الحديث مع دبلوماسي مخضرم في شؤون المنطقة يشبه ولوج متاهة الأبواب المتشابهة... كنت أدرك ذلك قبل لقائي بالمبعوث الصيني للشرق الأوسط السيد وو سي كه والذي زارنا في صحيفة الجزيرة أثناء زيارته الى المملكة مؤخراً... اليوم لا يمكن أن يوجد سؤال حول المستقبل إلا وتكون الصين طرفاً فيه، فالقوة الصينية الناعمة والتأثير المتزايد لها في الخارطة العالمية لم يعد يقف على حياد الاقتصاد، حتى وإن أصر ساستها أنه السياج الذي يحمي المصالح.... «الجزيرة» حاورت المبعوث الصيني للشرق الأوسط السيد ووسي كه واستجلت الموقف الصيني حول كثير من الملفات الساخنة... فإلى الحوار: * السلام والاستقرار هاجسان في منطقة الشرق الأوسط، كيف ترى الصين سُبل تحقيقهما ودعمهما وأنتم من يحمل هذا الملف كمبعوث للمنطقة؟ وماذا تحمله هذه الزيارة في هذا الصدد؟ - أشعر بارتياح وامتنان كبيرين جدًا لإتاحة الفرصة لي لزيارة المملكة العربيَّة السعوديَّة، حيث تشرفت بلقاء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، كما التقيت صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز نائب وزير الخارجيَّة، وقد نقلت تحيات الرئيس الصيني المنتخب حديثًا شي جين بينغ ونائبيه فان تشانج لونج، وشيوى تشي ليانج إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمير سلمان بن عبد العزيز، وفيما يتعلّق بالسياسة الخارجيَّة التي تتبناها الحكومة الصينية الجديدة فتكمن في تعزيز مبادئ السلام والتنمية والفرصة المشتركة، كما تولي اهتمامًا بالغًا بتطوير العلاقات مع المملكة العربيَّة السعوديَّة وبقية الدول النامية. وفي زيارتي للمملكة العربيَّة السعوديَّة الصديقة أحمل رغبة شديدة من حكومة جمهورية الصين الشَّعبية لتعزيز التعاون بين البلدين في كافة المجالات. وهذا الأمر ينطبق على التعاون بين السعوديَّة والصين، حيث نسعى إلى تعزيز العمل الثنائي ليشمل جميع المجالات، فمثلاً السعوديَّة تقيم المهرجان الوطني للتراث والثَّقافة «الجنادرية»، والصين باعتبارها ضيف شرف لهذا المهرجان فإنَّها تولي اهتمامًا بالغًا بالمشاركة، حيث يرأس وزير الثَّقافة الصيني وفدًا كبيرًا مشاركًا في انطلاق فعاليات المهرجان. وهذا يعكس اهتمام الصين للفعاليات الثقافيَّة التي تقام في المملكة العربيَّة السعوديَّة. كما يعكس الموقف الصيني المنفتح أمام التعاون مع المملكة. ولذلك نؤكد على الجهود المشتركة لتحقيق التنمية الشَّاملة في المنطقة والعالم. * من أهم العوامل التي دفعت بالدور الصيني في المنطقة استثمار الشُّعور العدائي العربي تجاه بعض الأخطاء الأمريكيَّة في المنطقة، وفي الأحداث السورية بدأت الأمور ولا زالت تشير إلى أن الصين تخسر أكثر مما تربح وبدأ الشُّعور الشعبي العربي يتشكَّل باعتبار الصين داعمة لممارسات النظام السوري.. كيف ترون الأمر؟ - هناك سوء فهم للموقف الصيني تجاه ما يحدث في سوريا، فالصين ترى أن مصلحة الشعب السوري تأتي في المقام الأول، وأعمال العنف واستمرار القتل وإراقة الدِّماء تمثِّل خسائر فادحة وجميعها لا تخدم مصلحة الشعب السوري، لذلك فالصين منذ البداية تدعم الجهود الرامية إلى إيجاد حلٍّ سلمي للقضية السورية من خلال الوسائل السياسيَّة، والصين حكومة وشعبًا تؤمن بمبادئ السَّلام، وتكنّ المَحَبَّة لسوريا وشعبها، أيضًا تهتم بتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وكل ما نتمناه هو أن نرى جميع الشُّعوب