يميل الكثيرون لترجيح كفّة الحقيقة على الخيال في مناحي الحياة وتفاصيلها العلمية أو في جانب التعامل والوضوح وما سوى ذلك، أما في علم البيان والبديع وتحديداً الشعر فإن الخيال يتجاوز القيمة النمطية للحقيقة - مجازاً - حتى لو كانت (الحقيقة أغرب من الخيال) (Truth is stranger than fiction) لأن الخيال (من منظور نقدي) هو ما يميز النصوص الشعرية ويجد احتفاء خاصا في تفاعل أدوات الناقد الفنية معه للمتميز منه، يقول الشاعر عزيز أباظة: لم نَعتنقْ والهوى يُغْري جوانِحَنا وكمْ تَعانَقَ روحانا وقَلبانا بل قد يكون (الخيال العابر) بلسما لما في ثنايا واقع الحال العاطفية فيما يخص دائرة -الأحاسيس الخاصة- وعمق تأثيرها الخفي.. يقول الأمير الشاعر خالد الفيصل: خل الفكر يرتاح والقلب خلّه في غيمة النسيان يلقى بها بيت أسجّ بعض الوقت ماهوب كله وأعود كنّي ما عن الحال سجيّت واشوف كلّش ثابتٍ في محلّه عن واقع الأيام ماكنّي اقفيت وحتى لو تساوت الحقيقة مع الخيال فالإقرار في هذه المساواة مرير وعلى مضض وليس في أسعد محطات القلوب.. يقول الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن: الحقيقة غدت مثل الخيال (هو عدوِّي وهو أوفى خليل) والتجلّي في الخيال قد يبدأ بالتلميح ويمتد لقرار شخصي قد لا يمكن الرجوع عنه؛ وهنا يكون وصف الخيال متفوّقا على الحقيقة كقرار -الملل- الذي بُنيَ من قبل الشاعر نايف صقر بعد أن تغاضى كثيراً وأرسل الصمت الممضّ رسولاً تعثّر في إيصال (لغة العيون): لي رغبةٍ فيك ما أدري وين أودِّيها عجزت أعلِّمك عنها وانت متناسي ملّيت اكحِّل عيوني صمت واعميها ملّيت أعلّمك بعض اللين يا قاسي وتمضي دورات الأيام والليالي ويبقى من ينتصر للحقيقة على الخيال والعكس صحيح بحسن نِيّة -وبسوئها أحيانا- ولكن خارج حدود الشعر الحقيقي الراقي الذي لا تقبل مواقف شعرائه الناصعة أي تفسير عدا الرقي في كل شيء. [email protected]