صدر عن دار جداول للنشر والترجمة في بيروت مذكرات الشيخ خليل الرواف «صفحات مطوية من تاريخنا العربي الحديث». تقع المذكرات في 650 صفحة، وقد اشتملت على حوالي 170 وثيقة وصورة أغلبها نادرة، لملوك وأمراء وأعيان طيلة قرن من الزمان. تمثل هذه المذكرات إضافة نوعية على مستويين؛ تجربته الفريدة، وطريقته النادرة في توثيقها. أما فرادة التجربة فلها أسباب عديدة لا يسع المقام منها هنا غير ثلاثة لعلها تكون القلادة التي تحيط بالعنق. يسجل المؤلف جوانب من تجربة «العقيلات» التي شكلت صورة مبكرة للانفتاح، وعكست توقا أصيلا لنفع الآخر والانتفاع بما عنده؛ إذ ربطت بجسر تجاري تقليدي بين نجد والشام، أغنت خبرة أولئك الأجداد، وأغنوها بمهارتهم التجارية ومواهبهم الفطرية في التواصل الإنساني. والقيمة هنا تزداد ارتفاعا بأن المؤلف يروي تجربة شارك فيها، ويصور بيئات عاشها، ويحكي عما شاهد لا ما سمع. ثم معاصرته لقيام المملكة العربية السعودية، وهنا يخبرك المؤلف عن عمق التحول وضخامة القفزة التي انتقلت بها البلاد من حالي التشتت والتنافر إلى الاجتماع والتعايش. وهي قفزة يغيب عن أجيال لاحقة حجمها وأثرها فيخفق بعضهم في فهمها كما كانت، وخير سبيل لتجاوز هذا استعادة القصة في غير تكلف من مجايليها الذين ذاقوا مرارة الفرقة. وثالث الأسباب أن الرواف في ثلاثينيات القرن العشرين كان المهاجر السعودي الأول والأخير -على حد وصفه- إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولك أن تتصور صورة الكفاح النادر للنجدي الذي مضى إلى آخر العالم فاكتسب مع لغته لغة، ومع ثقافته ثقافة، وخاض تجارب متنوعة عاش لذة انتصارها وخيبة انكسارها. بلغت أسمى أشكالها في دعوته للإسلام وإمامته للمصلين وتعريفه بفضائل قومه. وعرفت خبرة نادرة كاد يضيع توثيقها عن مشاركته في فيلم «آي كفر ذا وور» في هوليود. وفوق ذلك، بدأت في أمريكا قصته الإنسانية التي فاقت خيال الروائي إذ فرقت الظروف بينه وبين ابنه على مسافة بضعة أشهر من ميلاده، فلم يلقه إلا وقد انتصف الابن في عقده الخامس، فكان اللقاء الثاني مع نواف الذي أصبح «كليف» الضابط المتقاعد من خدمة الجيش الأمريكي! أما طريقته في التوثيق فاكتسبت تميزها من أن هذه المذكرات ليست ذكريات أنشأها في ختام حياته، وإنما كانت ذكريات وثّقها في أوراق حملها معه في ترحاله الطويل منذ بلغ الخامسة عشرة من عمره؛ فاكتست بهذا تلقائية يندر توفرها في كثير من كتب السير الذاتية التي كتبت متحلية بحكمة ما بعد الحدث. سيجد القارئ في ثنايا هذه المذكرات وصفا دقيقا لمدينة حائل، مثلا، التي لجأ إليها المؤلف مع والده عام 1336ه، خوفا من جمال السفاح، القائد العثماني في دمشق، وسيجد وصفا لمجلس الأمير سعود بن رشيد. كما سيجد القارئ نفسه أمام المؤلف وهو يعقد قِران الفنانة تحية كاريوكا في الأربيعنيات الميلادية على زوجها الأميركي. كما سيطلع القارئ على تفاصيل رحلة الأمير فيصل بن عبدالعزيز وإخوانه إلى سان فرانسيسكو عام 1945. ولد خليل الرواف عام 1895 وتوفي عام 2000 بعد قرن وخمسة أعوام.