عند وفاة الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال عند القدر المحتوم: وقد سأله القوم أن يعظهم قال: (يعظكم سكوتي، وخفوت أطرافي) وقال المأمون: يا من لا يموت ارحم من يموت. وحسبي أن سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز كان يقول هذا وهو يودع الحياة ذلك الصباح لم يكن يوم السبت 26-7-1433ه الموافق 16-6-2012م يوماً عادياً فمن خلال رسائل عديدة توالت تباعاً بلغني نبأ وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز، فحين تلقيت الخبر لم أتسرع في تصديقه، وتوقعته إشاعة أو كذبة، بعدها تأكد خبر الوفاة وصدر عن الديوان الملكي بياناً جاء فيه ببالغ الأسى والحزن ينعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أخاه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم السبت 26-7-1433ه وسيصلى عليه إن شاء الله بعد صلاة المغرب من يوم الأحد الموافق 27-7-1433ه في المسجد الحرام بمكةالمكرمة. وإذ يعلن الديوان الملكي ذلك ليعزي الشعب السعودي في ذلك الفقيد. سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجزيه خير الجزاء لما قدمه لدينه ووطنه. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ}. وسط أجواء خيم عليها الحزن والإيمان بقضاء الله وقدره، ودعت قيادة المملكة وشعبها قائدا فذا نذر نفسه لخدمة دينه وشعبه ومليكه وأمته العربية والإسلامية. كان وقع الخبر بالنسبة لي مفزعاً، مزلزلاً وغصة وألماً شديداً وحزناً اعتصر قلبي وفاجعة وخسارة كبرى لرجل كان ملء السمع والبصر حتى أتاه اليقين. نعم إنه قضاء الله ولا يحمد على مكروه سواء. قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}. لقد ترك في القلب بصمة ألم وفي العقل دهشة حضور إنه رجل الدولة الأمين صمام الأمن والأمان العادل الحكيم. النزيه الباذل في الخير. وقد أدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بحضور عدد من الملوك والرؤساء والأمراء الصلاة على الفقيد مغرب ذلك اليوم بالمسجد الحرام الذي اكتظت أروقته وساحاته وأدواره بجموع غفيرة من المصلين والزوار الذي جاؤوا باكرين لإلقاء النظرة الأخيرة قبل أن يوارى الثرى في مقبرة العدل ليحتضن ثرى مكة الطهور جثمان الفقيد نايف بجانب أخويه الأميرين الراحلين ماجد وفواز.. كما أن في مقبرة العدل قد دفن فيها عالمين جليلين هما سماحة الشيخ الوالد عبدالعزيز بن باز وسماحة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهما الله جميعاً. وفي المسجد الحرام انطلقت حناجر المصلين، وإن اختلفت المفردات واللغة بالدعاء والرحمة لأمير الأمن والأمان وحارس المعتمرين والحجاج نايف بن عبدالعزيز عرفاناً وتقديراً لدوره في خدمة المدينتين المقدستين، وحرصه الدؤوب على أمن وأمان زوارهما من حجاج ومعتمرين. ما أشبه الليلة بالبارحة: وفاة الأمير نايف المفاجئة تذكرنا بوفاة أخيه الملك خالد رحمه الله، كان ذلك يوم 21-8-1402ه كانت الحكومة في ذلك الوقت في الطائف كان قلب الملك خالد يشكو الإرهاق وكان أطباؤه قد نصحوه بالبقاء في الرياض وتأجيل السفر إلى الطائف. إلا أن الملك خالد تجاهل نصائح الأطباء وركب طائرته واتجه إلى الطائف التي وصلها مرهقاً. قام تلك الليلة وجهاز الأكسجين بجانبه ليصحوا في الغد وقلبه متعباً وجهداً فقد كان يشكو من قلبه الذي قد خضع لعملية جراحية في أوروبا لم يتمكن الأطباء من إنقاذه لتخرج روحه الطاهرة إلى بارئها في ذلك الصباح ويبث التلفزيون خبر وفاته المفاجئ نقل بعدها إلى الرياض وصلي عليه ومنها إلى مقبرة العود. وهكذا كانت وفاة الأمير نايف المفجعة والمؤلمة، وإن