رغم أن الملك توت عنخ أمون نال شهرة واسعة منذ اكتشاف مقبرته على يد العالم الانجليزي هوارد كارتر عام 1922م إلا أن الفرعون الذهبي الصغير ما يزال يمثل لغزاً محيراً أمام علماء المصريات في العالم، فالملك الصغير توت لم يحقق في حياته كفرعون أمجاداً مثل التي حققها غيره من الفراعين غير أن اكتشافه أحدث دوياً كبيراً وكان من أهم الاحداث البارزة في القرن العشرين. ومنذ اكتشافه ما تزال التساؤلات تقف حائرة أمامه حول حياته وأصوله ونشأته وانتمائه وظروف وفاته وكنوزه ولم تتوقف محاولات العلماء لفك طلاسم هذا الفرعون الصغير الذي يمثل حلقة مفقودة في التاريخ الفرعوني وشهدت القاهرة مؤخراً محاولة تقدمت بها بعثة علمية من جامعة واسيدا اليابانية تستند إلى تجربة جديدة ومثيرة وهي استخدام مادة دي, إن , إيه للبحث في الجينات الوراثية لمومياء توت عنخ أمون من أجل التوصل إلى حقيقة أصول هذا الملك الصغير والاسرة التي ينتمي إليها. وأثار الهدف الذي تسعى إليه البعثة اليابانية الكثير من التخوفات والخلافات بين علماء الآثار بمصر فمنهم من يرى ضرورة إجراء هذه التجربة للكشف عن ألغاز توت الصغير فيما يرى آخرون عدم جدوى هذه التجربة ويشككون في أهداف البعثة اليابانية وأن لها أغراضا أخرى. ورغم أن المجلس الأعلى للآثار قرر تأجيل عمل البعثة اليابانية إلى أجل غير مسمى إلا أن القضية ما تزال مثارة ما بين الدعوة إليها ورفضها في الأوساط العلمية والأثرية. إتاحة الفرصة يؤكد الدكتور مصطفى العبادي عضو اللجنة الدائمة للآثار على أهمية إجراء هذه التجربة لإتاحة الفرصة لاكتشاف المزيد من الحقائق العلمية وكشف الغاز هذا الفرعون الصغير. ويقول د, العبادي انه لو كان هناك أي مجال لحدوث أضرار بالمومياء من جراء هذه التجربة لم نكن نحن كعلماء آثار وأعضاء في اللجنة الدائمة الموافقه على قيام بعثة جامعة واسيدا اليابانية بعمل أية دراسات وخاصة أن الجزء الذي سيتم إجراء البحوث عليه لن يزيد عن ملليمتر واحد من جسد المومياء كما سيتم إجراء هذه التجارب داخل مصر وفي حضور علماء الآثار وأساتذة التحاليل المصريين وأن الهدف من الموافقة على قيام البعثة اليابانية على القيام بمثل هذه الاختبارات هو تأكيد الحقائق وإثباتها بالطرق والأساليب العلمية المتطورة واكتشاف الأشياء المجهولة الخاصة بالملك توت عنخ أمون بالاعتماد على التكنولوجيا المتطورة التي تملكها البعثة اليابانية. من جهة يقول د, نصري اسكندر أستاذ صياغة الآثار وخبير المومياوات ان تاريخ الأسرات الفرعونية مرتبك في معظمه ويتضمن أسراراً غير معروفة ويحاول الباحثون الكشف عنها، ولذلك فإن هذه الدراسات تفيد في ترتيب أوراق التاريخ وتمنع اختلاط الانساب. وعن محاولة البعثة اليابانية يقول خبير المومياوات لابد أولاً أن ننفي تهمة العبث من جانب علماء الآثار بمصر وأن الهدف من عمل البعثة اليابانية هو كشف بعض أسرار هذا الملك الصغير بعمل دراسات وأخذ عينة لإجراء هذه الدراسات ، وحتى نتمكن من معالجة المومياء يجب التعرف على مكوناتها وبدون مادة دي, إن, إيه كيف نتعرف على الجين الوراثي للمومياء للتأكد من الأنساب. وقد حاولنا من قبل تصنيف امنحتب الثالث حسب الاحجام من خلال أشعة إكس وهو في مواصفاته الجسمية والبدنية بعيداً عن مواصفات أسرته فتأكدنا من الحقائق بأسلوب علمي وعلى هذا يجب ألا نشكك دائماً في البعثات العلمية الأجنبية. تخوفات وانتقادات في مواجهة الاراء السابقة أثيرت تخوفات كثيرة تجاه المحاولة اليابانية واستخدامها لمادة دى, إن, إيه ولم تقتصر التخوفات على علماء الآثار بل امتدت إلى أساتذة التحاليل الطبية والوراثية,وأكد د, زاهي حواس مدير عام منطقة آثار الهرم أن أعمال مثل هذه البعثات الاجنبية قد تفتح المجال أمام الخرافات والأباطيل التي يروق للبعض إطلاقها حول التاريخ المصري القديم فمن الممكن ان تخرج