واشنطن ليس لديها خيار سوى إعادة بناء علاقتها مع مصر، الدولة الأكبر سكاناً، وتاريخياً التي تعد أهم دولة في العالم العربي، والحليف الأساسي للولايات المتحدة لأكثر من 40 عاماً. لذلك فإن الأمر مقلق لكل من وزارة الخارجية وللبيت الأبيض بقيادة أوباما، ولكن هناك فرصة لتصحيح بعض من أخطاء أمريكا التي ارتكبتها لعقود في تعاملاتها مع القادة العرب. لفترة طويلة كان من الواضح أن العلاقة بحاجة إلى إعادة تنقيح، ولكن ذلك أصبح حتمياً الشهر الماضي بعدما فاز محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين في أول انتخابات رئاسية بعد الثورة. حتى ذلك الوقت، وعلى الرغم من الثورة الشعبية المصرية التي اندلعت العام الماضي، ظلت سياسة الولاياتالمتحدة متمركزة حول الحكم العسكري القوي ، فعام بعد عام كانت الولاياتالمتحدة تشتري تحالفها الاستراتيجي مع مصر وكذلك السلام مع إسرائيل بمليار ونصف المليار سنوياً في صورة مساعدات عسكرية واقتصادية. السير بنجاح على هذا الحبل الرفيع المشدود يمكن أن يحتفظ بمصر كحليف أساسي للولايات المتحدة، وبمصر كجارة سلمية لإسرائيل، في الوقت الذي تتحول فيه إلى ديمقراطية فاعلة، وهو شيء سيجعل كلا من الدورين أكثر استقراراً. أو في المقابل يمكن أن تصبح مصر باكستان أخرى؛ دولة منقسمة ما بين سياسيين عاجزين وبين قادة عسكريين يلعبون أدواراً مزدوجة. ولكن أولى خطوتين اتخذتهما إدارة أوباما في لعبة الأكروبات تلك أربكت وأبعدت جميع الأطراف؛ ففي مارس الماضي قام الكونجرس بإزالة كل الشروط التي كانت مفروضة على المساعدات العسكرية لمصر هذا العام، من أجل أن يستكمل الجنرالات التحول الديمقراطي، ولكن تلك الخطوة شجعت الجيش على حل البرلمان المنتخب وتقويض صلاحيات الرئيس الجديد. ولكن الإدارة الأمريكية جاءت بعد ذلك في الشهر الماضي لتضغط بصورة كبيرة على المجلس العسكري الحاكم من أجل الاعتراف بانتصار مرسي في انتخابات الإعادة، فربما أدت الضغوط التي مارستها كل من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع ليون بانيتا إلى منع المجلس العسكري من تسليم الرئاسة إلى مرشحه المفضل، رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، ولكن ذلك أغضب الجنرالات ونصارى مصر وبعض مؤيدي إسرائيل من الأمريكيين، والذين يخشون الإسلاميين أكثر من خشيتهم من النظام السابق. والآن ما هي الخطوة التالية؟ فمن المعلوم أن هناك نقاشات حادة تدور داخل الإدارة الأمريكية بشأن الطريقة المثلى للتعامل مع محمد مرسي، وبشأن كيفية استخدام المساعدات الأمريكية، وما يظهر الآن هو وجود توجه حذر متدرج يتعلق بكيفية حصول حكومة مرسي على الدعم الأمريكي للحصول على المساعدات الاقتصادية من صندوق النقد الدولي، إضافة إلى صفقة إلغاء الديون التي طال انتظارها، التي يشترط أن يعقبها وفاء بوعود مصر بالمحافظة على حقوق النساء والأقليات الدينية، وأن تحترم المعايير الديمقراطية وأن تحافظ على السلام مع إسرائيل. وفي زيارته إلى مصر رسم مساعد وزير الخارجية الأمريكي وليام بيرنز تلك الخطوط العريضة والشروط الأمريكية في أعقاب لقائه مع مرسي، حيث سلمه أيضاً رسالة من الرئيس أوباما. وبيرنز لم يتحدث علانية عن المساعدات العسكرية الأمريكية، ولكن الإدارة تفكر بشأن ذلك أيضاً، فهناك إجماع على أنه يجب استمرارها في الوقت الراهن، ولكن بعض المسؤولين يرون أنه يجب إعادة هيكلتها في النهاية وأن يتم تقليلها وأن تتركز على مهام مثل مكافحة الإرهاب وحماية الحدود، بدلاً من شراء المعدات الأمريكية باهظة الثمن. وعلى الرغم من أن الجيش والإخوان المسلمين هما الذين يحملون أهم الكروت حتى الآن، فإنهما لا يستطيعان أن يكونا الشريك القوي الذي يعتمد عليه بمرور الوقت، فالصديق الحقيقي للأمريكيين هم الديمقراطيون العلمانيون المصريون والطبقة الوسطى الناشئة، والذين تم تنحيتهم جانباً، ولكنهم الأمل الأفضل للبلاد على المدى البعيد. الخطر الأكبر هو أن تحدث انتكاسة للسياسات الأمريكية وأن تسير في المسارات القديمة وتخضع للضغوط المحلية المصرية، فالجيش سيقاوم أي تغيير في برامج المساعدات، أو أن يستحوذ على نفوذه لدى واشنطن أي من القادة المدنيين، ومن المتوقع أن يطالب بعض نواب الكونجرس من الإدارة الأمريكية أن تمنع المساعدات لأي حكومة إسلامية، ولكن الاستسلام لمثل تلك الضغوط سيكون الوسيلة الأسرع للإطاحة بتلك الفرصة للتغيير الدبلوماسي، وتحويل مصر إلى باكستان ثانية. * (واشنطن بوست) الأمريكية