أكد ل«الجزيرة» مختص بالتطوير العمراني أن ميزانية هذا العام جاءت بإنفاق يفوق 25 % على قطاع المقاولات والمشاريع، وعند سماع هذه النسبة يتبادر للذهن أنها ستكون حافزاً لإنجاز أكبر للمشاريع على مختلف قطاعاتها، والعكس صحيح، حيث إن كثرة المشاريع تعني كثرة التعثر فيها أيضاً، لأن طاقة قطاع المقاولات في المملكة أقل من حجم المشاريع المطروحة للتنفيذ مما يترتب عليه دخول معظم المقاولين في مشاريع عديدة مما يؤدي إلى عدم القدرة على الوفاء بها في وقتها. وأشار الدكتور ناصر المبارك عضو مجلس الأعمال السعودي الفرنسي إلى أن من أسباب تأخر المشاريع وعدم قدرة المقاول على تحملها أولاً عند طرح المشروع من الجهة المالكة للتصميم يتم عن طريق مناقصة عامة للاستشاري المصمم والذي بدوره سيقوم بتصميم المشروع وفقاً لمتطلبات الجهة المالكة واحتياجاتها وتقديم الرسومات والكميات والمواصفات للمشروع، وهذا -مع الأسف- لا يأتي بالشكل المطلوب لأسباب تعود للجهتين المالك والاستشاري المصمم. أما بالنسبة للمالك عادة فلا يكون ملماً باحتياجاته بالشكل المطلوب، وبذلك يستمر التغيير في التصميم حتى نهاية تقديم المخططات ومستندات المشروع كاملة مما يجعلها عرضة للأخطاء لكثرة التغييرات. وبالنسبة للاستشاري المصمم يكون أولاً قد دخل في مشاريع كثيرة ولديه من الالتزامات ما يفوق طاقته مما يؤثر سلباً على المخرجات من وقت كاف للتصميم وتجهيز مستندات المشروع. كذلك عدم زيارة الاستشاري المصمم لموقع المشروع والتعرف على طبيعته الجغرافية ومناسيبه وتحمل أرضه يجعل الاستشاري عرضة لتصميم مشروع أقرب للخيالي منه للواقعي، والذي ينعكس على المقاول لاحقاً. وأضاف: من ذلك نجد أن المالك والاستشاري المصمم قد دخلا في خلاف واضح قبل تنفيذ المشروع أصلاً، وكان الواجب على المالك أن يكون لديه القدرة كجهة حكومية، وأن يرتبط بجهات أخرى (وزارة المالية، الهيئة السعودية للمهندسين ...) والتي يجب أن يكون لديها قاعدة بيانات تعطي اللون الأخضر للاستشاري الذي يسمح وقته وإمكانياته لتوقيع مشروع جديد أو لا. وأضاف الدكتور المبارك: كما نعلم أن الهيئة السعودية للمهندسين تأخذ رسوماً ليست بالقليلة من كل المكاتب السعودية المرخصة وغير السعودية، فيجب أن يكون من مهامها تقديم تلك المعلومات للجهات الرسمية التي تطالبها بذلك تضمن الجهة المالكة أنها تعاقدت مع استشاري مصمم لديه الوقت والقدرة الكفية لتلبية احتياجاتها. ولا ننسى أن نذكر بضرورة عدم إقدام الجهة المالكة على تصميم أي مشروع قبل وضع كامل الاحتياجات والمتطلبات التي لا رجعة فيها من تاريخ تعميد الاستشاري المصمم بالمشروع والذي يُعرف معمارياً ببرنامج المشروع. واستطرد الدكتور المبارك قائلاً: السبب الآخر عند طرح المشروع من الجهة المالكة للإشراف عن طريق منافسة عامة للاستشاري المشرف والذي سيكون عين المالك على المشروع وكذا المتابع لكل مجريات التنفيذ والتأكد من أن المشروع في المسار الصحيح من الناحية الفنية والزمنية والتكلفة بما لا يزيد عن ما تم الاتفاق عليه من خلال الرسومات والكميات والمواصفات، ولا يقتصر عمل الاستشاري على ذلك فقط بل ويجب على الاستشاري مراعاة أصول المهنة وأن لا يكون مجحفاً تجاه المقاول لتبعية الاستشاري طبقاً لتعاقده مع المالك، بل يراعي الله سبحانه وتعالى في كل تعاملاته مع الطرفين وأن يكون عنصر التوازن للمشروع للوفاء بالأمانة الموكلة إليه، وبذلك يكون حكم عدل بين طرفي التعاقد ولا ينقلب إلى دور ممثل للمالك فقط. ونجد أيضاً أن الاستشاري المشرف يمر بظرف الاستشاري