قرأت مقالا بتاريخ 11-7-1433ه في صحيفة الجزيرة الملحق الثقافي للأخ رائف بدوي بعنوان: «الليبرالية تحمي الأديان والمعتقدات». دار مقاله حول فكرة وهي أنه: يرى أن الإنسانية بلغت سن الرشد وقادرة بمفردها على تسيير شئونها دون وصاية خارجية. وأقول وكأن الرسل ومنهم رسولنا لم يأتوا بما يسعد البشرية ولا بما يبلغها سن الرشد وهذا نفس كلام الخميني الباطني حيث قال إن الرسل قد فشلوا في تحقيق ما جاءت به الرسالات أو فشلوا في تحقيق السعادة للبشرية، ورائف بدوي يجالس هؤلاء الباطنية وربما يحركونه وقد رضع وتشرب منهجهم. وفكرة فشل الرسل فكرة باطنية قديمة قالتها الفلاسفة قديما في تصور الوحي والمحرك الأول للكون عندهم ليس هو الله تعالى بل العقل الأول هو المحرك والمنشئ للكون والمسئول عن حركات الكون وحوادثه الأرضية، والله صورة ذهنية فقط وجود صوري وهذا مذهبهم في الوحي والفيض والملائكة والشياطين التي تقود رائف بدوي وأعوانه. وهذا عرف عن ابن سينا والفارابي ومن قبلهم أرسطو وأفلاطون. وأما سؤالك هل الليبرالية ضد الأديان؟. أقول نعم بل جمعت كل عداوات الأديان. فالليبرالية أخس أعداء الأديان فالباطنية لم تفصل الدين عن الحياة بل أقامت الحياة على دين وإن كان باطلا وكذلك البوذية والبراهمة وغيرها من الملل المعادية للدين والإسلام، ولكن الليبرالية هدمت الدين باسم بلوغ الإنسانية سن الرشد .فهل بلوغها سن الرشد بالمجازر الوحشية والتمييز العنصري ومليونات القتلى في الحروب والاحتلال العلماني للأمم الفقيرة والاستيلاء على خيراتها لمصلحة أناس معينين فقط وتجنيد العملاء في هدم ثقافات وثوابت الدين والناس، والقوي يأكل الضعيف كما كانت سيطرة الكنيسة قديما كانت تجمع ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية لصالحها وسيطرة الإقطاعيين يجمعون كل الأموال لصالحهم، فرجعت هيمنة الإقطاع في الشركات العظمى والدول القوية الغنية هي الإقطاعيون القدماء ولكن في صورة دولة فالغني كما كان قديما يأكل الضعيف وإلا فما تفسير تدمير العراق وأفغانستان وفيتنام وغيرها،وأما هيمنة الكنسية فاستبدلت بهيمنة الأفكار كالشيوعية والرأسمالية والاشتراكية وظهرت آلهة جديدة خلاصتها بدلا من تأليه البابا والكنيسة تأليه الإنسان بما يصب في خدمة إنسان بعينه لا كل الإنسان وتأليه الأفكار التي تخدم رغبات الإنسان المحضة وهذا ومن قرأ فلسفات الفلاسفة المعاصرين ولا أظنك منهم فأنت تنعق ولا تطحن شيئا عرف معنى الكلام فهذا فرويد وهيجل وغيرهم وقد أثرت فلسفتهم على الناس ولا تنس دارون الكذاب ونظريته التي هدمت كل قانون في الكون. فالإنسانية ما كبرت ولا بلغت سن الرشد بل الإنسانية بلغت درجة الشذوذ الفكري والشذوذ الجنسي والشذوذ العقلي فهي أحوج ما تكون للأديان كما اعترف عقلاؤها، وما شواطئ العراة بغائبة عنك ومجازر البوسنة والأفغان وباكستان والعراق والأندلس وكسوفا والصين في تركستان الشرقية وكشمير وفلسطين وسرقة أرض كاملة لأمة هل أصبحت الإنسانية راشدة والتمييز العنصري في جنوب أفريقيا واغتيال الناس في بيوتهم وسجون