يرى البعض ان تدني فرص العمل للسعوديين هو نتيجة لرخص تكاليف العمالة الوافدة، فيجب تضييق الخناق على القطاع الخاص ورفع تكاليف تلك العمالة مع تمتعها بحرية التنقل من عمل إلى آخر وذلك حسب رغبتها. بينما يرى (كينز) ان النقص في الطلب الكلي المرتبط بتغير المواسم أو دورة الأعمال يؤدي إلى البطالة الدورية، لكن هذا التعريف شبه محدود في اقتصادنا ولكن النقص في الطلب الكلي السنوي يؤدي إلى عدم خلق وظائف جديدة وهذا فعلا المنحنى الذي يواجه المنشآت. إذا ماذا عن البطالة الهيكلية التي ينقطع الأفراد عن العمل لفترة طويلة نتيجة لضعف مهاراتهم أو اتجاههم نحو التعليم أو نتيجة لتغير الموارد الاقتصادية الأساسية؟ تبدو انها البطالة التي يعاني منها اقتصادنا. وللتوضيح دعونا نبتكر مصطلحا جديدا للبطالة السعودية نسميه ( البطالة الثقافية)، حيث توجد فرص أعمال كثيرة غير مرغوب فيها أو غير مناسبة وهذا يعود إلى الثقافة المعاصرة للعمل في مجتمعنا. هذا التعريف يؤكد ان وجود العمالة الوافدة ليس هو السبب الرئيس في عدم توظيف السعوديين لأنفسهم وإلا لماذا يوجد في الولاياتالمتحدة، أوروبا الشمالية الغربية، ماليزيا، اليابان أكثر من 14، 5، 2، 0.5 مليون عامل أجنبي على التوالي. كما ان عدد تأشيرات الاستقدام بالمملكة العام الماضي انخفضت 21%، حين انخفضت التأشيرات التي تمت الموافقة عليها في عام 1430/1431ه بنسبة 22%، حسب وزارة العمل. هذه النسبة تتجاوز نسبة البطالة السعودية بأكثر من ضعفين فلماذا لم تختف البطالة؟ نحن نعرف ان معدل التوظيف ينبئنا بما يحدث في الاقتصاد الكلي عندما يزيد معدل التوظيف الذي يعني انخفاضا في معدل البطالة مدعوما بالانتعاش الاقتصادي وهكذا. فكلما زاد عدد الوظائف كلما حصل الأفراد على زيادة في دخولهم وزادت قوتهم الشرائية من خلال إنفاقهم على السلع والخدمات. أما النقص في العمالة الماهرة فيؤدي إلى زيادة حادة في الأجور، ما يتم حسابه في الأسعار وبالتالي يقود إلى ارتفاع معدل التضخم الذي لا يريد أن يراه أي مستثمر أو مستهلك. للأسف عندما كان معدل التضخم في السنتين الماضيتين كان معدل البطالة يرتفع معاكسا لنظرية (فيلب)، حيث إن ارتفاع معدل النمو الاقتصادي يؤجج التضخم ومن المفروض أن يرفع معدل التوظيف طرديا. إنها فعلا تناقضات هيكلية في اقتصادنا وكأن الترابط بين اقتصادنا والتوظيف لا يوجد، لماذا؟ الإجابة على هذا السؤال جزء من الحل. فقد ساهم التدخل الحكومي المباشر أو غير المباشر في سوق العمل إلى تعطيل ميكانيكيته وأصبح غير قادر على تصحيح الفجوة يبين العرض والطلب عند أفضل الأجور، ما ترتب عليه نتائج سلبية لها مضاعفات خطيرة على المديين المتوسط والطويل، منها ارتفاع تكاليف القطاع الخاص ثم ارتفاع أسعار المستهلك، خروج الكثير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة من السوق لعدم توفر العمالة المرغوب فيها، ما ينعكس سلبيا على النمو الاقتصادي ويرفع من معدل البطالة، استمرار ثقافة الاعتماد على الدولة من اجل التوظيف بدلا من التركيز على المنافسة العمالية ومهاراتهم الإنتاجية. هذا لن يؤدي إلى توظيف السعوديين حاليا ومستقبليا، فكلما تقلص التدخل الحكومي في سوق العمل كلما زادت فرص العمل من خلال توسع المنشآت وخلق فرص وظائف جديدة تحت شرط توفر العمالة ذات التكاليف المعتدلة، إنها ديناميكية سوق العمل التي تتفوق على أي سياسة تهدف إلى التوظيف. لقد انتقلت عدوى تدني معدل الإنتاجية في الإدارة العامة إلى إنتاجية الإدارة الخاصة. فإذا ما نظرنا إلى معدل الإنتاجية (عدد الوحدات التي ينتجها العامل في الساعة) في بعض الدول، لوجدنا ضالتنا، حيث بلغت الإنتاجية الصناعية للعامل في الساعة في الولاياتالمتحدة، اليابان، جنوب كوريا، تايوان، ألمانيا بلغت 128، 127، 160، 133، 129 وحدة على التوالي في 2008م. لاحظ ان أعلى إنتاجية في الدول الاسيوية فما هي إنتاجية العامل السعودي في الساعة؟ إن غياب مثل تلك المعايير يرفع التكاليف ويوسع الفجوة بين التوظيف والبطالة لأنه يتم المساواة بين العامل المنتج وغير المنتج في الأجور، ما يغيب الحوافز ويضعف الإنتاجية. * عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية * عضو الجمعية المالية الأمريكية