المصمم نفسه من حيث كثرة المشاريع عليه فيطبق عليه النظام نفسه بأن يكون لهيئة المهندسين دور كبير في تحديد إمكانيات الاستشاري المشرف ومدى تحمله للمشاريع الجديدة طبقاً لما لديه من أعمال. كما ذكر الدكتور البراك أنه عند طرح المشروع من الجهة المالكة للتنفيذ يتم عن طريق مناقصة عامة للمقاول والذي سيكون مسؤولاً عن المشروع من بدايته حتى انتهائه وبضمان سنة بعد الانتهاء لكامل المشروع و(10) سنوات على الهيكل الخرساني. ونلاحظ أن شركات المقاولات كذلك ليست لديها القدرة على الالتزام بتنفيذ مشاريع الدول العملاقة ولا حتى الشركات الأجنبية، ويأتي تعثرها وتأخير المشاريع والفشل في بعضها الآخر للأسباب التالية: أولاً: منها غياب وجود قاعدة معلومات عن المقاولين متمثلة في (وزارة المالية، وكالة تصنيف المقاولين بوزارة الشؤون البلدية والقروية). والمهم في قاعدة البيانات أن يتم التحقق من أن المقاول لديه القدرة المالية، الفنية، العمالية، الهندسية والإدارية، وسقف معين من المشاريع تحت التنفيذ، ويقدم لهاتين الجهتين تقارير سنوية من الجهات المالكة للمشاريع تحت التنفيذ لدى المقاول، موقفها المالي ونسب إنجازها طبقاً للبرنامج الزمني لكل مشروع. ثانياً: لحفظ حق المقاول يجب بعد استلام الوقع أن يعطى المقاول وقتاً يحدد ب (60) يوماً (لا تدخل من ضمن مدة تنفيذ المشروع) يقدم المقاول خلاله تقريراً مفصلاً عن الموقع والمخططات والمواصفات والكميات وأنها مطابقة لما تم التعاقد عليه لتلافي أي تغيير أو تأخير قد ينتج عن ذلك بعد فترة ال (60) يوماً، ويكون المقاول مسؤولاً مسؤولية تامة عن جميع مستندات المشروع، وإذا وُجد ما يخالف ذلك فيتم تشكيل لجنة من جميع الأطراف: المالك، الاستشاري، المقاول لبحث وتصحيح الخلل وتحديد المدة اللازمة لذلك. وذكر مختص التطوير العمراني أن من الأسباب التي تؤثر على إنجاز المشاريع الحكومية أولاً: إن لقطاع البنوك أثراً كبيراً على تقدم المقاول في إنجاز الأعمال الموكلة إليه أو التعثر فيها، حيث إن البنك هو المسؤول عن التمويل للمشاريع في الغالب وبنسبة كبيرة جداً، حيث يقوم المقاول بتقديم تنازل من الجهة المالكة مقدم للبنك لتسهيل عملية التمويل ولحفظ حقوق البنك، وهذا الإجراء معمول به في جميع دول العالم. والإشكال الكبير يحدث عند تقديم المقاول الطلب للبنك حيث يتطلب أخذ الموافقة مدة تزيد على (3) أشهر على الرغم من معرفة البنك أن المقاول يتنازل عن مستحقاته لصالح البنك لاقتطاع ما تم تمويله خلال المشروع، ويتضح أن البنك قد حفظ حقوقه بشكل آمن، ولكن الخطورة تكمن في أن المقاول والبنك لم يدرسا التدفقات النقدية الحقيقية للمشروع لمعرفة الاحتياج الفعلي للسيولة خلال مراحل تنفيذ المشروع مما ينعكس سلباً على الإنجاز وبالتالي التأخر في المشروع وعدم تسليمه في الوقت المحدد. والنقطة الثانية هي ضرورة التزام البنوك بتمويل المشاريع الحكومية وفي مدة لا تزيد عن (30) يوماً يقوم البنك خلالها بإشعار المقاول بالموافقة على التمويل ليقوم المقاول بدوره بتقديم ما يلزم للجهة المالكة من ضمانات وخلافه. والنقطة الثالثة كما ذكرها الدكتور هي ضرورة قيام البنك بعمل زيارات ميدانية شهرية للمشاريع التي يقوم بتمويلها للتأكد من أن الأموال التي صرفت على المشروع في مكانها الصحيح ويفضل أن يقوم بذلك مهندس مختص في البنك. ولضمان تقدم سير العمل يذكر المهندس بأنه يجب على المالك عدم الإخلال في صرف المستخلصات للمقاول وأن لا يتعدى فترة (30) يوماً من تاريخ تقديم المستخلص للاستشاري والصرف من المالية وذلك