جوانتاناما وأبو غريب والسجون المصرية والشيوعية والإبادات التي قامت بها والاقتصاد وما أدراك ما الاقتصاد صارت أزمة اليونان وأزمة أمريكا والأزمات العالمية المتلاحقة والمصارف الأوربية تدعم الأغنياء بينما الفقراء يدفعون الضرائب، وغيرها حدث ولا حرج. الغرب اعترفوا بذلك في كتب كثيرة وليست القضية قضية دين أو غيره بل هي العداوة بين الحق والباطل وعداوة اليهود والنصارى والمشركين للإسلام. وليست قضية فكر وفلسفة بل دين وباطل. وزعمت أن الليبرالية تقوم على مبدأ الحرية واحترام الآخرين فنقول: عجبا لذي البهتان ما رأيك في قوانين منع النقاب في فرنسا وبلجيكا والحجاب أيضا يمنع في الجامعات ويمنع في الدوائر الحكومية، وقوانين أن من يدل على منتقبة يكافأ واعتقال المنتقبات ولا تعتقل صاحبة البكينات. والليبرالية هي تأليه الإنسان ولكنك تموه الكلام لتضحك به على البسطاء والذين لا يعرفون فأنت بكلامك عنها مدلس وهل الإسلام منع الحرية والعدالة حتى تقول إن الليبرالية تحمي الحرية والعدالة؟ أم أنك تغمز الإسلام وتقول إنه ضد الحرية والعدالة لذلك لا يصلح لأن يقود الحياة ويبقى علاقة روحية بين الله والعبد، وقد حاول هذا قبلك كثيرون ولكن دون جدوى. وأنت ترى كما يظهر من كلامك أن البشرية يسعها الخروج عن شريعة الإسلام. والإسلام يحكم كل مناحي الحياة وحدد غاية الإنسان من تلك الدنيا وجعل العبادة كل حركات وأفعال العبد ليسعد البشرية كلها باتباع ذلك المنهج قال تعالى {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ورسوله من الأعمال الظاهرة والباطنة والإسلام على مر التاريخ حمل مشعل الحضارة ونقلها للإنسانية الراشدة على زعمك فاستفادت منه الإنسانية، ولكن لما فصل المسلمون بين علوم الكون ولم يجعلوا -بعضهم- تعلمها مما حثت عليه الشريعة لنفع الناس وتكاسل طلبة العلم والتفتوا بعضهم لبعضم وتنابذوا بالألقاب واتهموا تخلفوا وتركوا فرصة لأمثالك ليدخل في الصف ليطعن في الدين نفسه لا في الأشخاص الذين أساءوا بتصرفاتهم كما هو الآن الكيل بمكيالين لو أخطأ أحد المنتسبين للشريعة نسب الخطأ للشرع ولو أخطا أحد بني علمان وليبرال نسب الخطأ له والتمست له المعاذير. وكان نتيجة لذلك أن نحيت الشريعة عن الحياة لأنك وأسلافك حصرتم التخلف فيها وبسببها وسميتموها علوم الحيض والنفاس وفصل بين العلوم وسمي العلم التجريبي القائم على التجربة علم، وفكرة فصل الدين عن الحياة وأن الإنسانية صنعت الطائرة ووصلت للقمر وعرفت الخلية ورأت ما في الرحم وعرفت الحمض النووي والهندسة الوراثية فظنت جهلا أنها استغنت عن الوحي. واستدلالك بقوله كونوا ربانيين.. هذا جهل فاضح لأن الآية تكلمت عن العلماء فأمرتهم بأن يكونوا ربانيين والرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره وهم القدوة الذين يقتدى بها فالعلماء مطالبون بأن يكونوا قدوة يأخذون الناس بالرفق، والآية تناولت طائفة بعينها تصلح فيهم بعض الجوانب والآية لا تتعلق بما استدللت به فجهلك فاضح فالآية تتناول العلم والبيان والتعليم والاقتداء ولا تتناول