نشأت مع تباشير الربيع العربي قصة حب غريبة بين الإعلام الأمريكي، وتنظيم الإخوان المسلمين، وليس هناك أجمل من قصص العشاق حينما يلتقون بعد انقطاع الوصال، ولذا فإن المتابع لهذه القصة المثيرة يتساءل إن كان هذا هو الإعلام ذاته، والذي كانت كلمة «مسلم»، أو «إسلام» تثير فيه كل معاني الحنق والعنصرية، وما يزيد التشويق في هذه الدراما أن الإعلام اليميني المتصهين أخذ يزايد على الإعلام المعتدل في إطرائه لتنظيم الإخوان، لدرجة جعلت أشد المناوئين لنظرية المؤامرة يعيدون حساباتهم جيدا، وهذا ليس من عندي، فمن يتابع هذا الإعلام سيرى ما أتحدث عنه بوضوح. خلال الفترة الأخيرة، وبعد أن أعلن الرئيس مرسي قراراته التي أثارت كل مكونات الشعب المصري خارج إطار التنظيم الإخواني، توقع الجميع أن يكون هناك موقف ما من الإدارة الأمريكية، وبالتالي من الإعلام الأمريكي تجاه تلك الخطوات الديكتاتورية، وهم الذين لا يهادنون عادة، عندما يتعلق الأمر بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وفوجئ الجميع بالموقف المتذبذب والمتراخي من إدارة اوباما، حتى خيل لنا أن هذا ليس هو الرئيس الذي قال للدكتاتور المعزول مبارك: «ارحل الآن، وعندما نقول الآن فإننا نعني اليوم وليس غد»، وقد ساند الإعلام الأمريكي الحر الرئيس أوباما في موقفه المتراخي، وهذا هو الإعلام الذي يصفه المفكر نعوم تشومسكي بأنه إعلام حكومي بامتياز!. مجلة تايم الأمريكية «العالمية» العريقة قابلت الرئيس مرسي، واختارت له صورة جاذبة على غلافها، وكتبت تحتها «أهم شخصية في الشرق الأوسط»، ثم تحدثت عن إنجازاته الكبرى، وأهمها دوره المحوري والهام في عقد الصلح بين حماس وإسرائيل، ثم أدرجته ضمن الشخصيات المرشحة لتكون «شخصية العام لعام 2012»، جنبا إلى جنب مع الشخصيات العالمية المرموقة مثل بيل كلينتون وزوجته هيلاري، وغيرهم، وهو تقليد عريق للمجلة، ولم تكتف بهذا، بل إن وسائل الإعلام المرئية بالغت في عرض ذلك اللقاء، والحديث عنه، وكان لافتا أن قناة سي إن إن أجرت لقاءً مع أحد محرري التايم من الذين شاركوا في لقاء الرئيس مرسي، وقد أثنى عليه كثيرا، واستدرجه المذيع ليواصل الحديث عن مآثره، فلأول مره علمنا أن الرئيس مرسي يتمتع بحس فكاهي رفيع، حسب محرر المجلة، وماذا بعد؟. في ذات اليوم الذي تحدثت وسائل الإعلام الأمريكية عن الرئيس مرسي، أجرت المذيعة الشهيرة كريستينا أمانبور لقاءً مع الشيخ راشد الغنوشي في برنامجها الذائع الصيت على السي إن إن، وكان لافتا أن أسئلتها تركزت حول الحريات وحقوق الإنسان في تونسالجديدة، وقد كان الشيخ كريما معها، ففي معرض إجابته على سؤالها المتعلق بإمكانية السماح للسياح الغربيين بارتداء «اللباس البحري»، وزيارة الحانات، قال إن الحكومة مهمتها حفظ الأمن، ولا علاقة لها بما يفعله السائحون والمقيمون على أرض تونس!، إذ إن هذه حريتهم الشخصية التي لا نتدخل بها، ونحن هنا لا نعترض على تبجيل وسائل الإعلام الغربية للإخوان، كما أننا لا نعترض على ما قاله الشيخ الغنوشي فهو حر في آرائه، ولكننا نتمنى أن يدرك الذين يهاجموننا عندما ننتقد تنظيم الإخوان المسلمين بأن التنظيم حركة سياسية براغماتية، مثلها مثل أي حزب سياسي آخر، وأن اسم التنظيم - المرتبط بالإسلام- لا يعطيه حصانة من النقد، فسلوك رموزه، وعلاقاتهم مع الغرب، بل وحتى مع إسرائيل، لا تختلف قيد أنملة عن سلوكيات الأنظمة التي توصم بأنها علمانية، فهل يعون هذه الحقيقة ؟، نتمنى ذلك. فاصلة: «عندما يتعدى السياسي على القانون تموت الحرية».. روبرت كينيدي. [email protected] تويتر @alfarraj2