علينا نتائج مغلوطة تدعي أن هذه المومياء تعود إلى أصول غير مصرية. ويضيف د, زاهي حواس أن اختبارات ال دى, إن, إيه لم يثبث لها جدوى علمية على المومياوات حتى الآن فلماذا يتم تجربتها الآن!! ويرىد, زاهي حواس أنه يمكن للبعثة اليابانية أن تقوم بدراسات أكثر فائدة من موضوع ال دي, إن, إيه باستخدام الاجهزة المتطورة لديهم لعمل أشعة الجسم والرأس لتحديد سبب وفاة توت عنخ أمون. وبهذا يمكن التوصل إلى فائدة علمية بدلاً من اختبار مادة دي, إن, إيه التي أثبتت النتائج عدم جدواها علمياً في مجال المومياوات. من ناحيته يعترض الدكتور محمد صالح مدير عام المتحف المصري السابق على إجراء مثل هذه التجارب مؤكداً أنها سبق وأن أجرتها جامعة أمريكية منذ 8 سنوات ولم تصل إلى شيء ولم تعلن حتى هذه اللحظة نتائجها وخاصة حول العلاقة الوراثية بين توت عنخ أمون وامنحتب الثالث كما أخشى أن تكون هذه التجربة مجرد دعاية إعلامية أكثر منها أهدافاً علمية خاصة أن مادة دي, إن, إيه لم تظهر أ ي نتائج من قبل باستخدام خلايا المومياوات، ومنذ فترة مضت قام أستاذ طب أسنان بأمريكا بفحص المومياوات الملكية بأشعة أكس وحاول التأريخ للعائلات الملكية بفحص الأسنان وشكل الرأس والجمجمة وأصدر كتابين في ذلك استفاد هو من ترويجهما ولكن ظلت المشكلة لتوت عنخ أمون أنه كان ملكاً يحيط به الغموض حتى في نسبه هل أبوه هو اخناتون أم امنحتب الثالث أما الدكتور محمد عبدالرحمن أستاذ الآثار المصرية بإحدى جامعات المانيا يقول بداية أود التأكيد على أن المومياوات تراث لا يجب العبث به وخاصة مومياء توت عنخ أمون التي شهدت العديد من أعمال البحث والمحاولات المستمرة لكشف ألغازها حتى أصيب معظمها بأضرار بالغة نتيجة هذه المحاولات، ويجب أن نعلم أن ما تبقى من مومياء الملك الصغير ليس كثيراً ولذلك يجب حمايتها من أي عبث تحت دعوى البحث بأساليب جديدة. وتجاه المحاولة اليابانية يقول د, محمد يجب التأكد أنه لا يوجد أغراض أخرى غير البحث العلمي فهناك دائماً أغراض سياسية ودينية تقف وراء هذه المحاولات وقد رأينا قبل ذلك العبث بالمومياء التي اقترنت بفرعون موسى وهو ما ظهر واضحاً عندما سافرت مومياء رمسيس الثاني لإجراء دراسات عليها بالخارج لمعرفة سبب وفاته وهل توجد أملاح على المومياء بما يفيد غرق موسى أولاً. كذلك يجب الانتباه جيداً للمحاولات التي تجري حول صله توت عنخ أمون الوراثية فهذه الفترة التاريخية على وجه الدقة تحتاج إلى حرص شديد فقد تتسرب بعض التحليلات المغرضة بما يتنافى مع أهداف البحث العلمي. استنساخ توت وعن استخدام مادة دي إن, إيه وهل يمكن استغلالها في استنساخ مومياء أخرى لتوت عنخ أمون عن طريق العينة المأخوذة يقول الدكتور أحمد مستجير أستاذ علم الوراثة ليس مستغرباً استخدام هذه العينة في الاستنساخ إن عاجلاً أو آجلاً لأن التجارب في هذا السياق تتطور باستمرار. ويقول د, مستجير ان مادة دي, إن , إيه تستخدم في مجال معرفة الانساب والفصائل عن طريق المكون الحقيقي للجينات وأن الدنا هي الاحماض الامينية المكونة لنواة الخلية الحاملة للعوامل الوراثية أو الجينات وبالتالي فإن تحليلها يمكن العلماء من تحديد الصفات والجينات الوراثية لصاحبها ويأتي الاهتمام بهذا النوع من التحليل من أجل تحديد عدد ونوعية الجينات التي تحملها الكروموسومات. أما فيما يتعلق بإجراء هذه التحاليل على المومياوات فقد بدأت هذه الابحاث تجرى في المانيا منذ سنوات ثم في انجلترا وتتبناها حالياً الولاياتالمتحدةالامريكية، وأغلب الابحاث التي أجريت على المومياوات القديمة والحفريات فشلت ولم تصل إلى درجة عالية من النقاء والحساسية لأن المومياء تتعرض للتلف أو لعوامل التعرية عند خروجها من البيئة التي حفظت بها ونحن لسنا ضد الأبحاث العلمية ولكن نفضل تأجيل إجرائها على المومياوات حتى نتوصل إلى نتائج أكيدة.