لا يمكن أن يغفل المتابع للحراك السياسي في عالمنا العربي عن التقاط الكثير من التناقضات التي تكتنف سلوك الساسة الجدد، وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس، فقبل أيام نقلت وكالات الأنباء العالمية تصريحات للغنوشي في أعقاب الهجوم على السفارة الأمريكية في تونس، وقد أثارت تلك التصريحات جدلا كبيرا، حيث قال إن السلفيين لا يمثلون خطرا على النهضة فقط، بل على الحريات العامة في البلاد وعلى أمنها، وأضافت التقارير إلى أنه دعا إلى تشديد القبضة الأمنية، وإلى التصدي بالوسائل القانونية للمجموعات المحسوبة على التيار السلفي الجهادي في بلاده، فهل كان هذا هو رأي الشيخ الراسخ في السلفية والسلفيين؟. بالتأكيد، لا، فقد كان يقول فيما مضى إن السلفيين يذكرونه بشبابه، وأنهم لا يمكن أن يكونوا مصدر تهديد للأمن العام !، ومع أنه تراجع، اذ ذكر التلفزيون التونسي أنه نفى أي نية لمحاربة أي تيار ديني، مؤكدا أن عهد الإقصاء والحملات الأمنية انتهى في تونس، إضافة إلى ادعائه بأن صيغة البيان الذي نُسب إليه غير دقيقة، وأن تونس لكل التونسيين، والسلفيون هم جزء من هذه البلاد، إلا أن الجدل لا يزال مستمرا، وذلك - ببساطة- لأنه سبق للغنوشي أن نفى تصريحات سابقة بحجة أن وسائل الإعلام حرفتها، وليس من المعقول أن تتقصده وسائل إعلام عهد عنها الحياد في كل مرة!. ما يعنينا هنا هو أن الشيخ ذاته - غفر الله له - سبق وأن كتب مقالا قبل سنوات - وذلك عندما كان في المعارضة لا السلطة - بعنوان « إيران خطر على من؟»، دافع فيه بكل ضراوة عن إيران وحلفاءها سوريا وحزب الله، وفي ذات الوقت هاجم مصر مبارك بطريقة شرسة، وذلك في أعقاب القبض على خلية جهادية في مصر، وقال نصا :»إن ضخامة الحملة الضارية التي يتعرض لها حزب الله وإيران وقوى المقاومة ... بذريعة تهديد حزب الله الأمن القومي لمصر انطلاقا من ضبط خلية تعمل لمساعدة المقاومة الفلسطينية، قد تجاوزت كل الحدود المعقولة للتعامل مع حركة مقاومة نذرت نفسها -كما تشهد سيرتها- على تفرغها لعمل المقاومة، ولم يثبت عليها دخول في نزاع مع أي نظام»!!. هنا تناقض صارخ بين موقف الغنوشي من الخلايا الجهادية، إذ من الواضح أنه لا يعتمد على مبدأ شرعي، بقدر ما يعتمد على المصلحة السياسية للجماعة، ومن المسلم به أن الجماعة تعيش في لحظة انسجام مع العالم الغربي، والذي ينظر إلى الجهاديين على أنهم إرهابيون !، كما أن موقف الغنوشي كان متوافقا تماما مع موقف الزعيم الروحي للجماعة الشيخ القرضاوي، والذي خلع عباءة شتم الغرب، وخرج مدافعا عن أمريكا بعد الحوادث العنيفة التي أعقبت الفيلم المسيء، ونتساءل هنا عما إن كان موقف الإخوان من الغرب، والسلفية سيتغير مرة أخرى فيما لو خرجوا من السلطة؟. فاصلة:» الذين لا يتذكرون الماضي أكثر عرضة للوقوع في الخطأ».. جورج سانتيانا.. [email protected] تويتر @alfarraj2