نظام الخدمة المدنية يشمل نظام المراتب المعتاد لموظفي الدولة والكوادر الخاصة ككادر المعلمين وكادر أعضاء هيئة التدريس وغيرها. هذا النظام يمكن القول أنه أصبح مخروماً غير قابل للتطبيق وبالذات في المستويات الوظيفية العليا. وللتأكيد على ذلك سأطرح السؤال: كم مدير عام أو وكيل وزارة أو من المناصب العليا يستطيع العيش براتبه المقرر فقط؟! قليل يستطيع ذلك، فالغالبية يستخدمون سيارات العمل كسيارات شخصية ويبالغون في الحصول على الانتدابات والعمل الإضافي والسفر والمشاركة في اللجان المدفوعة الثمن. ليس ذلك فقط بل إنه أصبحت هناك طرق أخرى تستخدم وبشكل علني ليحصل الموظف على أجر يزيد عن المقرر للوظيفة التي يشغلها، مثل التوظيف على شركات القطاعات التي إنشاؤها كما يحصل في شركة تطوير التعليم أو شركة وزارة الصحة أو معاهد البحوث الاستشارية بالجامعات، إلخ. الطريقة الثانية توظيف منسوبي الوزارة في قطاعاتها الخدمية مع تكليفهم بالعمل بديوان الوزارة مقابل إضافي مثل ما يحصل في وزارة الصحة التي توظف بعض منسوبيها على برامج المستشفيات وتكلفهم بالعمل بديوان الوزارة أو وزارة التعليم العالي التي تكلف (تندب) أساتذة الجامعات للعمل بالوزارة مقابل إضافي، إلخ. لا أريد القول إن تلك طرق فاسدة أو طرق تستغل ثغرات النظام، فربما هي وسائل ضرورية للوزارات للحصول على كفاءات مميزة ولديها الاستعداد للعمل بها. لا يمكن لأي أستاذ جامعي أو استشاري أن يعمل بالوزارة على راتب لا يتجاوز العشرين ألف ريال ويترك وظيفته التي يتجاوز راتبها بالجامعة أو المستشفى ثلاثين ألف ريال، وبالتالي ليس هناك خيارات للوزارات سوى استخدام تلك الأساليب للحصول على الموظفين الأكفاء! الإشكالية هنا تكمن في تحول الأمر إلى محسوبيات ومجاملات في استقطاب البعض وتحول النظام الوظيفي إلى نظام فوضوي. وتحول تعريف الفساد الوظيفي إلى مصطلح لا يمكن القبض عليه، فوفق النظام الحرفي كل ذلك يعتبر فساداً ولكن الواقع يقول إنه ممارس بشكل علني ولم يعد يصنفه الناس فساداً. بعض الجهات التفت على هذا الأمر بتكوين هيئات مستقلة، وربما يبرر ذلك توالد الهيئات لدينا بشكل ملحوظ لأن الهيئات تحظى بأنظمة توظيفية مرنة ومستقلة إلى حدٍ ما. وبعض الجهات لجأت إلى تكوين شركات حكومية كالتعليم والصحة والمياه وهي في الواقع شركات حكومية تدار من قبل القطاع الحكومي وكأنها شركات وهمية، لأن المفهوم التجاري المعروف في طرحها في السوق وبيع اسهمها غير موجود ولا ندري حتى لماذا تسمى شركات وليس مؤسسات، مثلاً؟ الطريقة الثالثة لتجاوز ضعف الكادر التوظيفي أتت في خلق مزيد من البدلات كما يحدث في الجامعات والقطاعات العسكرية والصحية وكلما زادت البدلات وجدت الثغرات في كيفية تعريف ومنح مستحقيها... الخلاصة هي أن نظام التوظيف التابع للخدمة المدنية أصبح غربالاً لا يستوعب احتياجات موظفي الدولة، وبدلاً من إصلاحه بشكل جذري لا زلنا نواصل إيجاد ملاحق وإضافات وحيل تلتف عليه، وننشيء أجهزة جديدة خارجة عليه رغم أنها تابعة للدولة. أعتقد أننا بحاجة إلى وقفة حاسمة في هذا الشأن، إذا أردنا مكافحة الفساد الوظيفي ووضع نظام عادل للجميع. نحن بحاجة إلى إعادة تشكيل نظام الخدمة المدنية بأكملة أو إلغاء هذه الوزارة المسماة وزارة الخدمة المدنية وترك الأمر لكل قطاع ليصمم سلمه الوظيفي الخاص به...! [email protected] لمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm