لا يعلم الكثير من الناس أن عددا ضخما من القنابل النووية فُجرت في الفضاء، في إطار الأبحاث النووية وفيزياء الفضاء، لدراسة الحزام المشع الأرض كروية الشكل، منبعجة الأطراف، مساحة الماء فيها أكثر من اليابس، وقاراتها الحديثة سبع فقط، لها جاذبية وقوة طرد مركزية، وغلاف جوي يحفظ درجة حرارتها ويحميها من الأشعة الكونية الضارة.. النهاروالليل فيها متعاقبان، ويومها 24 ساعة فقط، وحولها (عامها) 365 يوماً، فيه أربعة فصول مُقسمة على اثني عشر شهرا، ولها قمر واحد يدور حولها، وهي تدور بدورها في مدار ثابت حول الشمس.. قمرها معتم يضيئه انعكاس ضوء الشمس على سطحه، ويأخذ شكله الهلالي أو المستدير وفقا لزاويته بين الشمس والأرض، وفيه الكثير من العواصف، وأرضه مقسمة بين وديان وجبال ومنخفضات كالأرض.. وتربطه بها قوة جذبها، وفي باطن أرضه عدد من المعادن المتشابهة مع معادل الأرض وأخرى مختلفة.. هل فكرت عزيزي القارئ في مصدر المعلومات السابقة؟!.. وهل تصورت أن الحصول على البسيط منها استلزم جهد حياة كاملة لأشخاص نذروا أنفسهم لذلك؟!.. أتعلم لو أننا أهملنا عقولنا ونبذنا العلم مكتفين بالحياة العادية كأكل وشرب ونوم، ولو خُلقنا ضالين في الأرض لا مُدبرين ومفكرين.. لن يكون باستطاعتنا أبداً الإدراك بأن الأرض لا نقطة نهاية لها، وأنها دائرية، وأن قمرها ما هو إلا صخور.. إن لم نصدق كلام أولئك ممن أفنوا عمرهم بحثا عن "المعلومة" الجديدة والمفيدة، لرسخنا داخلنا بكل تأكيد أن كل ما هو بعيد عن عِلمنا كالقمر والشمس والمطر "إله" يُقدس ويُتعبد له، كما فعلت الحضارات الأولى. لكن رحمة من الله بنا سيرَ لنا الخيرات، ومكننا بقدراتنا العقلية من اكتشاف المجهول والتعرف على خفايا الكون، وليست وكالة الفضاء الأمريكية ناسا إلا واحدة من الوسائل العلمية التي بها استطعنا كشف النقاب عن الكثير من المعلومات، فما هي هذه الوكالة، وما الهدف الأول من إنشائها؟.. كيف يعمل طاقمها العلمي والفني؟!.. وما أهم اكتشافاتها الذكية، و"الغبية" مجازاً؟!.. "فلسطين" أجابت عن الأسئلة السابقة وغيرها بحوارها مع عالم الفيزياء الفضائية الغزّيّ في وكالة ناسا سابقا د. سليمان بركة، والتفاصيل.. تتبع: حرب باردة!! وكالة الفضاء والطيران القومية ناسا NASA واحدة من وكالات العالم العلمية الأكثر شهرة، فحجم اكتشافاتها للفضاء الخارجي كبيرة، ونتائجها العلمية "صادقة ودقيقة".. وهي تبعا للدكتور بركة حلَّت بدلاً من اللجنة الاستشارية الوطنية للطيران والتي تُدعى NACA، وكان تاريخ إنشاء الوكالة بتاريخ 29 يوليو من عام 1958، إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا والصين وفرنسا (الحلفاء) على ألمانيا والاتحاد السوفييتي (المحور). وتبلغ ميزانية ناسا حوالي 18 مليار دولار، يعمل بها 20 ألف موظف تقريباً، ورئيسها الحالي د. تشارلز بولتن، ضابط سابق في البحرية الأمريكية ورائد فضاء. بدأت عمليات ناسا الفعلية وفق د. بركة في الأول من أكتوبر لعام 1958، قال :" شهد العام الأول للنشاط الفعلي للوكالة معارك متسابقة في النسق والأهمية في مجال الفضاء، خاصة وأن حرب النجوم التي تعد من أهم مظاهر الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولاياتالمتحدة كانت على أشدها، وليس أدل على ذلك من تحول اسم NACA إلى NASA بعد إطلاق القمر الصناعي سبوتنك1 بتاريخ الرابع من أكتوبر لعام 1957" وسبوتنك1 (sputnik1) أول قمر صناعي يطلقه الاتحاد السوفييتي في إطار الحرب الباردة سابقة الذكر، ويعد بداية السباق الفضائي بين أمريكا والاتحاد السوفييتي. أضاف د.بركة متابعا، عن الحرب التكنولوجية الباردة " لا يعلم الكثير من الناس أن عددا ضخما من القنابل النووية فُجرت في الفضاء، في إطار الأبحاث النووية وفيزياء الفضاء، لدراسة الحزام المشع والذي يبعد عن الأرض 20000 إلى 45000 كم". ساعدت الحكومة! وكالة ناسا والتي أجرت الكثير من التجارب، كتجربة الحزام الناري، كانت الرائدة في مجال اكتشاف الفضاء، وليس أدل على ذلك من مركبة أبولو11 والتي أُطلقت عام 1969، وكانت المركبة الأولى التي تسمح للإنسان بالنزول على سطح القمر، وكان من روادها العالم نيل أرمسترونج، وهو أول إنسان تخطو قدماه على سطح القمر". تابع د. بركة مُضيفا بموضوع مركبة أبولو 11 :" غيرت إنجازات ناسا الكثير في الواقع العلمي والسياسي كذلك، فلولا مركبة أبولو لانهارت حكومة الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحدة، جون كندي، بعد حربه على فيتنام". إذا لم يكن تأثير NASA علمياً فقط، فهي عدا عن كونها جزءاً من حرب باردة بين دول العالم العظمى في مجال الفضاء، كانت طريقا لتثبيت أقدام رؤساء أمريكا وزيادة شعبيتهم!. ورجوعاً إلى الإنجازات العلمية، أضاف د. بركة :" أرسلت ناسا في الرابع عشر من مايو لعام 1973 مختبر الفضاء سكاي لاب ( SKAYLAB ) إلى الفضاء الخارجي، حيث كان أول محطة فضاء أمريكية، وثاني محطة مأهولة في التاريخ.. وكان هذا الإطلاق بابا مفتوحا لإطلاقات أخرى وطلعات أكثر تقنية وتطوراً". وعن أهم إنجازات ناسا، تلك التي خدمت البشرية، والأخرى التي أضرت بها، قال د. بركة :" في الخمسين سنة الماضية أنجزت ناسا الكثير من الاكتشافات التي لا تُعد ولا تحصى، ووضعت أمام الناس فرصة حقيقية للتَفكر في الكون والتدبر فيه، والمؤمن يُدرك مِن ما يكتشفه عن الفضاء أن الله خلقه لحكمة التدبر في الأرض وتعميرها". " قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق"، كان هذا دليل د. بركة على أن اكتشافات ناسا كانت سبيلا لتوطيد العلاقة الإيمانية بالله، والتصديق به. "وردة كالدهان" وعن الأمثلة الحية على إنجازات ناسا، قال :" تليسكوب هابل مثلا فتح الآفاق واسعة أمام اكتشاف علوم خلق الكون وتطوره، فالتقط الكثير من صور اصطدام المجرات ببعض، وصور أخرى عن مجرات تبدو وردة كالدهان، وغيرها". و"هابل" أول مرصد فضائي يدور حول الأرض، أطلق إلى الفضاء في إبريل 1990، وسمي بهابل نسبة إلى العالم الفلكي أدوين هابل. وتابع د. بركة حديثه عن إنجازات وكالة الفضاء الأمريكية قائلا :" ومن أبرز ما يمكن الحديث عنه هو مشروع "كوبي" العلمي، الذي اكتشف الخلفية الإشعاعية الكونية، والتي ساعدت على تفسير بداية الخلق والكون". وكشرح مبسط حول هذا المشروع، فإنه استمر ثلاثين عاما، بقيادة د.جون ماتتر الذي أشرف على 2000 شخص توصلوا إلى "طفولة الكون"، أي المراحل الأولى من وجوده، ويقال وفق اكتشافهم أن انفجارا ضخماً أصاب الكون قبل عشرة أو عشرين بليون سنة، جعله في حركة دائمة، هي ذاتها حركة المجرات والكواكب اليوم، ونتيجة للانفجار فإن المواد المكونة للكون انفصلت، وهامت في الفضاء، ولما أبعدت عن مركز الانفجار بردت وتكثفت من جديد لتكون المجرات والكواكب. إضافة إلى ما سبق، لا يمكن أن نتجاهل في حديثنا ذكر بعض المعلومات عن مركبات المسافرين "voyagers" والتي قاربت وفق د. بركة حدود المجموعة الشمسية، وسجلت الكثير من الصور الخارقة للكواكب "الجليدية" كأورانوس ونبتون، وأعطت تفاصيل دقيقة جدا عن خواص الكواكب في حدود المجموعة الشمسية. وعن الإنجازات التي ضرَّت البشرية "الغبية" قال د.بركة :" بعض أقسام ناسا متخصصة في تطوير برامج "الدفاع"، وهي مسئولة عن إنتاج الصواريخ والطائرات والقنابل الموجهة والصواريخ "البالستية" – بعيدة المدى- والقنابل الذكية، وهي أسلحة استخدمت للقتل والتدمير". "حجة" على المسلمين.. إذا كانت ناسا تُنجز ما يمكن به الإضرار بالكون، فهل وجودها خاطئ؟!.. سألنا د. بركة فأجاب :" الخطأ ليس في ناسا، ولكن في الحكومات والقيم الحاكمة التي حركت الاكتشافات لصالحها وفي عكس مصلحة غيرها"، مُعقبا :" الخطأ إذا تعمد فعله يصل للخطيئة". وأضاف أن ناسا حجة على المسلمين الذين حصروا إنجازاتهم في عدد بسيط من الإبداعات، في حين استثمر العالم تلك الإنجازات بصورة أعظم وأكثر إفادة، وكان الأولى بالمسلمين احتضان علمائهم واحترامهم، والحفاظ عليهم من تجاذبات الحكام، وحماية حياتهم، فإنهم يبدعون"، متسائلا :" إن كانت وكالة الفضاء أجابت عن الكثير من أسئلة الأمة حول خلق الكون، وأظهرت صدق دين الإسلام.. ماذا يجب علينا أن ننجز كعرب ومسلمين على غرار ناسا، ولماذا؟!". وانتقالا إلى عدد العرب والمسلمين في ناسا، سألنا د. بركة عنه وأجابنا :" ناسا مؤسسة بحث علمي هامة جدا، ولها أمنها الخاص، وتقبل كل من تراه مؤهلا للعمل معها، ولكن بالعموم إن الكثير من العرب والمسلمين يعملون في المجالات المختلفة في وكالة ناسا". وعن تجربة العمل في ناسا، قال د. بركة مشيدا بها :" هي أفضل مكان على وجه الأرض يدعم الإنجاز، ويشجع على التميز والعمل الجاد والمتواصل، فالكل فيها مضطلعون بمهامهم، ولا مكان للضعفاء والمتكاسلين والمتوكلين، والأفضل أنه لا مكان للوساطة وسوء الإدارة والفساد، ذلك لأنها لا تحتمل الشذوذ عن عوامل الريادة والقيادة في عالم الفضاء". د. بركة ترك ناسا بعد أن قرر أن ينقل القليل من عِلمها إلى وطنه "فلسطين" من باب إيمانه بأن العلم فريضة، وأن ما عرفه هناك يجب استثماره في الوطن العربي، لتحقيق حُلم الاكتشاف والتطور، لذلك فإنه أحضر إلى قطاع غزة تليسكوباً، هدية من الاتحاد العالمي للفلك.