لتوافر المبالغ المطلوبة في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد من رخاء ولا عذر لأي تأخير. والنقطة اخامسة في حال طلب المالك أي أمر تغيير خلال تنفيذ المشروع فمن حقه ولكن لابد من إعطاء الاستشاري المشرف وكذا المقاول حقوقهما أيضاً وذلك بالتوثيق الفوري لأمر التغيير والمدة الزمنية المطلوبة له، فكما تدين تدان. وأشار الدكتور المبارك في النقطة السادسة على بأن المواد والأجهزة التي يستخدمها المقاولون في ظل هذا الزخم الكبير من المشاريع قد تواجه شحاً وعدم توفر بالشكل المطلوب وفي المواعيد المحددة للمشاريع مما ينعكس على المدة والتكلفة. وأضاف في حديثه أنه يجب على وزارة العمل أن ترخص باستخدام العمالة المطلوبة في المشاريع الحكومية فور صدور التأييد من الجهة المالكة للمقاول وعدم النظر إلى اكتمال المتطلبات التي تطلبها وزارة العمل والتي تحتاج أحياناً إلى مدة قد تعادل مدة المشروع، ويربط ذلك بالنطاق الأخضر فقط، وبنسبة سعودة لا تتعدى 5%. وفيما يخص بالمقاول الأجنبي فقد قال المهندس البراك إنه من المعلوم أن الطريقة التي تُدار بها المقاولات في الدول تختلف باختلاف مواقعها، فالمقاولات في الغرب تختلف عن المقاولات في الشرق، وكذا تختلف عن المقاولات في المملكة العربية السعودية. الغرب يعتمد اعتماداً كلياً على تأمين العمالة عن طريق اتحاد العمال في كل دولة غربية والذي يحفظ له حقوقه ويحفظ للمقاول حقوقه أيضاً، لذلك لا نجد التفاوت الكبير بين أصحاب المهن وبين المقاولين في أسعار تلك العمالة. أما في الشرق فالأمر يختلف كثيراً، حيث إن أصحاب المهن من العمالة رواتبها قليلة جداً ومتوفرة بشكل أكبر من الحاجة مع وجود اتحاد لهم كذلك يحفظ لهم حقوقهم وللمقاول حقوقه. أما في المملكة فالأمر مختلف تماماً حيث تواجه الشركات الأجنبية تعثرات في البداية لعدم وجود اتحاد للعمالة ولكون العمالة جميعها في القطاع مستقدمة. ولتأهيل العمالة السعودية لمثل هذه الأعمال يترتب على الجهات ذات العلاقة من معاهد فنية وغيرها القيام بواجبها. من هنا نجد أن المقاول الأجنبي يحتاج لتسيير أعماله إلى تضامن مقاول سعودي لمعرفته بالطرق السريعة لتحقيق العدد المطلوب من العمالة وذلك لخبرته فيها مما يعطي المقاول الأجنبي الاطمئنان لتحقيق الهدف المطلوب ويضخ العمالة الفنية المؤهلة والفريق الهندسي المطلوب حتى يتمكن من استيعاب الإجراءات وبالتدريج يستطيع المنافسة مع المقاول السعودي، وربما يتغلب عليه لما له من خبرات أكبر وتنظيم مالي وإداري أكبر. وأضاف: أنه قد لا يكون وجود المقاول الأجنبي إيجابياً في الغالب للظروف السابقة، وفي كل الظروف تطعيم الشركات بكفاءات فنية وهندسية من خلال التضامن مع شركات أجنبية أمر صحي ويخدم المصلحة العامة. والإشكالية فقط أنه في حال استلام المشروع من شركة أجنبية بدون دخول شريك سعودي، فهذا الأمر يفوت الفرصة على الشركات السعودية للاستفادة من الناحيتين المالية والفنية. وعن مدى تأثر القطاعات الأخرى جراء تحسن القطاع الإنشائي، قال الدكتور إن قطاع المقاولات يشكل 25 % من الإنفاق الحكومي العام وبالتأكيد فإن هذا الإنفاق سوف يكون له الأثر الكبير على تحسن القطاعات الأخرى، حيث إن إنجاز المشاريع بالشكل المرسوم له وبالنوعية المطلوبة سيكون له أثر واضح على كل قطاع من القطاعات الحكومية، فلو أخذنا على سبيل المثال البنية التحتية للبلديات والمياه والصرف الصحي لوجدنا أنه كلما زاد الإنفاق على هذه القطاعات للمقاولين وتحسين أدائهم حصلنا على بنية تحتية تخدم المجتمع بالشكل المطلوب.