تعد الذاكرة لدى الإنسان بصفة عامة إرشيفا يخزن بها كم هائل من تذكارات ووقفات حياته، بيد أن استرجاع الذاكرة وتأملها هو عبارة عن مهارة ذهنية لمعالجة المعلومات، سواء كانت مصورة أو سمعية، مواقف حدثية يستعين بها العقل بالربط والتحليل فتبرزأيقونة التخيل لديه لكي تكون استنتاجاته ورؤياه لاستشراف المستقل مبنية على خبرات ومعطيات حياته. فالكثير منها يسقط بمستوى ودرجة حساسيتها أو أهميتها، فهي باقية ما دامت ذات أهمية بحيث تكون انتقائية المعلومات أكثر أهمية، تجعل الذاكرة حاضرة باستمرار كاستعادة حدث جميل أو مأساوي لأماكن ومواقف قد مرت مرور المحدقين بها بشكل مباشر أو غير مباشر أي أن تكون داخل فعل هذا الحدث أو من المتأثرين به. الذاكرة البصرية واختزالها بلوحة وذهنية الفنان هذا ما أرمي إليه التي تكون بمثابة البنية التحتية لدى الفنان الذي طالما تأمل الأشياء وتفكر بالحياة وتأثر بها وقرأ وتثقف، فكل هذا الشريط السينمائي غير المرئي -الذهني إن جاز التعبير- يكون مرجعية للفنان حتى تتكئ عليه منجزاته التشكيلية، فمن الفنانين من يعزفون عن المشاركة بالمعارض الجماعية، ويقول في ذاته دعني أشتغل على ذاتي وتمر سنة تلو سنة وهو مراوح في مكانه حتى لو أنتج مئات الأعمال سوف تجدها متشابهة بل قد نقول: إنها مستنسخة من بعضها البعض، وهذا الركود الفعلي بالمستوى الفني يكون سببه التقوقع على الذات وعدم الاحتكاك بالآخر، هذا من زاوية ومن زاوية ثانية عدم اطلاعه على الفنون الأخرى، سواء كانت أدبية أو فنية وعدم تفاعله بما يجري حوله من قضايا فأصبحت الذاكرة البصرية والذهنية لديه فقيرة وغير محفزة للجديد والتطور وهذا الفقر البصري الذهني بمخزون الذاكرة يعيدني إلى مقال كنت قد كتبته العام الماضي كيف يصبح التشكيلي حرفيا لأن الذاكرة البصرية توقفت لديه وأصبحت غير محفزة لابتكار الجديد، وهذه الحالة نموذج لحالات كثيرة قد نصادفها ولا نكتشف أنهم استبدلوا بالتشكيل الحرفة من حيث يعلمون أو لا يعلمون..! الشاهد هنا أن القراءة والاطلاع وتقبل كل ما هو جديد بتفاصيل الصورة والبحث عنها هي محرض فعلي للخيال والتطور بعالم الفن، فإن لم تمتلك تلك المقومات فأنت يا صديقي الفنان قابع خلف قوقعتك البلورية التي تراها أنت جميلة وغيرك يراها عكس ذلك..! [email protected] twitter@jalalAltaleb - فنان تشكيلي