العلم, الله أكبر ما هذه الأمنية العظيمة. وليس هذا فقط بل وتعرِف عند من تطلبه، فهي تريد طلب العلم من أهله, وهم العلماء حقيقة. لا إله إلا الله، كأني بها سمعتْ قول الإمام مالك رحمه الله حين وجّه من أراد العلم قائلاً: (اطلبوا العلم من أهله). بل لا تتوقف أمنيتها على أن تطلب العلم من أي عالم بل تتلمس في طلبها بقية السلف والمقدم من علماء العصر وأئمة السنة ألا وهو شيخنا ومعلمنا وعلَّامتنا سماحة الشيخ الوقور صالح بن فوزان الفوزان غفر الله له ونسأ في أجله في صحة وعافية بفضله سبحانه. إيهٍ حُقَّ لك أخي المبتعث -حرسك الله- أن تعجب, وحق لي أن أكتب عجبي وإعجابي بكلمات تلك المرأة صانها الله وحفظها. كيف عرفت لعالمنا وشيخنا قدره, حين جهله بعض الناس! كيف أدركتْ بفطرتها وما عندها من معلومات مَنْ هم بقية السلف من أهل العلم القائمين به المنافحين عنه حين ضيّع الهوى عن منهج السلف جملة ممن ينسب للعلم والدعوة. تأمل طموحها في إرادتها قطع تلك المسافات، وركوبها لأنواع من المشقات؛ لطلب العلم بين يدي ذلكم الإمام الصبور, حين انصرف عنه آخرون! أرادتْ -رزقها الله العلم النافع- معرفة السنة وطلب طريق السلف بلزوم حلق العلم والعلماء. حلُمتْ أن تقضي شيئاً من عمرها في المرابطة في دراسة العلم عند الشيخ الجليل غفر الله له. وا أسفاه على بعض شبابنا المنصرف عن دروس ذلك العالِم. وا حسرتاه حين يُقرع السن ندماً على فواته. وا مصيبتاه حين يتطاول أغمار صغار على أمثاله من الكبار! هل يعي المفرطون حجم تفريطهم؟ وهل يفيق المزايدون على منزلة علمائنا؟ وهل سيعلم الجاهل منزلة الإمام صالح الفوزان كما عرفتها صاحبة المطعم؟ هذا ما أرجوه ختاماً كنتُ في إحدى المكتبات قبل خمس سنوات تقريباً أُقلِّب الكتب, فأخذتُ كتاباً عنوانه (أيتام غيّروا مجرى التأريخ)! فقرأتُ كثيراً منه في المكتبة ولم اشتره! وكان يحمل اسم عبدالله الجمعة فإن كان صاحب القصة المبتعث -سلمه الله- لهارفارد «عبدالله الجمعة» هو نفسه، فهل في طبعته القادمة سيضيف شيخنا العلامة صالح الفوزان فيه؟ فعنوان كتابه منطبق عليه. - عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء.