تباينت ردود الفعل على قرار وزارة العمل بفرضها رسوم إضافية على العمالة الوافدة بواقع مائتي ريال شهريا وفق ضوابط محددة تتيح الإعفاء منها لمن تتجاوز العمالة الوطنية لديه نسبة الخمسون بالمئة وكانت أغلب الآراء ترى بالقرار سلبيات عديدة تركزت على احتمال أن ترتفع التكاليف على أسعار السلع والخدمات وأن المستهلك النهائي هو من سيتحمل بنهاية المطاف هذه الرسوم من خلال تمريرها عليه بالأسعار التي ستباع عليه أو أن بعض المنشآت قد تفلس أو تعاني من صعوبات المنافسة بالسوق، والغريب أن رفع تكلفة العمالة الوافدة كان مطلبا لمعالجة البطالة وعند البدء بإقراره نظر له بشكل سلبي فهل إذا تم تقليص إصدار التأشيرات والتي هي مطلب من الكثير كحل للقضاء على البطالة سيقال أيضا أنه سلبي في حينها! ومن المتوقع أن يتم جمع رسوم سنويا تقدر مابين عشرة إلى اثني عشر مليار ريال بعد تطبيق القرار حيث يبلغ عدد العمالة الوافدة بحسب آخر تقرير لمؤسسة التأمينات الاجتماعية قرابة أربعة ملايين وأربعمائة ألف وافد ويضاف لهم عدد آخر ليسوا مسجلين بالمؤسسة لكنهم بالتأكيد ليسوا بنفس حجم أرقام المسجلين بالتأمينات وقد يكون غالبيتهم تحت كفالات فردية وبمهن معفية من الرسوم، ومن المتوقع أن تذهب الرسوم لتغطية جزء من مدفوعات برنامج حافز ودعم التدريب والتوظيف للشباب والشابات من المواطنين من خلال صندوق الموارد البشرية. وبالعودة لاختلاف الآراء حول الرسوم والتي جاءت غالبيتها بتوقعات سلبية لأثارها فهنا لابد من قراءة المشهد العام والخاص لها والصورة العامة تقول إن الرسوم على الوافدين لأي دولة بالعالم هي أكبر مما أقرته الوزارة بكثير فهي لا تقف عند مدفوعات ثابتة وضريبة الدخل بل تتضمن ضرائب يدفعونها على كل السلع والخدمات حالهم حال مواطني الدول التي يقيمون بها، أما في المملكة فلا يوجد ضرائب على السلع والخدمات بشكل عام ولا يوجد ضريبة على المواطنين والمقيمين أما الرسوم التي أقرت فهي ستلزم بها المنشآت التي يعملون بها وبحسب حجم الرقم المتوقع دفعه فهو يعتبر محدوداً جداً قياساً بحجم الاقتصاد الوطني الذي يتخطى حاجز ترليوني ريال أي لا تشكل هذه الإضافة أكثر 0،3 بالمئة من الناتج الوطني وعند توزيعها على عدد المنشآت وأحجامها وتكاليفها فهي تبقى أيضا محدودة جداً ولا تقارن بحجم الفائدة التي تنعكس على القطاع الخاص الذي يستفيد من حجم الإنفاق الحكومي الكبير سنويا والذي يقدر بالمتوسط بأكثر من مائتي مليار سنويا على المشاريع بخلاف مجمل تقديرات الميزانية العامة التي تقارب بإنفاقها الفعلي سنويا بأكثر من ستمائة مليار سنوياً منذ عدة سنوات مما ينعكس على كافة المنشآت والقطاعات بمنافع كبيرة وإذا ما نظرنا إلى نتائج انعكاس أثر هذا الإنفاق على السعودة فهو يبقى محدوداً ويعكس عدم تفاعل القطاع الخاص مع الخطط الرسمية التي تستهدف القضاء على البطالة الحالية وتوفير فرص العمل للقادمين الجدد سنوياً من الشباب السعودي مما يستدعي اتخاذ إجراءات متعددة تقوم عليها الوزارة حالياً وأدت لتوظيف 390 ألف شاب وشابة إلى الآن في اقل من عام إن تفسير ظاهرة عدم تجاوب غالبية القطاع الخاص بالشكل المطلوب مع برامج السعودة يعكس حالة الريعية التي مازالت تتطبع بها الكثير من المنشآت الخاصة والتي هي ثقافة يتم العمل على تغييرها فلابد من التحول للعمل الإنتاجي وليس الريعي الذي يستفيد من الإنفاق الحكومي ومن مختلف وسائل الدعم التي تقدم فلو أجرت الأراضي على المصانع أو تم تسعير الخدمات بأسعار تجارية لكان مقدار ما يسددونه عشرات الأضعاف لمقدار الرسوم الجديدة التي أقرتها وزارة العمل الآن وإذا ما تم أيضا رفع الرسوم الجمركية أو فتح المنافسة على مصراعيها مع الخارج لعانى القطاع الخاص كثيراً من المنافسة ولما وجدنا التلاعب بالأسعار أو المغالاة فيها ولما حقق الكثير فص نجاح يبحث عنها المنافسون من الخارج بالسوق السعودي تكلفة توطين الوظائف أقل بكثير من حجم المزايا التي يتمتع بها القطاع الخاص بالمملكة وحالة التعاطي الرسمي والقطاع الخاص للقضاء على البطالة يجب أن تكون توافقية ومنسجمة وأن يكون الرأي للجهة الرسمية المعنية الممثلة بوزارة العمل بنهاية المطاف لأنها تنطلق من مصلحة عامة بخلاف القطاع الخاص الذي يبحث وينظر للأمر من خلال مصلحته وإذا كان له الحق بذلك فإن للوطن والمواطن حق أكبر فمن يقدم الدعم والمال ويوفر البيئة المناسبة للعمل ويحفظ الأمن والحقوق هو الدولة التي تقوم بذلك لتحقيق أهداف إستراتيجية كبيرة يستفيد منها الجميع ولم يعد مبرراً الاستناد لاسطوانات مشروخة كمخرجات التعليم وغيرها من المبررات التي ساهمت بتعطيل توظيف المواطنين رغم توفير الدولة لعشرات الجامعات ومئات الكليات و المعاهد التدريبية والابتعاث الخارجي ودعم التدريب والتوظيف لنضع اليوم شماعة جديدة تلقى عليها أي أعذار سواء لتأخر التوطين أو رفع الأسعار لأنها لن تبني قطاعا خاصاً منتجاً فيكفي أن القطاع المصرفي وكبرى الشركات الصناعية والخدمية العملاقة وحتى ارامكو قاعدة الاقتصاد الوطني يعتمدون بنسب تفوق الثمانين بالمئة في عمالتهم على مواطنين لنعرف أن الكثير من الأعذار واهية.