حوار أجراه / شقران الرشيدي * تصدرت العمليات الإلكترونية التجارية المرتبة الأولى في الاقتصاد الحديث؛ حيث يقدر حجم هذا النشاط بمليارات الدولارات، كيف يمكن استثمار هذه التقنية كي تكون رافداً مهماً للاقتصاد السعودي مما يفتح مجالات أرحب في العمل والإنتاج؟ أصبحت العمليات الإلكترونية التجارية الآن تشكل جزءاً مهماً من التعاملات التجارية في الدول المتقدمة. والمسألة تحتاج إلى ثقافة عامة في المجتمع في التعامل مع وسائل التقنية الحديثة، وضبطها بأنظمة تكفل حقوق أطراف التعامل، وتحد من الاختراقات والتلاعب. وأحسب أننا نسير بشكل جيد في هذا التوجه. * صدرت أخيراً ميزانية الدولة لعام 1432/ 1433ه، من وجهة نظرك المتخصصة ما أبرز توجهاتها؟ أبرز ما جاء في ميزانية الدولة الجديدة هو الإنفاق الكبير على قطاعات التعليم بمبلغ نحو 150 مليار ريال سعودي. وبالتالي فالإنفاق على التعليم هو التوجه التنموي الصحيح، فالإنسان هو هدف التنمية وغايتها ووسيلتها. * هناك مَن يتساءل قائلاً: إننا وعلى الرغم من فائض الميزانية التي يتحقق سنوياً، إلا أننا لا نزال ندفع الفواتير العالية للخدمات وللسلع الاستهلاكية.. أين الخلل؟ الأعباء الحالية التي يتحملها رب الأسرة في المملكة العربية السعودية لم تعد متناسبة مع متوسط الدخل الشهري، وانعكس ذلك بالضرورة على رفاهية المواطن. فمتوسط دخل المواطن السعودي الشهري لا يتجاوز خمسة آلاف ريال سعودي، والأعباء المعيشية تتزايد. ومن الضروري أن يُعاد النظر في خفض مستوى أسعار الخدمات العامة حتى يخف الضغط على المواطن وينعم بما حباه الله عز وجل على هذه البلاد من ثروة. * يواجه الكثير من الدول النامية حالياً مشكلات عدة تؤثر في مسارات التنمية فيها.. في رأيك ما أبرز المشكلات الاقتصادية والتنموية التي تواجه المملكة العربية السعودية حالياً، والمتوقعة مستقبلاً؟ تواجه المملكة العربية السعودية مشكلات عدة، اقتصادية وتنموية. وتختلف حدة هذه المشكلات، إلاّ أن أكثرها حدة حالياً هي مشكلة البطالة، وهي مشكلة أسهمت في تفاقم بعض المشكلات التنموية الأخرى، مثل مشكلة صعوبة حصول أو تملك المواطن السعودي مسكنا خاصا. ومن المشكلات التنموية التي تم إغفالها سنوات طويلة مشكلة تركيز الإنفاق التنموي عل ما سُمَّي الثالوث التنموي، ونقصد به تركيز الإنفاق التنموي على محور الرياضوجدة والدمام، وتهميش الأطراف بشكل خاص، وكان الحديث عن هذا الأمر مثل التابو المحظور، حتى كسر الملك عبد الله هذا الحاجز في زيارة له لمنطقة جيزان عندما أشار إلى أنها لم تحظ بما تستحقه من المشاريع التنموية. وهذا الأمر أحدث خللاً تنموياً وخلق في البلاد مناطق جذب ومناطق طرد، وهو خلل تنموي كبير. * البطالة .. البطالة .. البطالة .. كلمة تستخدم كثيراً من قبل خبراء الاقتصاد والاجتماع ويحذرون من تداعياتها السيئة على المجتمع، إلا أن أحدا لم يحدد لنا وبشكل دقيق حتى الآن ما هي البطالة؟ ماذا تعني اقتصادياً؟ ولماذا توجد لدينا بطالة في ظل وجود 8 ملايين عامل وافد يعملون ويكسبون في سوق العمل المحلي؟ البطالة هي أم المشكلات التنموية الحالية في الاقتصاد السعودي. ولا يمكن قبول هذه النسبة العالية من البطالة في المجتمع السعودي، حتى بالإحصاءات الرسمية المعلنة. والتعريف النظري للبطالة لا يمكن أن ينطبق على الواقع السعودي؛ إذ كيف يمكن تبرير البطالة ونحن ما زلنا نستقدم قرابة مليون عامل سنوياً؟ والحلول المطروحة للبطالة غير مجدية. ولا يمكن معالجة مشكلة البطالة باستمرار الاستقدام. نحن لدينا خلل واضح في سياسات وإجراءات السعودة. الجهة الأولى التي يجب أن يوجه اللوم لها هي وزارة العمل، ثم سلبية القطاع الخاص في التوظيف، ثم مشكلة التستر على العمالة الوافدة الزائدة، وهي مسؤولية كل مواطن. نحن مَن خلقنا البطالة والمسألة تحتاج إلى وقفة مسئولة، لأن بقاء هذا الحال ستكون له آثار اجتماعية وأمنية سيئة جداً. وعلينا معالجة هذا الخلل وطرح المشكلة بكل شفافية. نحن الآن لدينا ظاهرة جديدة في البطالة، وهي بطالة سمّيتها بطالة الخمسة نجوم، فهناك أعداد من خريجي برنامج الابتعاث لم يجدوا عملاً.. هؤلاء بطالة خمسة نجوم. * حسب إحصائيات مالية حديثة بلغت تحويلات العمالة الوافدة العاملة في المملكة 90 مليار ريال.. هذا الرقم الكبير ما تأثيراته السلبية في الاقتصاد السعودي؟ تحويلات العمالة الوافدة هي استنزاف للثروة. ويجب ألا نلوم العمالة الوافدة على هذه التحويلات. هذه حقوقهم المكتسبة. نحن لم نحسن أن ننتج لهم فرص تدوير جزء من هذه الأموال في الداخل بسبب عوائق بيروقراطية عجيبة. * كثر الحديث حول الأسباب المعوقة لتطبيق قرارات مجلس الوزراء السعودي بفتح مجالات عمل جديدة للمرأة.. كيف يمكن تفعيل تلك القرارات؟ وما انعكاس ذلك على حجم نشاط المرأة الاقتصادي وعلى إسهامها في جوانب التنمية؟ لقد سئم العقلاء في هذه البلاد من التأكيد من أن المرأة هي نصف المجتمع، وأن تعطيل هذا النصف من المشاركة الفاعلة في النشاط الاقتصادي هو إجحاف بحق المرأة وبحق الاقتصاد وبحق الوطن. لا أعرف سبباً مقنعاً لحجب أي مجال عمل شريف أمام المرأة السعودية. لماذا نحن نختلف عن بقية العالم؟ ما يحدث في مجتمعنا لم يعد مقبولاً وله آثار سلبية في المجتمع والاقتصاد، وهو لا يقوم على أسس شرعية، بل عادات وتقاليد لم تعد صالحة في هذا العالم الجديد. ومن غير المقبول أن تحجر فئة من المجتمع على المرأة وتفرض رأيها على المجتمع بأسره .. هذا غير مقبول الآن. * تتجه بعض الدول في الوقت الراهن إلى تخصيص بعض القطاعات رغبة في تقديم خدمات أفضل، ويبرز قطاع الرياضة كأحد أبرز تلك القطاعات الواعدة التي تحتاج إلى فتح المجال لرجال الأعمال للاستثمار فيه، ما الأسلوب الأمثل والأصلح لتحقيق ذلك خاصة في قطاع الرياضة والشباب والأندية السعودية؟ قطاع الرياضة في المملكة العربية السعودية يحتاج إلى إعادة هيكلة، وفي تصوري أن النشاط الرياضي بالنسبة لنا يعد أهم بكثير مقارنة بالدول الأخرى، لأنه ربما هو المتنفس الوحيد والنشاط الوحيد للشباب السعودي، بحكم الواقع الاجتماعي الذي نعيشه، ومع الأسف فإن القطاع الرياضي يعاني مشكلات عديدة أسهمت فيما نلاحظه من إخفاقات متتالية للمنتخب والفرق على صعيد المشاركات الدولية، وهذا مؤسف ومحبط، ونحن لا نحتاج إلى إعادة اكتشاف العجلة، كما يقولون.. نحتاج إلى رؤية واضحة وإرادة واضحة، والاستفادة من تجارب الآخرين، وعدم ترك الأمور تحت سيطرة أشخاص غير قادرين على تحقيق نقلة نوعية لهذا القطاع واتخاذ إجراءات سريعة. * رغم ما تحقق من نهضة تنموية في المملكة إلا أننا لا نزال نجد فئات من المجتمع تعاني الفقر.. لماذا لا تزال هناك شرائح اجتماعية لم تأخذ نصيبها من التنمية حتى الآن وتعتمد على المساعدات والإعانات الاجتماعية من الدولة؟ نحن لم نتعامل مع ملف الفقر بمهنية وتركنا هذا الملف لاجتهادات وأنفقنا الكثير من الوقت والجهد والمال في دراسات وتنظير وتصريحات، دون اتخاذ خطوات عملية. من غير المقبول أن نتحدث عن الفقر في بلد يمتلك المخزون الأكبر من البترول ويعد المصدر الأول له. نحتاج إلى إعادة هيكلة لبرامج التنمية بحيث يستفيد المواطن من المشاريع التنموية وينعكس الإنفاق الحكومي على مستوى المعيشة ورفاهية المجتمع بأسره. هذا الملف يحتاج إلى اهتمام على مستوى الدولة وليس المعالجة على مستوى الجمعيات الخيرية. نحتاج إلى برامج تسهم في توفير سبل العيش الكريم لكل مواطن حتى لا يكون فريسة للفقر. * تمتاز السوق السعودية بسيولة مالية كبيرة ونشاط تجاري مزدهر.. كيف يمكن استثمار هذا النشاط في خلق فرص وظيفية جديدة للشباب السعودي؟ النشاط التجاري يتجسد في المنشآت الصغيرة والتي تشكل النشاط الأكبر في الاقتصاد السعودي لأنها تستوعب الاستثمارات الصغيرة، وإن كانت في مجملها تستوعب السيولة المالية للمجتمع. ولكن هذا النشاط يعتمد كثيراً على العمالة الوافدة ويعاني مظاهر اقتصادية سلبية كثيرة مثل التستر التجاري والغش التجاري. ولهذا فإن آلية تكوين فرص عمل للشباب السعودي في هذا النشاط معطلة. والمنشآت الصغيرة التي توظف أقل من عشرة عمال، وهي المنشآت التي تمثل وتجسد النشاط التجاري. وهي المنشآت التي أغفلتها قرارات السعودة، في حين أنها هي التي تشكل أساس النشاط الاقتصادي ويمكنها أن تشكل رافداً مهماً للتوظيف وتستوعب الشباب السعودي العاطل، وخاصة فئة حملة الشهادات ما دون الجامعية وهم نسبة كبيرة جدا، ولعل هذا هو أحد جوانب الخلل في سياسات السعودة وإجراءاتها. * كيف يمكن أن يحافظ الاقتصاد السعودي على قوته وحيويته في ظل المتغيرات الدولية والأزمات الذي تشهدها اقتصادات دول العالم المختلفة؟ يمكن للاقتصاد السعودي أن يحافظ على قوته وحيويته إذا ارتكز على استراتيجية طويلة الأجل تعمل على تفعيل الميزة النسبية التي يتمتع بها في بعض الموارد الاقتصادية، لأن ذلك يعني المحافظة على قدرته التنافسية التي هي أساس قوته وحيويته. والمحافظة على القدرة التنافسية أصبحت الآن مهمة صعبة في ظل العولمة لأن الاقتصاديات تقاربت وتشابكت. ولهذا فإن العبء أصبح أكبر ولا يمكن أن تستقيم الأمور في المستقبل إذا لم نتعامل مع المستقبل وفق استراتيجية واضحة. والاستراتيجية المطلوبة في هذا الأمر هي تلك التي تتعلق باستخدام الموارد الاقتصادية المتاحة وتفعيلها. * يمثل الاستثمار الأجنبي في المملكة إحدى الركائز التي تعتمد عليها الدولة في بناء اقتصاد قوي ومتنوع يحقق أهداف التنمية، هل استطاعت المملكة أن تستفيد من المستثمر الأجنبي بالشكل الذي كان متوقعاً؟ وكيف يمكن تفعيل دور المستثمر الأجنبي محلياً؟ لا يمكن لأي دولة في العالم أن تستغني عن الاستثمارات الأجنبية. والاستثمارات الأجنبية للدول النامية مهمة جدا لأنها وسيلة لجلب التقنية الحديثة. ولا يمكن لأي اقتصاد نامٍ أن يتطور من دون الخبرات الأجنبية والاستثمارات الأجنبية. ولهذا يجب تشجيع الاستثمارات الأجنبية وتهيئة المناخ المناسب لها لأن المنافسة فيها شديدة والاستثمار يبحث عن مناخ مناسب وبيئة مستقرة وآمنة. * صندوق التنمية البشرية (هدف) أحد الحلول التي وضعتها الدولة لمواجهة مشكلة توظيف الشباب السعودي، في رأيكم هل استطاع الصندوق تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها؟ وما الذي يحتاج إليه الآن؟ صندوق تنمية الموارد البشرية خطوة جيدة، لكنه لا يستطيع أن يعمل دون مساعدة القطاع الخاص. والقطاع الخاص لا يمكن أن يتحمّل المسؤولية دون دعم الحكومة وتفاعل المجتمع. مسؤولية تشغيل الشباب السعودي أو السعودة مسؤولية مشتركة، وهي مسؤولية كبيرة يجب ألا يلقيها كل طرف على الآخر. لا بد من تضافر جهود المجتمع لتجاوز أزمة البطالة لأنها من الأمراض الاقتصادية الصعبة، ولكن من الممكن علاجها. ورغم ذلك، فإن صندوق تنمية الموارد البشرية قد أدى دوراً فاعلاً. * هناك اعتقاد لدى شريحة كبيرة من المواطنين بالاستثمار في العقارات والمخططات الجديدة .. هل يمكن أن نعد هذا النوع من الاستثمار إضافة إيجابية للاقتصاد السعودي؟ الاستثمارات العقارية استثمارات جامدة لا تتوافر فيها ميزة القيمة المضافة للاقتصاد، مثل الاستثمارات الصناعية. وهي استثمارات تقليدية تعكس فكراً اقتصادياً تقليدياً جداً لا يمتلك القدرة على الإبداع والمخاطرة. صحيح أننا كأي اقتصاد نحتاج إلى قدر معين من الاستثمارات العقارية، ولكن أن تكون الاستثمارات العقارية هي الأكبر فهذا خلل اقتصادي. ويكون الخلل كبيراً إذا كان هذا القطاع يعتمد على العمالة الوافدة والمنتجات المستوردة، وهذا هو واقعنا. المسألة ليست مسألة استثمار آمن أو غير آمن، المسألة تتعلق بالقيمة المضافة للاقتصاد والقدرة على استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة وتنميتها. * يمثل الإصلاح الإداري خطوة مهمة نحو إيجاد جهاز حكومي نشط وفاعل بعيداً عن الترهل والتضخم الإداري الذي يعد سبباً في ظهور الفساد المالي والادراي والبيروقراطية المعوقة، كيف يمكن تفعيل جوانب هذا الإصلاح؟ الإصلاح الإداري جزء مهم من عملية الإصلاح الشاملة التي تحتاج إليها الدول. والجهاز الحكومي جهاز يصنع البيروقراطية ويحتاج إلى إصلاح جذري في الكم والكيف. ولكن هذا لا يعني أن الجهاز الإداري في القطاع الخاص ليست به عيوب، وخاصة الأجهزة الإدارية في بعض الشركات المساهمة التي أصبحت وكأنها إدارات حكومية. الإصلاح الإداري يرتبط كثيراً بالوعي الاجتماعي ونحن نحتاج إلى جرعات توعية اجتماعية كبيرة وفق رؤية استراتيجية تعلم الإنسان السعودي الانضباط والمسؤولية واحترام الوقت والإخلاص في العمل. صحيح أن هذه معايير يصعب وضعها في قوالب يسهل تقييمها، ولكنها أمور سلوكية يجب أن نزرعها في الإنسان السعودي الذي هو في الأساس وسيلة التنمية وغايتها، وهو في المنظور الاقتصادي العامل الأهم في عوامل الإنتاج.