العربيَّة الصديقة في حال أفضل ومنها الشعب السوري. * كان موقف الصين حياديًّا في التصويت في مجلس الأمن حول قرار فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا في آذار (مارس) عام 2011 على الرغم من أن الصين تتحدَّث عن الهواجس ضد التدخل الأجنبي بقيادة الحلف الأطلسي ولم تستخدم حق النقض (الفيتو) آنذاك، وكانت تبرر ذلك بأن المبادرة جاءت من جامعة الدول العربيَّة وهي تدعمها، ألا ترون أن الموقف الصيني الآن والجامعة العربيَّة موحدة في موقفها تجاه سوريا، يبدو متناقضًا أمام المواطن العربي الذي يرصد هذين الموقفين؟ - نعم بعض الدول العربيَّة شهدت تغيرات وإصلاحات اجتماعيَّة كبيرة على مدى أكثر من سنتين، والصين بدورها تتابع عن كثب التطوُّرات والمستجدات في المنطقة العربيَّة، ومنذ البداية أكَّدت الصين بِكلِّ وضوحٍ على احترامها لكافة مطالب الشُّعوب العربيَّة بالإصلاح والتنمية، كما نثق بأن الشُّعوب العربيَّة لديها القدرة والحكمة لحلِّ المشكلات والخلافات واختيار طرق تنموية تتماشى مع أهدافها الوطنيَّة، كما تُؤكِّد الصين على التزامها بمبادئها في السياسة الخارجيَّة، المتمثلة في عدم التدخل في الشؤون الداخليَّة لأيِّ دولة، والدَّعوة في الوقت نفسه إلى تسوية الخلافات عبر الحوار والطرق السلمية لتلبية مطالب الشُّعوب. وفي ظلِّ الظروف والاضطِّرابات الخطيرة التي تعيشها بعض الدول العربيَّة فقد لعبت جامعة الدول العربيَّة ومجلس التعاون لدول الخليج العربيَّة دورًا مهمًا جدًا في حلِّ المشكلات، والصين من جانبها تدعم هذا الدور المهم لجامعة الدول العربيَّة ومجلس التعاون الخليجي، ومن شواهد ذلك الدور المهم ما قام به مجلس التعاون الخليجي في الدفع بحلٍّ سلمي للقضية اليمنية لتفادي وقوع مزيد من القتلى وإخماد الاضطِّرابات التي شهدها اليمن. وقد رأينا الأضرار الفادحة التي نجمت عن التدخل الخارجي العسكري في ليبيا، حيث تسبب هذا التدخل في خسائر بشرية ومادية كبيرة وخطيرة جدًا، وكل ذلك لا نريد أن نراه كما أعتقد أن المجتمع الدَّوْلي أيضًا لا يريد أن يراه، ولذلك ندعو إلى حلٍّ حازمٍ وحاسمٍ للقضية السورية عبر حوار سياسي، ونرفض رفضًا قاطعًا استخدام القُوَّة لحلِّ المسألة السورية، لذلك السبب تحافظ الصين على اتِّصالاتها الكثيفة مع كل من الحكومة السورية والمعارضة على حدِّ سواء، وقد زرت سوريا عدَّة مرَّات واتصلت بمسؤولين في المعارضة السورية، وفي أثناء لقائي معهم أفادوني بأنَّهم أيضًا من جهتهم يرفضون التدخل الخارجي خاصة التدخل العسكري الخارجي، لأنهم قد رأوا النتائج الفادحة التي خلفها التدخل البري والجوي في بلدان أخرى، وهم يثقون بأنَّه لديهم القُوَّة والحكمة لتحقيق الإصلاح والتغييرات في المجتمع، بالرغم من أن ذلك يستلزم وقتًا أطول نسبيًّا، ولكن هذا الخيار سيأتي بأقل الخسائر تجاه الشعب، ولهذا السبب ندعو دائمًا ونلتزم بحلٍّ المسألة السورية حلاً سياسيًّا وسلميًّا، وننتهز كل فرصة لدعم هذا الموقف، وندعو كلاً من الحكومة السورية وجميع الأطراف المعنية إلى وقف أعمال العنف وتجنَّب وقوع المزيد من الخسائر في الشعب السوري والمنطقة بأكملها. والصين من جهتها تدعم جهود السيد الأخضر الإبراهيمي ممثل الأممالمتحدة وجامعة الدول العربيَّة من أجل التَّوصُّل إلى حلول سياسيَّة للأزمة السورية، أيضًا تدعم جهود جامعة الدول العربيَّة، وتقف مع أيّ توجه للدفع بحلٍّ سياسيٍّ لإنهاء المأساة والمعاناة التي يعيشها الشعب السوري. * تتحدَّثون عن حماية البنية التحتية السورية وتفادي الأضرار بالشعب السوري والحصول على أقل الخسائر.. ألا ترون أن بقاء الوضع كما عليه الآن يسهم بالمزيد من الدَّمَار والإضرار بالشعب السوري؟ - أساليب الحلِّ لجميع المشكلات تطورت في عصرنا الحالي، الذي هو عصر التقنيَّة والتطوّر العلمي والمعرفي، لكن استخدام الحلول العسكريَّة لحلِّ المشكلات الاجتماعيَّة ينطوي عليه مخاطر ودمار كبيرين تعود نتائجهما وخيمة على الشعب، وهذا الأمر برمته يَتطلَّب وقفًا فوريًّا لكافة أعمال العنف والقتال، لأن استمرار هذا الوضع سيُؤدِّي إلى مزيد من القتل والتدمير، وأيضًا مزيدًا من التعثر السلبي لحلِّ الوضع في المنطقة، ومن جانبنا في الصين فإننا نتابع ما يجري في سوريا بألم وقلق بالغين، ونتمنَّى أن يصل أطراف النزاع في هذا البلد إلى حلِّ، ولا بُدَّ أن يكون هناك مخرجٌ، وقد ناقشت بدوري هذا الأمر مع المسؤولين في المملكة العربيَّة السعوديَّة خلال زيارتي للرياض، وهناك تنسيقٌ وتعاونٌ مشتركٌ في هذا الجانب لإنهاء هذه الأزمة في أسرع وقت ممكن. * موقف الجامعة العربيَّة كان قويًّا وحاسمًا في القمَّة الأخيرة التي استضافتها قطر، إِذْ تَمَّ منح مقعد سوريا في الجامعة للمعارضة، بناءً على إجماع كبير حول هذا القرار.. كيف تنظرون إليه؟ - نحن في الصين نحترم اختيَّارات وقرارات جامعة الدول العربيَّة كونها تتم بين الإخوة العرب، وندعم بِشَكلٍّ مستمر الدور الذي تقوم به جامعة الدول العربيَّة لحلِّ هذه المشكلات، عبر الوسائل السلمية والسياسيَّة، وعلى كلّ حال فإنَّ الصين تتمنَّى أن ترى نتائج ملموسة تفضي إلى إنهاء هذه الأزمة في أسرع وقت ممكن، ونقف إلى جانب الشُّعوب العربيَّة الصديقة. * الراصدون لتجربة الصين السياسيَّة، يشيرون إلى أنّها تنتهج مبدأ النأي بالنفس، أو ما يسمى «صفرية المشكلات « حيث لا تريد الصين خلق نزاعات أواضطِّرابات مع أيّ طرف كان، هل ترون أن الصين ستستمر في هذا النهج خصوصًا فيما يتعلّق بالملفات الإستراتيجيَّة والساخنة، في ظلِّ التحولات التي يشهدها المسرح الدَّوْلي وتحوّلات موازين القوى، علاوة على الحجم الكبير الذي تمثّله الصين في الخريطة العالميَّة؟ - نعم هذا صحيح، فالسياسة الخارجيَّة الصينية تدعو إلى السَّلام، الصين تدعو إلى تحقيق التَّعايش السلمي مع كافة دول العالم، وأعتقد أنّه في هذا العصر الجديد، فإنَّ العلاقات الدوليَّة تقوم على تقاسم السراء والضراء، وكذلك تعزيز التبادل والتعاون وتحقيق الفرص المشتركة، بما يَتَّفق مع مصالح كافة الأطراف، إن الصين تحتاج إلى البيئة السلمية لتنمية ذاتها وفي الوقت نفسه فهي تسهم في تحقيق البيئة السلمية في العالم. لذلك لا توافق الصين على النَّظر إلى العالم بمنظور الحرب الباردة أو لعبة محصلتها صفر، بل تدعو الصين دائمًا إلى تحقيق التعاون على أساس الاحترام المتبادل لتحقيق التنمية المشتركة، لذلك تحرص الصين على تعزيز التعاون مع كافة دول العالم لتلبية الاحتياجات البشرية كافة، وأعتقد أنَّه مع ظروف العولمة والتطوّر السياسي الذي يشهده العالم، فقد تحوّل هذا العالم إلى قرية صغيرة، ما يَتطلَّب تعزيز التعاون العالمي لتحقيق التنمية المشتركة. والصين والسعوديَّة كلاهما دولتان تحبان السَّلام، لذلك لدينا مجالٌ واسعٌ لإجراء التعاون بيننا، أيضًا الصين تسجل تقديرًا كبيرًا لجهود المملكة العربيَّة السعوديَّة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في حلِّ المشكلات الإقليميَّة والدوليَّة، ومن ذلك المبادرة العربيَّة لحلِّ القضية الفلسطينيَّة، حيث سجَّلت الصين تقديرها لهذه المبادرات في محافل دوليَّة مختلفة لدعم القضية الفلسطينيَّة وحلّها على اعتبار أنّها قضية جوهرية في المنطقة، والصين بثقلها أيدت حصول فلسطين على انضمام فلسطين إلى عضوية الأممالمتحدة كدولة مراقبة، كما تدعم الصين أيّ جهود لحلِّ القضية الفلسطينيَّة على أساس إقامة دولة فلسطينيَّة ذات سيادة كاملة في حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقيَّة، وذلك وفق لحلِّ الدولتين. * تتحدَّثون عن دعمكم لحلِّ القضية الفلسطينيَّة والملاحظ أن العلاقات بين جمهورية الصين الشَّعبية وإسرائيل قد تطورت بِشَكلٍّ متسارعٍ بعد انتهاء الحرب الباردة في العام 1990 م، على الصعيدين العسكري والاقتصادي خصوصًا، في ظلِّ حديثكم عن تأييدكم لمبادرة الملك عبد الله للسلام التي تحوَّلت إلى مبادرة إجماع عربي، كيف يمكن أن توفق السياسة الصينية بين تنامي العلاقات الصينية الإسرائيليَّة من جهة وبين اتِّخاذ مواقف عادلة من جهة أخرى؟ - الصين تدعم قضية الشعب الفلسطيني العادلة، والمواقف الصينية ثابتة ودائمة وواضحة في هذا الجانب، وفي عام 1992 م قامت علاقات دبلوماسية بين الصين وإسرائيل بعد مؤتمر السَّلام في مدريد وهذه العلاقات طبيعيَّة بين دولة ودولة ولكنَّها لا تُؤثِّر على الموقف الصيني الداعم للقضية الفلسطينيَّة، وعندما تتعامل الصين مع إسرائيل، فإنّها تُؤكِّد دائمًا على ضرورة حلِّ القضية الفلسطينيَّة، وتحث إسرائيل على وقف بناء المستوطنات وتحسين الأوضاع الإنسانيَّة في الأراضي المُحتلَّة بما يهيئ الظروف ويجعلها مواتية لاستئناف عملية السَّلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والصين مستعدة دائمًا للقيام بالتنسيق والتعاون مع المملكة العربيَّة السعوديَّة لحلِّ القضية الفلسطينيَّة حلاً عادلاً وشاملاً والجهود مستمرة في هذا الإطار. * في العام 2008 م افتتحت قمَّة الشرق الأوسط والصين في الرياض، والتقى خلالها 100 منظم من المملكة العربيَّة السعوديَّة والصين، لمناقشة التحدِّيات والفرص الرئيسة لطريق الحرير، كيف ترون من جانبكم سبل دعم هذه العلاقات وإزالة التحدِّيات من أجل إعادة إحياء طريق الحرير؟ - إن كلا من الصين والمملكة العربيَّة السعوديَّة وبقية الدول العربيَّة لها تاريخٌ عريقٌ وحضارةٌ باهرةٌ، وتربط بين الصين والدول العربيَّة منذ قدم علاقات تبادل تجاري وثقافي متينة، وطريق الحرير القديم الذي أشرت إليه هو رمزٌ بارزٌ لهذه العلاقات التاريخية. وأعتقد أن يتوجب علينا أن نكرِّس روح التعاون والتبادل في ظلِّ الظروف الجديدة، لأن طريق الحرير الجديد مهمٌ جدًا بالنِّسبة للعلاقات الصينية العربيَّة في الوقت الراهن ولذلك نجد الكثير من الأشخاص يطرحون المبادرات المُتَعَلِّقة بإحياء طريق الحرير القديم، والصين لديها اهتمامٌ بالغٌ بهذا الطَّرح ونأمل أن نعزِّز هذه الروابط بين الجانبين ونبذل الجهود الرامية إلى تحقيق ذلك الهدف، هذا من النَّاحية الثقافيَّة، أما من النَّاحية الأخرى المُتَعَلِّقة بجوانب المواصلات، فبالإمكان بذل الجهود لتعزيز المواصلات، وبالتالي الارتقاء بمستوى العلاقات بين الصين والدول العربيَّة. وقبل ألف سنة أو أكثر كانت المسافات متباعدة بين الصين