ليس الموت بمواراة الثرى فكم من أحياء أموات يلفظهم الناس وكم ممن نظنهم أموات أحياء في قلوب الورى خلد ذكرهم وبقيت أعمالهم ومناقبهم شاهدة عليهم تشي بما كان منهم من صلاح واستقامة في الحياة الدنيا، والأمير سطام بن عبدالعزيز -رحمه الله- واحد من هؤلاء الذين رحلوا عنا بأجسادهم وبقيت أعماله ومناقبه وآثاره شاهدة عليه بالحياة في قلوب محبيه الذي أخلص لهم طوال حياته، فكانت حياته على امتدادها -رحمه الله- عطاء موصولاً للناس كافة. رحل عنا الأمير خالد الذكر عطر السيرة أمير منطقة الرياض الأمير سطام بن عبدالعزيز الذي وافته المنية عصر أول أمس بعد معاناة مع المرض عن عمر يناهز اثنين وسبعين عاماً، قضى خمساً وأربعين سنة منها في خدمة العاصمة وكيلاً ثم نائباً فأميراً لها، التحم من خلالها برعاياه في منطقة الرياض من المواطنين والمقيمين، فكان عوناً كبيراً للجميع لا يرد من أتى إليه سائلاً منفعة أو راغباً في حاجة، فقد كانت سيرته مضرب المثل بين الناس تواضعاً ورأفة وخلق قويم. كان مولده عام 1360ه الموافق 1941م بمدينة الرياض التي نشأ وترعرع فيها، وبدأ دراسته الأولى في مدرسة الأمراء بالرياض ثم التحق بمعهد الأنجال معهد العاصمة النموذجي إلى أن انتقل للدراسة عامي 1960-1961م للولايات المتحدةالأمريكية وإنجلترا، وحصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة سان دياغو الأمريكية عام 1965م قبل أن يحصل على الدكتوراه الفخرية من الجامعة ذاتها في 1975م. وفي عام 1387ه - 1968م التحق بالعمل في إمارة منطقة الرياض وكيلاً لأمير الرياض قبل أن يرشحه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- عندما كان ولياً للعهد والأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض حينها ليتسلم منصبه نائباً لأمير منطقة الرياض عام 1399ه - 1979م. وفي الثامن من ذي الحجة 1432ه الموافق 5 نوفمبر 2011م أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- أمراً بتعيينه أميراً لمنطقة الرياض خلفاً للأمير سلمان الذي عين وزيراً للدفاع ليكون تاسع أمير يتولى هذا المنصب الرفيع خلال أكثر من ثمانية عقود، إضافة إلى توليه رئاسة العديد من الهيئات والمجالس واللجان ذات الطابع الخدمي والإنساني والإغاثي. وقد شارك الأمير سطام أخاه الأمير سلمان بن عبدالعزيز في النقلة الحضارية التي حققتها العاصمة ومحافظاتها من خلال عدد من الأذرع التطويرية المساندة في تطوير العاصمة السعودية، مثل مجلس منطقة الرياض، والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، واللجنة العليا للسلامة المرورية، وغيرها من القطاعات الخدمية. ولقد كان للعمل الإنساني بالغ الأثر في حياة الفقيد فبالإضافة إلى أعماله في إدارة البلاد وشئون الحكم كانت له إسهامات كبرى على الصعيد الإنساني فترأس لجنة إطلاق سراح السجناء المعسرين وذلك من منطلق تفريج الكرب عن الناس ليصيب قول النبي (من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)، بل إن خيره ونفعه تعدى جغرافية الوطن ليصل إلى آفاق أبعد فترأس اللجنة المحلية لجمع التبرعات لمسلمي كوسوفا والشيشان بمنطقة الرياض، وقد شغل منصب نائب الرئيس لعدد كبير من اللجان الخيرية والجمعيات الخيرية نذكر منها على سبيل المثال: - نائب رئيس مجلس إدارة جمعية البر بالرياض. - نائب رئيس لجنة مشروع الأمير سلمان للإسكان الخيري. - نائب رئيس مبرة ابن باز لمساعدة الشباب على الزواج. - نائب رئيس مجلس جمعية رعاية الأيتام بمنطقة الرياض. - نائب الرئيس الفخري للجنة أصدقاء المرضى بمنطقة الرياض. - نائب رئيس جمعية رعاية مرض الفشل الكلوي بمنطقة الرياض. ولم يقتصر عطاؤه -رحمه الله- على الإسهام في الأعمال الخيرية لإسعاد الآخرين، بل إنه رغب في الجود بأعضائه بعد مماته فقد وقع يوم 28 إبريل 2009م على بطاقة التبرع بالأعضاء التابعة للمركز السعودي لزراعة الأعضاء بحضور نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي. وجاء في نص التوقيع: (أقر أنا الموقع أدناه بأنني أخبرت أقربائي بشأن رغبتي في التبرع بأعضائي المبينة أدناه بعد وفاتي وذلك بغرض زراعتها لمن يحتاجها من إخواني المرضى). فهل بعد هذا الجود جود، فقد حق للعين أن تدمع وللقلب أن يحزن لفقد رجل عظيم لم يبخل بنفسه في سبيل إسعاد الآخرين ولكنهم الرجال الذين تربوا في مدرسة العطاء الكبرى مدرسة الملك المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- فاختصهم الله لقضاء حوائج الناس فبذلوا في سبيل ذلك الوسع. لقد عرفت الأمير الراحل منذ وقت مبكر، فلم أره يوماً رد سائلاً أو توانى عن مساعدة ملهوف، وكان حريضاً على إحقاق الحق والعدل، ولم يغمط لأحد حقاً، بل لا يرضى بظلم أحد أو اقتطاع شيء من حقه، كما كان قيادياً مبدعاً في الإدارة، تشرفت أن عملت معه عن قرب في عدد من اللجان الخيرية والإدارية على مدى سنوات، فعرفت فيه القائد الحصيف المبدع الدقيق الشفاف، أما عن إنسانيته فهو يفيض إنسانية ورغبة في العطاء سراً وجهراً، فاتحاً قلبه لأي عمل إنساني يطرح عليه، وقد وقفت على مساهماته العديدة في دعم إنشاء الكثير من اللجان الخيرية وحملات الإغاثة في الداخل والخارج دون ضجيج أو بحث عن شهرة، ويعرف هذا عنه العديد من المشائخ والفضلاء، عرف عنه رحمه الله بره العظيم بوالدته حتى أنه أوصى أن يدفن بجوارها، وعلاقته مع أسرته مثال يحتذى، ويكفي من ذلك إنموذجاً علاقته التي يضرب بها المثل مع أخيه الأكبر الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه- الذي عمل نائباً له عقوداً من الزمن في علاقة أخوية متناغمة يشوبها الحب والتقدير ويغمرها الحنان والاحترام. إن أعمال الرجل ومناقبه وإنسانيته شاهد صدق ينطق بالحق على أنه ممن أوفوا بالعهود والأمانات التي حملها الله لهم فصدق فيه قول الحق في سورة الأحزاب: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}. وإننا إذ نعزي أنفسنا في سطام بن عبدالعزيز نرفع العزاء لمقام والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله وأمده بالصحة وطول العمر-، ولصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الذي فقد بفقده أخاً وصديقاً، وإلى أبناء وبنات وزوج الفقيد والأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي الوفي. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد - أستاذ الدراسات العليا