تمتلئ السهول والغابات الإفريقية بشتى الحيوانات الخطيرة؛ فهناك مثلاً الأسد المَهيب، ولدينا أيضاً عدوه اللدود الضبع، ذاك الكائن البغيض اللئيم، الذي يأكل فريسته وهي حية دون أن يُذكّيها كما تفعل السباع، ولديك التمساح، ذاك الكائن الهائل الذي يغلق بفمه على شيء فلا ينجو منه كائن ما كان، وهناك الفهد الصياد (التشيتا) أسرع كائن بري على الأرض، لو كان بينك وبينه كيلومتران كاملان وانطق تجاهك لوصل إليك في أقل من دقيقة! كائنات كثيرة كلها قاتلة وخطيرة، ومن يرى انتشارها هناك فسيظن أن السباع والتماسيح وما شابهها هي أخطر تك الحيوانات وأكثرها قتلاً للناس، غير أن المدهش في الأمر هو أن أخطر الحيوانات في إفريقيا ليس أياً من هذه، وإنما هو كائن بريء المظهر، هو فرس النهر! أليس هذا مفاجئاً؟ إنه كائن كروي مستدير طريف الشكل، لا يأكل اللحم، ولا أنياب حادة لديه، ومع ذلك فهو الكائن الذي يوصيك أهل غامبيا وبوتسوانا وغيرها من الدول الإفريقية بأن تحذر منه أشد الحذر؛ فمظهره لا ينبئ عن حقيقته، فهو أكثر كائن يقتل البشر في إفريقيا من الثدييات البرية، وغالباً هذه تأتي بسبب الخطأ؛ ففرس النهر يحب أن يغوص في الماء ويسترخي؛ فلا يظهر من جسمه إلا أقل القليل، وحينما يبحر الناس في الأنهار بقواربهم يصادف أنهم يُجدِّفون ويضربون فرس النهر بمجاديفهم وهم لا يدرون، فينتفض غاضباً، ويهجم على القارب مدافعاً عن نفسه، إما هذا أو أن يرى الناس يقتربون منه ليلاً عندما يخرج من النهر ليأكل. وهذا الكائن الكبير القوي خطير، ليس فقط على الناس بل أحياناً حتى على الكائنات الخطيرة نفسها، فإذا هاجمه الأسد فإن فرس النهر يطبق بفكيه الضخمين عليه ويسحبه للماء ويغرقه، وأما التمساح فيعضه فرس النهر ويقسمه نصفين، وحتى سمك القرش المرعب يقع ضحية له، فإذا كان فرس النهر في الماء وهاجمه قرش فإنه يسحبه بفكه خارج الماء ليختنق، فسبحان من علَّمه هذا! وهذه كلها يفعلها دفاعاً عن النفس، فهو كائن نباتي، ولا حاجة له باللحم، ولا يهاجم ابتداءً. ومن غرائبه هذا الجلد الغليظ الذي يكسوه، ويُكوِّن رُبع وزنه، وسماكته أكثر من 6 سم، ومن كثافته أن الجلد وحده يزن طناً كاملاً، بل إنه من غلظته لا يستطيع رصاص معظم المسدسات أن يخترقه! والأغرب أنه رغم امتلاء جسمه بوزنٍ يقارب أربعة أطنان إلا أنك لن تستطيع أن تفر منه؛ فهو يسبق الإنسان بسهولة! أما فكه المرعب فرغم أنه لا يحوي إلا أربع أسنان رئيسية إلا أنها تُغْني عن عشرات الأنياب؛ فهذه الأسنان العاجية الضخمة يصل طولها إلى نصف متر، وتزيد في سماكتها على علب المشروبات الغازية. وأحياناً لا يحتاج إلى أن يستخدمها؛ فرائحة فم فرس النهر بشعة، ويستخدم هذا لصالحه؛ فيفتح فاه أحياناً، وينفخ هواءً شديد البُخر، يضرب من حوله كنوع من التحذير إذا ما شعر بأن هناك تهديداً. إنه لطيف المظهر، لكن لا يخدعنَّك هذا؛ فهو مدرّعة صغيرة ذات أسلحة خطرة!