كانت الأحداث الكبرى في الربيع العربي العام الماضي بالنسبة لسكان مدينة حلب الذين سيصبحون ثوارا فيما بعد كحلم بعيد المنال وخيار ديمقراطي لا يمكن أن يتحقق في سوريا الخاضعة لحكم عائلة الأسد منذ أربعة عقود وأكثر. ظلت مدينة حلب وهي أكبر مدن سوريا من حيث عدد السكان توصف بأنها معقل «مؤيدي نظام بشار الأسد» ومحصنة ضد الانزلاق إلى تيار الثورة الذي يضرب سوريا منذ 17 شهرا. هذه السمعة والقبضة الأمنية الصارمة أبقت الثورة في مدينة حلب خامدة حتى لقي عدد من الطلاب حتفهم في هجوم لقوات الأمن على جامعة المدينة في أوائل مايو الماضي. تتزايد مشاعر العداء لنظام الحكم السوري في المدينة العريقة. ورغم أن حلب انضمت إلى قطار الثورة متأخرة فإن مقاتلي الجيش السوري الحر يؤكدون الآن سيطرتهم على نحو ثلث المدينة في حين قالت القوات الحكومية الموالية لبشار الأسد إنها تخوض معركة «حاسمة ومخيفة سيتحدد على أساسها مصير الشعب والأمة كلها». من هذا الذي تغلب عن كل حواجز الخوف وجعل هذا المسار غير المحتمل للمدينة ممكنا وكيف حدث هذا؟ يقول أبو ثائر أحد قادة «المجلس الثوري» السري في حلب أمام إحدى الشاشات خلال زيارة قمت بها استمرت 3 أيام لمعقل الثوار في حي صلاح الدين بالمدينة «لم نكن نعيش على مدى 50 عاما في دولة وإنما كنا نعيش في مملكة الخوف». وأضاف «في البداية في حلب واجهنا العديد من المصاعب. بداية نجحنا في إقناع حوالي 50 شخصا بالمشاركة في مظاهرة. وكنا نعرف أنه إذا نزل 50 متظاهرا إلى الشارع سوف ينتظرهم 300 جندي من رجال الأمن». ولكن سرعان ما انتشرت الروح المعادية لنظام الحكم وتعززت في المدينة كما هو الحال في كل أنحاء سوريا على الأقل بين النشطاء المصرين على تحقيق التغيير. بدأت المظاهرات المناهضة لنظام الأسد بين طلبة جامعة حلب الذين ظلوا صامتين على مدى أكثر من عام في الوقت الذي تتنامي لديهم مشاعر الثورة والرغبة في التغيير بإلهام الثورتين المصرية والتونسية. وفي بعض الأحيان كانت قوات الأمن تطلق النار على المتظاهرين في الجامعة ليسقط الشهداء من الطلبة. في الوقت نفسه كان المتظاهرون يصورون هذه الأحداث ويسجلونها ثم بدأوا نشر هذه التسجيلات مما أدى إلى انضمام المزيد والمزيد من السوريين إلى الثورة للتخلص من النظام الدموي. يقول أحد الطلبة النشطاء والمطلوب لأجهزة الأمن والذي اكتفى بالقول إن اسمه سعد «بدأنا بجذب 50 متظاهرا والآن يشارك أكثر من 1000 متظاهر في الكثير من الأحياء. لذلك نحن متفائلون». وأشار إلى أن مدينة حلب كانت تشهد يوميا حوالي 20 مظاهرة صغيرة قبل بدء قصف القوات الحكومية لها بالمدفعية مما أجبر الناس على البقاء في منازلهم. ويضيف سعد «عندما بدأنا الثورة في حلب كنا نخاف على عائلاتنا. فعندما لم يكن الأمن يصل إلى النشطاء فإنه يصل إلى عائلاتهم . لقد فقدنا الكثير من الأشخاص المتعلمين الأذكياء في هذه الثورة. كما تم القبض على الكثيرين ولم يفرج عنهم حتى الآن». وقد ساعده طوله الفارع ومظهره العادي للغاية في الإفلات من الاعتقال أو مما هو أسوأ أكثر من مرة. فقد تم القبض عليه 3 مرات لكن السلطات كانت تفرج عنه لأنها كانت تعتقد أنه مجرد متظاهر عادي وليس أحد النشطاء في الجامعة كما هي حقيقته. وقال سعد: إن قوات الأمن تستهدف الشباب الأفضل تعليما بصورة مباشرة مشيرا إلى أن 6 من أصدقائه قتلوا بنيران النظام الحاكم ومن بينهم 3 طلاب في كلية الطب حيث تم اعتقالهم وتعذيبهم وإحراقهم لأنهم كانوا يساعدون في إسعاف المصابين. وعندما كان الرجال يتحدثون في منتصف الليل في أحد الجيوب الخاصعة للجيش السوري الحر في حلب كانت قذائف المدفعية الحكومية قد قتلت 3 مدنيين آخرين. وعلى الفور تم سحب جثثهم لدفنها تحت جنح الظلام بالقرب من إحدى الحدائق العامة لمنع أي تجمعات شعبية أثناء تشييع جنازاتهم والتي يمكن أن تكون هدفا لنيران القوات الحكومية. وحتى الجنازات الليلية لم تعد آمنة حيث تزايدت كثافة القصف من جانب القوات الحكومية مما جعل الوصول إلى الحديقة العامة لدفن جثث الضحايا مهمة صعبة. وبالطبع فإن حفاري القبور كانوا الأكثر عرضة للخطر. يقول سعد «نحن دائما نذهب ولا نعود. نحن نمضي إلى الأمام دائما». ويضيف «في البداية كنا نحلم بثورة كتلك التي شهدتها مصر حيث المظاهرات السلمية التي حماها الجيش ..كان هذا حلمنا». يقول أبو ثائر : «بدأنا بالمظاهرات السلمية واستمرت المظاهرات سلمية لمدة10 أشهر تقريبا ولكن عندما تشاهد أطفالك وزوجتك وأمك تذبح وتغتصب ماذا تفعل؟». «هل تستطيع أن تقف في هذه الحالة وتقول لن أحمل السلاح؟» «حملنا للسلاح كان رد فعل و كنا نأمل ألا نصل ابدا إلى هذه المرحلة في الثورة. وبحسب النشطاء السوريين فإن الكثير من قذائف المدفعية سقطت على حي صلاح الدين الذي تمتلئ جدرانه بالرسوم الجرافيتية المناهضة للأسد «يسقط الأسد .. أرحل.. حلب روحي». هذه بعض العبارات المكتوبة على الجدران والتي يرددها دائما المقاتلين والمتطوعين في المستشفيات الميدانية. يقول أبو ثائر «نظام الحكم السوري عمل طوال تلك السنوات لكي يقضي على أي شيء يؤدي إلى التفكير أو المعرفة. في سوريا لدينا آلاف المواقع الإباحية فهي ليست محظورة. ولكن لا يوجد موقع معارض واحد لأن ذلك جريمة بالنسبة لصاحبه.. النتيجة هي تدمير إنسانيتنا من الداخل. فهم يريدون شعبا يفكر فقط في الغذاء والكساء ولا شيء آخر». تقول فتاة تعمل في مجال إسعاف المصابين من الثوار «نحن لا نخاف إلا الله». أما محمد فيقول «نحن طلاب الجامعة وجزء من ثورة شعبية» وقال طالب آخر «كلما زاد عنف الحكومة اشتدت قوة ثورتنا». *صحفي أمريكي مكث في حلب 3 أيام (كريستيان ساينس مونيتور) الامريكية