أكد سفير الصين لدى المملكة العربية السعودية تشن وي تشينغ أن العلاقات بين الصين والسعودية منذ إقامتها عام 1990 تتمتع بتنمية مستقرة طويلة الأجل فيما يحافظ التعاون العملي بين البلدين في شتى المجالات على زخم كبير مع ترسخ جذور الصداقة في قلوب الشعبين. جاءت تصريحات سفير الصين لدى المملكة خلال مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا)) مؤخرا بمناسبة مرور 30 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث قال إنه على الرغم من أن الصين والمملكة بعيدتان عن بعضهما البعض جغرافيا، إلا أن الصداقة والتبادلات بينهما تعود إلى قديم الزمان. وأضاف تشن أن العلاقات الصينية السعودية تواصل تطورها بشكل مستدام في ظل الزيارات المتبادلة والمكثفة بين قادة البلدين متمثلة في زيارة فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية عام 2016 والتي أعلنت خلالها الصين والسعودية إقامة الشراكة الإستراتيجية الشاملة وإنشاء اللجنة المشتركة رفيعة المستوى بين البلدين، وزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع - حفظهما الله - للصين في عامي 2017 و2019 على التوالي لمواصلة تعزيز وتعميق الثقة السياسية المتبادلة وإرساء أساس متين لتعزيز التعاون الثنائي بشكل عام في كافة المجالات. وأشاد بالوتيرة السريعة التي تنمو بها العلاقات الثنائية في المجالين الاقتصادي والتجاري، مشيرا إلى أن الصين تعد أكبر شريك تجاري للمملكة، فيما تعد المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين وأكبر شريك تجاري للصين في غرب آسيا وإفريقيا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 78.18 مليار دولار في عام 2019. وتابع السفير قائلا إن المزيد من الشركات الصينية توجهت في السنوات الأخيرة إلى المملكة وأقامت مشروعات من بينها مشروع مصفاة ياسرف المشترك بين شركتي (سينوبك) الصينية و(أرامكو) السعودية والذي يعد أكبر مشروع استثماري للصين في المملكة. هذا علاوة على مشروع مترو مكةالمكرمة الذي شيدته شركة بناء السكك الحديدية الصينية، ويعد أول سكة حديدية خفيفة في المملكة. «أما مدينة جيزان الاقتصادية التي شاركت في بنائها شركات صينية فستكون بمثابة قوة دافعة جديدة للتنمية الاقتصادية على طول ساحل البحر الأحمر في المملكة مستقبلا»، هكذا أردف تشن، لافتا إلى أن الشركات الصينية العاملة في المملكة تقدم مساهمات إيجابية في توطين الصناعة السعودية وزيادة توظيف المواطنين السعوديين وتطوير المملكة في جميع المجالات. وذكر تشن أن العلاقات الصينية السعودية تمر في الوقت الحاضر بأفضل مراحلها في التاريخ، معددا المزايا بقوله إن هناك تكاملا اقتصاديا وصناعيا قويا بين البلدين، وتوافقا إلى حد كبير بين مبادرة «الحزام والطريق» و«رؤية 2030» السعودية، وفرصة نادرة أمام الشركات الصينية للتنمية في المملكة. علاوة على فضاء واسع للتعاون الثنائي في البنية التحتية الجديدة، والتكنولوجيا الفائقة، والاتصالات، والاقتصاد الرقمي، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من المجالات. ومن ناحية أخرى، سلط الضوء على أن التعاون الثقافي والتعليمي والسياحي بين الصين والمملكة يشكل حلقة مهمة من الشراكة الإستراتيجية الشاملة بينهما حيث أجرى البلدان تعاونا مثمرا في اللغة والثقافة والتعلم المتبادل بين الحضارات وحماية التراث. أما عن التبادلات بين البلدين في المجال التعليمي، فقال تشن إنها تزداد عمقا، حيث قامت المملكة بإدراج اللغة الصينية في مناهجها الدراسية في عام 2019 وأجرت الإدارات