والدول العربيَّة وأيضًا شكل الطَّريق مشاقًا كبيرة، ولكن هذا لم يحل دون التواصل الحضاري في شتَّى المجالات بين الجانبين، ومع تطوّر وسائل المواصلات الحديثة فإنّها هذا يَتطلَّب المزيد من التواصل لتعزيز العلاقات لتشمل جميع مجالات الحياة. * تتحدَّثون عن دعم الصين للسلم والاستقرار العالميين، في الوقت الذي ينظر فيه البعْض إلى صدام الثّقافات وصراع الحضارات، كيف تنظرون إلى مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز بإنشاء مركز الحوار العالمي لأتباع الأديان والثّقافات في فيينا الذي يستهدف تعزيز التَّعايش السلمي العالمي؟. - لا أوافق على نزعة صراع الحضارات، واتفق كليًّا مع ما طرحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بهدف نشر مفهوم الحوار بين الحضارات والثّقافات المختلفة، والصين تدعو دائمًا إلى الحوار بين الحضارات والاستفادة من التنوّع الذي يميز بين كل حضارة وأخرى، وهذا يثري العالم بألوان مُتعدِّدة ومتنوّعة، وأعتقد أن التبادل بين يسهم في تحقيق الازدهار والتنمية في الحضارات المختلفة، وهذا طريق مهمٌ جدًا، لذلك ندعم المبادرة التي طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين الحضارات المختلفة، إما في إطار المنتدى الصيني العربي فلدينا آلية مهمة تتمثل في الحوار بين الحضارات وقد أجرينا عدَّة جولات من الحوار في هذا الإطار وسنواصل هذه الجهود للدفع بهذا الحوار إلى الأمام. * تمثِّل الصين نموذجًا فريدًا لحالة دولة متقدمة، وفي المقابل تحمل بعض سمات الدول النامية، والآن وبعد تحوّل الثقل والتأثير العالمي من مجموعة الثمانية «G8 « إلى مجموعة العشرين «G20 «، كيف يمكن للصين كدولة عظمى وأيضًا كمشاركة لاهتمامات الدول النامية أن تسهم في دعم الإصلاحات العالميَّة المُتَعَلِّقة بالمنظومة الدوليَّة كصندوق النقد والبنك الدَّوْلي وأيضًا الأممالمتحدة ودورها على المستوى العالمي؟ - بدأت الصين تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح منذ أكثر من 30 عامًا، وحققت تقدمًا ملحوظًا في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وعلى الرغم من ذلك ما زالت الصين تنتمي إلى الدول النامية، وهذا يعود لسببين، الأول: إن لدى الصين 1.8 مليار نسمة ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي منخفض نسبيًّا، الثاني: الصين جعلت تطوير العلاقات مع الدول النامية في المرتبة الأولى ضمن سياستها الخارجيَّة، وهذا موقف لا يتغيَّر أبدًا، لأننا نعتقد أن العلاقات بين الصين والدول النامية هي علاقات شراكة إستراتيجيَّة جديدة وهذه العلاقات متينة. ووفقًا لهذا المفهوم تحرص الصين على تطوير علاقاتها مع المملكة العربيَّة السعوديَّة وتراها شريكًا إستراتيجيًّا، وإضافة إلى ذلك فإنَّ لدينا منبرًا آخر ألا وهو مجموعة العشرين لأنّه بعد الأزمة الماليَّة العالميَّة، تزايد دور الدول النامية في الشؤون الاقتصاديَّة العالميَّة، وهذا ما أسهم في التحوّل إلى مجموعة العشرين، وكل من الصين والمملكة العربيَّة السعوديَّة عضوان في هذه المجموعة وتربط بينهما آفاق تعاون جيّدة. كما أنّه يتوجب علينا بذل المزيد من الجهود من أجل إيجاد نظام أكثر عدالة لدعم الدول النامية في العالم. وأعتقد أننا لن نستطيع تحقيق الاستقرار والدَّعم في العالم إلا من خلال خلق التنمية المتوازنة بين الدول المتقدِّمة والدول النامية. أما في إطار الإصلاح والتغيير