قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف - بنت الأعشى - رؤية نفسية اجتماعية تأليف: أ. د. طارق بن علي الحبيب تولي المجتمعات المتحضرة أهمية خاصة للتربية، فهي بحر عميق بعيد الغور، لها أصول وقواعد ونتائج، ولا تدعك التربية الصحيحة حتى تنمي فيك ملكة الذوق والنقد واختراق شفافية الأنفس، والتربية من أصعب المهن وأعوصها على الإطلاق، يقول الفيلسوف كانت: (إن فن السياسة وفن التربية أصعب حرف البشر على الإطلاق). وبين يدي كتاب جميل، يبحث في صميم التربية، وفيه جهد واضح، وخبرة وتجربة، وقد سبق لك قبل برهة من الوقت اسمه واسم مؤلفه، يقول المؤلف في ناصية الكتاب ما نصّه: (أسلوب التربية الدينية ليس أمراً غير قابل للنقاش فلا يجوز نقده أو مراجعته، وإنما هو اجتهاد يجوز، بل يجب إعادة تقييمه من حين لآخر تحقيقاً للمعنى الديناميكي لهذا الدين من حيث صلاحيته لكل زمان ومكان، هذه الورقات ليست بحثاً متكاملاً وإنما استقراء شخصي من خلال مراجعة مقتضبة لأسلوب التربية الدينية في المجتمع السعودي برؤية نفسية لا يمكن أن تنفصل عن الرؤية الاجتماعية في البيئة السعودية)، هذا وقد طرح المؤلف محاور عدة في كتابه هذا وهذا الطرح جاء عزيز المنال، فريد المقال والتربية الدينية من وجهة نظر المؤلف منحصرة في قوله: (إن التربية النفسية الدينية هي جزء من منظومة التريبة الاجتماعية ونتاج لها؛ أي أن الفكر الاجتماعي والسلوك الاجتماعي هو الذي شكَّل الفكر الديني السعودي، وليس العكس كما يفترضه البعض)، ومن خلال حديث المؤلّف السابق يتضح لنا دور المجتمع الكبير في تكييف ماهية التربية الدينية، وذلك لأن المجتمع هو ملاذ الإنسان واستقراره، فالتريبة الدينية السليمة هي النابعة من نظرة حكيمة ومنطلق سليم، لدوافع سليمة، لأن الدوافع المزيَّفة سينبثق عنها مفاهيم مشوَّشة، ومن خلال هذا المحور أشار المؤلّف إلى ظاهرة التعصب والغلو والتطرف، كما ألمح إلى أنماط من الشخصيات غير السوية، وهي كما حصرها المؤلف في التسميات الآتية. الشخصية الفصيمية، الشخصية شبه الفصامية، الشخصية الحدية، الشخصية الهستيرية، الشخصية النرجسية، الشخصية السيكوباتية، الشخصية الاكتتابية، الشخصية التجنبية، الشخصية الاعتمادية، الشخصية الرسواسية، الشخصية العدوانية، الشخصية السادية، الشخصية المازوخية. ويعقب المؤلّف على السرد السابق بقوله: (الجدير ذكره أن هذه الشخصيات المضطربة توجد سمات كل واحد منها تقريباً لدى 13% من البشر، أما سماتها دون حد الاضطراب فهي موجودة عند الكثيرين بدرجات مختلفة، كما قد توجد سمات أكثر من شخصية لدى فرد واحد)، ثم يخلص المؤلف إلى سؤال الكتاب الجوهري: هل التطرف والغلو مرده اضطراب نفسي محدد أم هو منهج فكري نتيجة التعامل مع متغيّرات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية؟ وتأتي الإجابة صنواً للسؤال وفحواها: (يتبيّن أن الغلو والتعصب والتطرف ليس نتاج شخصية محددة، فالشخصية بذاتها لا تكون تطرفاً، فالتطرف منهج فكري أكثر منه حاجة نفسية، والتطرف فكر بذاته ينتقيه أفراد وينجذبون إليه لأسباب اجتماعية بشكل أساسي، كما ربما يعيش التطرف فرد في فترة من حياته حين يحيا ظروفاً اجتماعية تملي عليه سلوكاً معيناً لا يمانع فيه، بل قد يتقرّب به إلى وطنه أو مجموعته أو قبيلته أو دينه، مع العلم بأن الظروف الاجتماعية تكون ذات أثر إذا صاحبها الشعور بالظلم والتهميش)، ثم يختم المؤلف حديثه السابق بالإدلاء بحقيقة هامة وهي أن التطرف ليس خاصة دينية، وإنما ربما حدث في أي منحى من مناحي الحياة طالما وجدت الظروف الملائمة لظهوره، وأخيراً فقد تناول المؤلف مباحث مهمة كسمات الشخصية الدينية السعودية، والآثار الإيجابية للتربية الدينية السعودية، وطرح موضوع التربية الوطنية، وهل يساهم منهج التربية الوطنية في زيادة انتماء الفرد السعودي لوطنه، والجوانب السلبية في التربية الاجتماعية السعودية.