التعليمية بالبلدين اتصالات وثيقة حول التعاون في هذا الصدد، فهناك حاليا أساتذة صينيون يقومون بالتدريس في جامعات سعودية، فيما تقدم ثماني مدارس ابتدائية وثانوية دورات دراسية في اللغة الصينية. و«لا شك أن تعميم تعليم اللغة الصينية تدريجيا سيزيد من التعارف والصداقة المتبادلة بين الشعبين» حسبما ذكر السفير. وتطرق تشن إلى التكامل في قطاع السياحة، الذي يعد جزءا مهما من «رؤية 2030» السعودية، حيث تذخر المملكة بإرث ثقافي عريق ومناظر طبيعية فريدة، فيما تعد الصين أكبر مصدر للسياح في العالم، مضيفا أنه منذ تدشين المملكة تأشيراتها السياحية في العام الماضي، أصبحت الصين واحدة من أهم مصادر السياح إلى المملكة، ومن ثم «يتمتع التعاون السياحي بينهما بمستقبل واعد». وحول الجهود المشتركة التي بذلتها حكومتا الصين والمملكة للتغلب على التحديات المشتركة الناتجة عن جائحة فيروس كورونا الجديد، ذكر تشن أن فيروس كورونا الجديد عدو مشترك للبشرية بأسرها، ولا يمكن لدول العالم التغلب عليه إلا بالتضامن والتعاون. وألمح إلى أنه في أصعب الأوقات من مكافحة الشعب الصيني للجائحة، قدمت الحكومة والشركات السعودية مساعدات عاجلة للجانب الصيني لمكافحة الفيروس، وبعد تفشي الجائحة في المملكة، أرسلت الحكومة الصينية فريقا من الخبراء الطبيين إلى المملكة لتقديم إمدادات طبية وتبادل الخبرات فيما ساهمت الشركات الصينية العاملة بالمملكة بنشاط في تحسين قدرة البلاد على الكشف عن الفيروس وتعزيز أعمال الوقاية والسيطرة. ولفت تشن إلى أن الصين والمملكة تعيشان في نفس عصر العولمة، وتتشاركان نفس مجتمع المصير المشترك للبشرية، وتربطهما مصالح ومسؤوليات مشتركة، مضيفا أن البلدين أثبتا من خلال الإجراءات العملية أن التكاتف في مكافحة الجائحة هو الخيار الصحيح الوحيد وأن التضامن والتعاون هو أقوى سلاح. وفيما يتعلق بدور الصين والمملكة في الحفاظ على الاستقرار والسلام على الصعيدين الإقليمي والعالمي، ذكر تشن أن الصين والمملكة شريكان حميمان في تعزيز تشكيل العلاقات الدولية الجديدة وبناء اقتصاد عالمي منفتح وتحقيق التنمية السلمية في المنطقة، ويحافظان على تنسيق وتعاون جيدين في الشؤون الإقليمية والدولية، معربا عن دعم الجانب الصيني لرئاسة المملكة لمجموعة العشرين في عام 2020 وتقديره للدور الإيجابي الذي تلعبه كرئيسة للمجموعة في الشؤون الدولية. وثمن تشن التطور المستمر للعلاقات الصينية العربية، واصفا منتدى التعاون الصيني العربي بأنه أهم منبر للتعاون بين الجانبين ومسلطا الضوء على مشاركة المملكة بنشاط في تأسيس المنتدى واستضافتها بنجاح الدورة الثالثة لمنتدى المرأة الصينية العربية في الرياض في ديسمبر 2019. وأشار إلى تأكيد الجانب السعودي، خلال الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي التي عُقدت أوائل هذا الشهر في بكين، على أن المملكة ترغب فى العمل مع الصين لبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية، معبرا عن تقدير الصين لذلك وتطلعها إلى بذل جهود مشتركة مع الجانب السعودي لتعزيز بناء آلية المنتدى والحوار والتعاون بين البلدين. كما ذكر تشن أن الجانب الصيني يواصل التنسيق مع الجانب السعودي في الأممالمتحدة وغيرها من المنظمات متعددة الأطراف، مضيفا أن الجانبين يحافظان على المصالح المشتركة للدول النامية، ويتفقان في أن تحقيق الاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط يصب في المصلحة المشتركة لشعوب الإقليم والعالم بأسره، وفي ضرورة التمسك بالحل السياسي للقضايا الإقليمية الساخنة والسعي إلى إيجاد حل شامل وعادل ودائم لها عبر الوسائل السياسية والحوار والتشاور. وقال السفير الصيني في الختام إنه في مواجهة التغيرات العميقة التي يشهدها الوضع السياسي والاقتصادي العالمي حاليا، يعرب الجانب الصيني عن استعداده للعمل مع الجانب السعودي لتقديم مساهمات أكبر في تعزيز السلام والاستقرار والتنمية والازدهار على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وبذل جهود مشتركة من أجل بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية. سفير الصين الأسبق لدى السعودية والمبعوث الصيني الخاص الأسبق للشرق الأوسط ، وو سي كه وو سي كه على الرغم من أن المملكة العربية السعودية كانت آخر دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، إلا أن البلدين عقب إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما تمتعا بفلسفة مشتركة تمثلت في اغتنام الوقت لتطوير العلاقات وتعويض الوقت الضائع في الماضي. وعلى مدار الثلاثين عاما الماضية، أحرزت الصين والمملكة العربية السعودية تقدما كبيرا في العلاقات السياسية، والتعاون الاقتصادي والتجاري، والتبادلات الثقافية، والاتصالات والتعاون في القضايا الإقليمية والدولية. نائب عميد كلية اللغات الأجنبية بجامعة بكين، فو تشي مينغ في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وبفضل الدعم المالي الذي قدمته إحدى المؤسسات السعودية، تمت طباعة المواد التعليمية الخاصة بدراسة اللغة العربية في جامعة بكين. كما ساعدت السعودية حينها أيضا جامعة بكين في إنشاء معامل للغة داخل الجامعة. وفي السنوات الأخيرة، أوفدت بعض الشركات السعودية بما فيها شركة أرامكو موظفين ممتازين إلى الصين لدراسة اللغة الصينية والتكنولوجيا الرقمية والتجارة وغيرها من التخصصات. إن فرع مكتبة الملك عبد العزيز العامة في جامعة بكين الذي تم البدء في إنشائه في مارس 2017 ثم اُفتتح في مارس 2018، يُشكل جسرا ورابطة لدفع التبادلات الثقافية بين البلدين. ويلعب التعاون في مجال التعليم دورا أساسيا في ارتكاز التعاون الاقتصادي والتجاري على أرضية صلبة. الخبير الصيني المخضرم في شؤون الشرق الأوسط ، لي شاو شيان إن الصين طرحت مبادرة الحزام والطريق في السنوات الأخيرة، وقوبلت المبادرة باستجابة نشطة من السعودية، ما جعل الجانبين شريكين مهمين في المبادرة واكسب التعاون بينهما معنى كبيرا. إن تنمية العلاقات الصينية السعودية تحمل أهمية كبرى. ونظرا لكون الشرق الأوسط منطقة مهمة في العالم والسعودية دولة مؤثرة في المنطقة والصين عضو دائم في مجلس الأمن الدولي وتهتم بالاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، فإن دفع تطوير العلاقات بين بكينوالرياض يساهم في السلام والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط ويتفق مع المصالح الدولية والإقليمية. إن الصين تدعم السعودية في الاضطلاع بدور بناء في تحقيق الاستقرار باعتبارها دولة كبيرة في الإقليم، فيما تعبر السعودية باستمرار عن دعمها للصين. إن التعاون الصيني السعودي في مجال مكافحة الإرهاب مهم جدا، والسعودية تسعى إلى مكافحة التطرّف وهذا شيء مهم لكل من الصين والعالم. البروفيسور بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين والأمين العام لجمعية بحوث الأدب العربي في الصين، شيويه تشينغ قوه السعودية دولة ذات ثقل ثقافي في العالم العربي. وبالإضافة إلى مؤلفاتها الأدبية الممتازة، فإنها تذخر أيضا بكبار المفكرين وعدد من مراكز الفكر الهامة التي تحظى بتأثير كبير. إن التعاون الثقافي الصيني السعودي يتجسد في عدة فعاليات من النشاطات الثقافية ومن بينها قيام أساتذة صينيين بترجمة أعمال ثقافية من اللغة العربية إلى الصينية وكذلك عرض كتب لكتاب سعوديين في معرض بكين الدولي للكتاب. إن قرار إدراج اللغة الصينية في المناهج السعودية يعبر عن الاهتمام السعودي بالتعاون الثقافي مع الصين لأن اللغة هي جسر للتواصل. الباحثة في معهد دراسات غرب آسيا وإفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، تشن مو إن التعاون الثنائي بين الصين والسعودية في المجال الاقتصادي حقق طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة. وإن الإصلاح الاقتصادي السعودي يعزز الاستثمارات الصينية السعودية المتبادلة في مجال الطاقة، ما يؤدي بدوره إلى إتاحة فرص جديدة لتعزيز مستوى التعاون الصيني السعودي والارتقاء به إلى آفاق أرحب. إن الصين والسعودية نجحتا في شق طريق جديد خاص بعد التوصل إلى عدة اتفاقيات خلال زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع-حفظه الله للصين في عام 2019 بما في ذلك تأسيس شركة هواجين أرامكو المحدودة للبتروكيماويات، وهي شركة صينية سعودية مشتركة مقرها مقاطعة لياونينغ بشمال شرق الصين. إن توسيع التعاون الاقتصادي التجاري بين البلدين يحمل آفاقا واعدة، وإن «رؤية 2030» السعودية تتضمن الكثير من المشروعات غير النفطية والمزيد من الخطط للصناعات الجديدة التي يمكنها الاستفادة من مميزات التكنولوجيا الصينية، الأمر الذي يتيح للتعاون العلمي بين البلدين فرصا جديدة في قطاعات الزراعة والبنى التحتية والنقل والمواصلات والاتصالات والأقمار الصناعية وغيرها. فو تشي مينغ لي شاو شيان شيويه تشينغ قوه تشن مو رئيس مركز البحوث والتواصل المعرفي يحيى بن جنيد يحيى بن جنيد إن العلاقات السعودية الصينية شهدت إنجازات كبيرة في المجالين السياسي والاقتصادي وتوسعت الآن لتشمل القطاع الثقافي مع قرار إدخال اللغة الصينية في المناهج السعودية، لينتقل التعاون الثقافي الثنائي إلى مستوى أعلى. عضو مجلس الاعمال السعودي الصيني ماجد العتيبة ماجد العتيبة إن الزيارات المتبادلة المتكررة بين قيادتي البلدين تمثل خطوة إيجابية لتعزيز العلاقات بين الطرفين. وإن التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين شهد نموا كبيرا على مر السنين، ما أدى إلى نجاح مذهل في التجارة الثنائية. تعد المملكة العربية السعودية أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا للعام الرابع عشر على التوالي. كما أصبحت المملكة أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين، وهو ما لم يكن ليحدث بدون النمو الملحوظ للاقتصاد الصيني خلال هذه السنوات. تهدف مبادرة الحزام والطريق الصينية إلى تعزيز التعاون في الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية من خلال العمل المشترك بين القطاعين العام والخاص، وهذا يتماشى مع خطط الإصلاح لرؤية المملكة 2030. باحث في مركز البحوث والتواصل المعرفي هيثم السيد هيثم السيد إن التعاون بين البلدين في مكافحة (كوفيد- 19) جيد جدا، وقد كانت وجهات نظر البلدين متشابهة من خلال إعطاء الأولوية لسلامة الناس، والدعوة إلى التعاون العالمي، والفعالية في اتخاذ القرارات لتعزيز التدابير الوقائية. أطلق المركز موقعه باللغة الصينية لتسهيل عمل الباحثين. ومن أجل تنمية التعاون الثقافي بين البلدين، أقترح دعم المنح الدراسية بين البلدين، وتنظيم برامج ثقافية أكثر والاهتمام بشكل أكبر بترجمة الكتب والمجلات والأوراق العلمية.