يحتل الأرز مكانة إستراتيجية بين المحاصيل الغذائية، ويعتبر الغذاء الرئيس لنصف سكان العالم تقريبا، وخاصة سكان في قارة آسيا.. كما يعتبر أحد المواد الغذائية الرئيسية للسكان بدول مجلس التعاون، وعلى رأسها المملكة.. ونظراً لندرة المياه، فإن محصول الأرز يعد أحد أهم المواد الغذائية المستوردة. وبلغت واردات المملكة من الأرز في 2010م حوالي 1.2 مليون طن بقيمة وصلت إلى 4.7 مليارات ريال، ويأتي الأرز ليمثل سادس أعلى منتج داخل هيكل الواردات المحلية، كما يمثل أعلى قيمة منتج غذائي مستورد على الإطلاق.. وتستورد المملكة من الهند وحدها أرزاً بقيمة 3.4 مليارات ريال.. وتثار اليوم موجة قلق عالمية بشأن احتمالات تأثر أسعار المواد الغذائية الرئيسية جراء موجة الجفاف والتغير المناخي في المناطق المنتجة والمصدرة للمواد الغذائية. فقد تعرضت بعض المناطق الزراعية كالولاياتالمتحدة لموجة جفاف قاسية يقال إنها الأسوأ منذ 1936م.. أيضا تتعرض مناطق زراعية أخرى مثل روسيا وبعض دول أمريكا الجنوبية لنقص ملحوظ في المياه. وتشير بعض التقارير أن السيئ في هذه الأزمة هو تزامن حدوث التغير المناخي (ارتفاع درجة الحرارة + نقص المياه) في وقت واحد بشكل جعل التوقعات تشير إلى أن أزمة الغذاء المتوقعة هذه المرة ليست أزمة قمح أو ذرة أو منتج زراعي وحيد، ولكنها أزمة شاملة يتوقع أن تضرب معظم المحاصيل الغذائية. ونسعى في هذا التقرير لاستشراف التغيرات المتوقعة في الأسعار العالمية للأرز تحت اعتبار أنه المنتج الغذائي الرئيسي للمملكة. بوادر الأزمة العالمية والتدهور في إنتاج الحبوب تشير التقارير الحديثة للفاو لعام 2012م إلى أن استمرار تدهور التوقعات حول مستويات إنتاج محاصيل الحبوب على امتداد شهري (يوليو-أغسطس) بسبب الأحوال الجوية السيئة في عدد من مناطق الإنتاج الرئيسية قد أدى إلى هبوط حاد في توقعات منظمة الأغذية والزراعة بشأن الإنتاج العالمي في الربع المقبل.. وتشير آخر التوقعات إلى أن الإنتاج العالمي من الحبوب لن يكفي للوفاء تماماً بالكميات المتوقع استخدامها في موسم التسويق 2012/2013م، وهو ما يشير إلى أن السحب من مخزونات الحبوب العالمية سيفوق ما كان متوقعاً من قبل.. وقد كان محصولا الذرة والقمح هما أكثر الحبوب الرئيسية تضرراً جراء تدهور الأحوال الجوية. وتشير آخر توقعات منظمة (الفاو) إلى أن الإنتاج العالمي من الحبوب 2012م سيبلغ 2295 مليون طن، بانخفاض قدره 52 مليون طن، أي بنسبة 2.2% عن مستوياته القياسية في عام 2011م. وتقل هذه التوقعات كثيراً (4 % تقريباً) عن المستويات التقديرية في يوليو الماضي، وهو ما يعبِّر في جانب كبير منه عن تدهور في توقعات إنتاج الذرة في الولاياتالمتحدة بسبب انتشار الجفاف الشديد على نطاق واسع.. وتشير بعض التقارير المتشائمة إلى أن بعض الدول الإفريقية التي تعاني من ويلات أزمات غذائية حاليا قد تعاني من «ربيع غذائي» نتيجة توقع حدوث ارتفاعات كبيرة متوقعة في أسعار الغذاء.. ومن الأمور الملفتة للنظر أن دولا مثل السودان تضعها منظمة الفاو على رأس قائمة الدول المتضررة من موجات الجفاف الحالية رغم مما تمتلكه من موارد زراعية ومياه وغيرها. فجوة إبطاء الاستغلال عن الإنتاج في الحبوب.. قد يسأل سائل إذا كان الإنتاج العالمي قد انخفض ولم نلمس أي تراجع كبير في أسعار الغذاء حتى الآن، فمعنى ذلك أن الاقتصاد العالمي قد استوعب الأزمة بالطبع هذا التصور خاطئ، لأن الحبوب الغذائية تحديدا بها فجوة إبطاء بين إنتاجها وتسويقها واستهلاكها.. فجميع الحبوب تقريبا تتكون لها مخزونات استراتيجية في دول إنتاجها واستهلاكها، مستويات أسعارها العالمية تتحدد بناء على العلاقة بين تلك المخزونات والتسويق، فكلما تم السحب من هذه المخزونات كلما بدأت ترتفع أسعارها. الأرز خارج نطاق القلق العالمي حتى الآن رغم أن مؤشر أسعار الأغذية لمنظمة الفاو يؤكد أن الحبوب تعتبر من المواد الغذائية المتضررة جراء التغير المناخي، إلا أن تقارير حديثة تؤكد أن محصول الأرز لا يعتبر من بين المحاصيل المثيرة للقلق، بل إن مستويات إنتاجه العالمي تشير التوقعات أنها غير معرضة للتدهور بالشكل الذي يمكن أن يثير مخاوف من ارتفاع أسعارها.. فإذا أخذنا في الاعتبار الأرز التايلندي الأبيض (100% B) فقد سجل ارتفاعا في أسعاره العالمية من 548 دولاراً للطن في يناير 2012 إلى 563 في فبراير، ثم ارتقى إلى 567 في مارس، حتى وصل إلى أعلى قمة له في يونيو من هذا العام عند 619 دولاراً للطن.. وأعلى قمة سجلها هذا المحصول بلغت 695 دولاراً للطن في عام 2008م جراء الأزمة المالية العالمية.. والأمر الذي يثير التفاؤل هو أن سعر هذا المحصول سجل 584 دولاراً للطن في أغسطس الماضي، بشكل يوحي بنوع من الاستقرار في فترة التسويق لمحصول 2012/2013م. بل إن تقارير منظمة الفاو تشير إلى أن محصول الأرز قد يكون أحد المحاصيل الملطفة لتأثيرات الارتفاع الكبير في محاصيل أخرى مثل القمح والذرة، اللذان يتوقع أن يتسبب التدهور في إنتاجهما خلال الربع المقبل في ارتفاعات حادة في أسعارهما تتضح جليا في الربع الأول من 2013م، وخاصة أن المخزونات النهائية المتوقعة لهما في 2012/2013 يتوقع زيادتها عن مستويات 2011/2012م.