في النظام الدَّوْلي تلعب الصين دورًا مهمًا في الدفع بإصلاح الأنظمة الدوليَّة وجعلها أكثر عدالة لبناء عالم أكثر انسجامًا، ولهذا نبذل جهودًا كثيرة ودءوبة من أجل تحقيق تلك الأهداف. * يقول فيلسوف الصين «دنج شياو وبنج»: لا يهم لون القطة إذا كانت تصطاد الفئران».. هناك من يربط بين هذا القول وبين الانطباع الذي يحمله بعض السياسيين والراصدين للمواقف الصينية بأن بوابة الصين هي الاقتصاد فقط، بمعنى أن المواقف السياسيَّة هي انعكاس للواقع الاقتصادي، ولذلك تقرأ جميع المواقف الصينية السياسيَّة من خلال تفسير اقتصادي محض بعيدًا عن المواقف الراسخة.. ما تعليقكم على هذا الطرح؟ - أعتقد أنّه بعد التطوُّرات الاجتماعيَّة في حياة النَّاس فإنَّ هناك متطلبات ملِّحة تظهر دائمًا أمامنا، فمثلاً في بداية تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين احتجنا لمعالجة المسائل الاقتصاديَّة الناجمة عن تزايد أعداد السكان والفقر في المجتمع، ولذلك السبب ركزنا جهودنا ولمدة طويلة على جوانب التنمية الاقتصاديَّة، ولكن هذا لا يعني أن الصين لا تركز الجهود على القضايا الأخرى، فنحن نبذل الجهود دائمًا لتحقيق التنمية المتوازنة والشَّاملة سواء في المجال الاقتصادي أو المجال السياسي أو المجال الثقافي وحماية البيئة. والأمر ذاته ينطبق على السياسة الخارجيَّة الصينية فنحن نسعى إلى تحقيق التنمية الشَّاملة مع الدول الأخرى والحفاظ عليها من خلال التعاون المستمر الذي لا يقتصر على المجال الاقتصادي فقط بل يشمل مجالات أخرى. والمواقف السياسيَّة التي تدعم الأهداف التي نسعى لتحقيقها في سبل دعم السَّلام العالمي والتنمية المتوازنة بين الدول المتقدِّمة والنامية على رأس أولوياتنا * يبدو أن المسألة بدأت تتصاعد في شبه الجزيرة الكورية الآن.. ما تعليقكم على ما يحدث؟ - الأمر فعلاً يقلقنا في الصين ونتمنَّى ألا يتطوّر الخلاف بين جيراننا في الكوريتين ليصل إلى مزيد من التصعيد، والصين تدعو إلى تعامل جميع الأطراف المعنية مع هذه المسائل بقدر من الهدوء وضبط النفس. ** وو سي كه... ثالث مبعوث صيني للشرق الأوسط السيد وو سي كه المبعوث الصيني للشرق الأوسط وُلد بمحافظة ينغشانغ بمقاطعة آنهوي في سنة 1946م، وتخرج من جامعة الدراسات الدولية للغات ببكين قسم اللغة العربية، واستهل عمله الدبلوماسي بسفارة الصين لدى مصر عام 1973م إلى 1980م، وعمل بعد ذلك موظفاً بإدارة غربي آسيا وشمالي إفريقيا بديوان وزارة الخارجية الصينية حتى عام 1981، وواصل عمله سكرتيراً ثانياً بوزارة الخارجية الصينية إلى عام 1983م، وانتقل للعمل سكرتيراً أول في سفارة الصين لدى سوريا حتى عام 1988م، وعاود العمل لدى إدارة غربي آسيا وشمالي إفريقيا في وزارة الخارجية الصينية بوظيفة رئيس قسم لغاية 1991م، وعمل أيضاً نائباً لمدير إدارة غربي آسيا وشمالي إفريقيا بوزارة الخارجية الصينية حتى عام 1993م، وواصل عمله السياسي مستشاراً بسفارة الصين لدى مصر حتى عام 1996م، وعاود بعد ذلك عمله مديراً بإدارة غربي آسيا وشمالي إفريقيا بوزارة الخارجية الصينية إلى عام 2000م، ثم تولى بعد ذلك مهام العمل سفيراً للصين لدى المملكة العربية السعودية إلى عام 2003م، ثم عمل سفيراً لبلاده لدى مصر ثم سفيراً مفوضاً للصين لدى جامعة الدول العربية عام 2007م، وجرى تعيينه مبعوثاً للصين إلى الشرق الأوسط في عام 2009م خلفاً للمبعوث السابق السفير سون بي قان.