(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (57) سورة العنكبوت. الأيام جميعها سواء، ولكن يوجد أيام تنسى وتمحى من الذاكرة، وأيام تتمنى أن تعود، وأيام أخرى أن لا تعود.. لكن الزمن لا يمكن أن يرجع للوراء. اتصل بي أحد الأقارب ظهر يوم الثلاثاء 4 رجب 1434ه وأنا منهمك في العمل، ولم أستطع الرد عليه، وأعاد الاتصال، وألح بذلك، وبعد مرات عدة اضطررتُ للإجابة عليه في عجالة، وتمنيت أنني لم أرد على هذا الاتصال؛ إذ أبلغني بوفاة ابن خالي؛ فصُدمت من هذا الخبر، وتوقف كل ما بيدي، وانتهت جميع المشاغل فجأة، ولم أعد أبالي بما كنت أعمل وما سأعمل، وبطبع النفس لا تهوى ما يكدرها، وعدم تصديق ما يعكر صفوها ويقض منامها ويقلقها، وكأن الدهر سيصفو لنا دائماً. بادرت بالاتصال غير مصدق ومقتنع بصدق الخبر بصديقي وأخي محمد الشايع، الأخ الأكبر للفقيد، للتأكد من النبأ الأليم، وأكد لي ذلك؛ فعدت لأحلام اليقظة، واسترجعت ذاكرتي أياماً قد عشتها مع الفقيد، ولكن هي الأقدار لا مفر منها، ولا بد أن تأتيك أخبارٌ مفجعة في يوم ما. فقدت في ذلك اليوم الصديق القريب الأخ ماجد بن ناصر الشايع، لست أنا فقط، ولكن فقده جيرانه وأقاربه وأصدقاؤه ومحبوه وكل من عرفه أو تعامل معه من قريب أو بعيد.. أخذه الموت من بيننا وهو في ريعان شبابه كان عقد الآمال، وخطط لمستقبل مشرق، ولكن الموت إذا جاء فلا مفر منه، أحسبه - والله حسيبه - من الصالحين الأخيار، ولا أزكي على الله أحداً. سرني ما وجدته من حضور جموع غفيرة للصلاة عليه - رحمه الله - حضروا من داخل وخارج المملكة، وامتلأت المقبرة بالمعزين والمحبين والمودعين له، والجميع يدعو له والدموع تذرف في وداعه، ويعلم الله أننا تأثرنا جميعنا لفقده. عاصرته وصادقته بحكم القرابة منذ الطفولة، ودرسنا سوياً في الثانوية العامة في حي عليشة بالرياض، وأيضاً في جامعة الملك سعود، وسافرت معه داخل وخارج المملكة، وكان مثالاً للرجل الودود المبتسم البشوش الذي لا تفارق الابتسامة محياه، ولم أذكر يوماً أن وجدته متجهماً عابس الوجه، لا يأخذ الدنيا على محمل الجد؛ فكلنا راحلون عنها. كان - رحمه الله - يعيش يومه فقط، ولم أذكر أنه قد أغضب أو خاصم أو ضايق زميلاً له قط، وكان حضوره بيننا له بالغ الأثر؛ فهو مبادر سباق لكل ما فيه مصلحة لصديق أو قريب، هو قائد ومخطط بارع وقريب من الجميع.. فالكل يعتقد أنه هو أقرب شخص له؛ إذ إن جميع الناس عنده سواء، يكنُّ لهم في قلبه كل محبة وتقدير، ولم أعرف عنه إلا كل خير، ولا أملك له إلا حق الدعاء بالرحمة والمغفرة. وإن كان فقده وتأثر بوفاته الأصدقاء فما حال من يتعامل معه يومياً؟ فعزائي لهم ولمن عمل معه، وعزائي لوالدي المربي الفاضل الخال ناصر بن عبد الله الشايع، هذا الجبل الشامخ الصابر المؤمن المحتسب؛ إذ فقد فلذة كبده، ولم نسمع منه إلا قوله: لا حول ولا قوة إلا بالله، لله ما أعطى وله ما أخذ. والعزاء موصول لإخوان الفقيد فهد، وبدر، وعبد الله، ومحمد، وأنس، وحسام، وأخواته ووالدته، وعظم الله أجركم، وألهمكم الصبر والسلوان.