العلاقة الروحية المزعومة بين الله والعبد. وإذا حصرت الدين في العلاقة الروحية فما فائدة خلق الله تعالى للبشر خلقهم ليعبدوا غيره ويحكموا العقول الفاسدة والأفكار الخرافية،بل زيد بن عمرو بن نفيل كان يقول للجاهليين الذين شابهتهم لكن بفارق زمني الله يرزقككم الشاة وتذبحونها على غير اسمه فأنت فعلت مثل جاهلي قريش ولكنك بإنترنت وهم بسيف وناقة والجاهلية واحدة وإن تغير الشكل. هل هذا هو مقام الرب عندك خلق وترك الإنسانية هملا وسدى لأنها أصبحت بالغة عاقلة لا تحتاج لسلطان من خارجها فمن المعلوم أن من أخص خصائص الرب التشريع والتربية لعبادة وكيف يربيهم وقد جعلهم يأخذون الاقتداء من غيره هل هذا منطق هل ولدك الذي ربيته وأصلحت شأنه أول ما يكبر لا يسدي لك الجميل؟! هل ستكون راضيا بل ستسخط كما سخطت على دينك الآن فارجع لعقلك فما تقوله لا يدل عليه دليل واحد وما تذكره من آيات بعيدة ولو استدل بها سكران لالتمسنا له العذر لكنه سكر الهوى والضلال واتباع الغرب الأعمى. واستدلالك بالآية الأخرى وتلك أمة قد خلت.. جهل وجهالة أيضا لأن الآية تتكلم عن الأمم السابقة من الصالحين وغيرهم لهم أعمالهم أساءوا أم أصلحوا وأنتم لكم أعمالكم مثلهم كلكم سواء لكم جميعا ما كسبتم خيرا أو شرا وهم كذلك لا محاباة كل يؤاخذ بالعدل من أحسن فله الحسنى ومن أساء فعليه إساءته. فأنت ستحاسب بما كسبت يمينك. وبما خطه بنانك من كفريات وخزعبلات ومغالطات علمتها أم لم تعلمها كنت مأجورا أم لا! فلا علاقة للآية بما استدللت به من أن الدين علاقة روحية فقط فما أجهلك!! وأنت بذلك تهدم الدين هدما وتكذب الوحي الذي أمر بالتحاكم إليه في كل كبير وصغير وترد على الرسول أمره ومن قبل ترد على الله أمره لما قال: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}.. فأنت ترد الآية وتكذب بها وتجعل الحياة فيها حرية تحكم بقانون نابيليون الفاشل أو هتلر النازي أم ميكافيلي الحاقد أم الأمريكان البراجماتيين فكلهم سواء وينتمون للإنسانية الراشدة البالغة كما بلغ رعاة البقر سن الرشد فحكموا العالم وكما بلغت الشيوعية سن الرشد فدفنت مع تراب الخزي في قبور النسيان، ومقالك هذا ليس عن اعتقاد منك بل هي الرقص على رفات ورائحة الموت، وهذه هي شربة ومحاولة الموت ورقصة الموت فأنت تتحسر من كثرة الراجعين عن الليبرالية فتعيد خرافاتك القديمة ومعتقداتك الغالطة المغلوطة فمقالك هذا هو من حلاوة الحياة التي صارت مرة ففشلت الليبرالية والعلمانية على الأقل في البلاد العربية وبقيت البلاد التي حكمت بالشرع وهذا ينغص بطنك التي لا تشبع إلا من.. وقولك في المرور.. فأجيبك بجواب مختصر: وأين السياسية الشرعية يا مسكين هل تجهلها فائتنا بحكم واحد على مدار التاريخ كله جاء حكم جديد وفيه مصلحة للناس وردته الشريعة فالشريعة مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد وأتحداك إلى موتك وحين ساعتك أن تأتي بحكم واحد فيه مصلحة للخلق وردته الشريعة، ولكن بشرط مصلحة حقيقية يا مسكين!! قاتل الله الجهل ما أقبحه!!.. أ.د محمد بن يحيى النجيمي