كنا نعلم أنه كان في رحلة علاجية مجدولة ومحدد موعدها كان الشعب مطمئنا على صحته وقد رأيناه قبل رحيله بثلاثة أيام يستقبل في مقر إقامته في جنيف عددا من الأمراء والمسؤولين وقد بث التلفزيون هذا الاستقبال في نشرة الأخبار الرئيسية. وكان وضعه مطمئناً وإن كان عليه بعضا الإجهاد حتى أنه في ذلك اليوم قد وجه من مقر إقامته بجنيف بتكفل علاج الطفل الكفيف خالد الحويطي ذي الثمانية أعوام وهو من محافظة حقل بمنطقة تبوك بعد عرض حالته في تقرير لقناة الإخبارية هكذا كان وداع الأمير نايف من جنيف ليكون عطاء إنسانياً تجاوز الحدود. مصاب جلل: حقاً إن المصاب لجلل والفاجعة أليمة في رجل عظيم وقائد محنك خدم دينه ومليكه ووطنه بكل صدق وأمانة فهو صاحب مواقف عظيمة وإسهامات كبيرة، وحضور مشرف على الصعيد الداخلي والخارجي. رجل دولة من الطراز الأول يشهد له تاريخه العريق بأنه كان أميناً وفياً للدين والمليك والوطن. لقد فقد الوطن رمزاً للصراحة والوضوح والشفافية. الرجل الاستثنائي الخبير: رحل الرجل الكبير الاستثنائي في ظروف ومناخات في غاية الصعوبة والدقة رحل عميد وزراء داخلية العالم، رحل نايف الرجل الذي صقلته التجارب المشارك في اتخاذ قرارات الدولة الرجل الخبير الذي تحال إليه الملفات الحساسة والمعقدة. رجل الدولة، الداخلية، الأمن، الحج، الإرهاب، المخدرات، كلها كانت توكل إليه للقيام بها فقد كان رحمه الله مسؤول الأمن الأول، وعين الوطن الساهرة هو اليد الحانية على الوطن والضاربة في نفس الوقت بلا هوادة لكل من تسول له نفسه العبث بمنجزاته. ومقدراته، أو من يمس بأمن شعيرة المسلمين (الحج) التي نعتبرها ويعتبرها المسلمون شعيرة فوق كل شيء لا ينبغي المساس بها فقد كان يشرف سنوياً على هذه الشعيرة وهكذا الركن الهام ويطور منظومته ويدحر الأعمال التخريبية بكل أنماطها ودسائسها. حادثة الحرم وجهيمان: سجل الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز حضوراً لافتاً في الحياة الإدارية والسياسية في بلاده، ودخل معتركهما في سن مبكرة خلال عهد والده الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن: حيث يعد النجل الثالث والعشرين من أبناء الملك عبدالعزيز. تولى نايف زمام أمور وزارة الداخلية منذ قرابة أربعة عقود. وعمل مع أخيه الملك فهد رحمه الله عندما كان وزيراً للداخلية في عهد الملك فيصل رحمه الله. تصدى خلالها نايف للعديد من القضايا. وأهمها قضية الإرهاب. وقد أدار الفقيد التعامل مع العديد من المحاولات الإرهابية.. ومنها عملية اقتحام الحرم المكي عام 1400ه من قبل (جهيمان) قائد التمرد والذي اختار الحرم هو وأتباعه الذين اعتلوا منارات الحرم للسيطرة على بيت الله الحرام لمواجهة رجال الأمن. كان ذلك في عهد الملك الراحل والرحيم خالد بن عبدالعزيز فواجه الأمير نايف الحادثة بعد توليه الوزارة بخمس سنوات. وكان موقفه حينها صارماً واستطاع أن يثبت للعالم موقف المملكة الثابت القوي والصارم في مواجهة الإرهاب. لا ننسى وقتها عندما بث التلفزيون السعودي الخبر وقطع برامجه ليظهر الأمير نايف على الشاشة ليزف البشرى بالإعلان عن أنه قد تم فجر اليوم تطهير المسجد الحرام من جميع عناصر التمرد وليسدل الستار على أصعب مراحل التاريخ السعودي الحديث ببصمة لا تحتمل التزوير تحمل اسم وتوقيع نايف بن عبدالعزيز. أحداث الحادي عشر من سبتمبر: بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م وبعدها أحداث الإرهاب.. أحيل للراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز ملف الإرهاب. الذي تولته وزارته (وزارة الداخلية) هذا الملف المخيف استلمه وتولاه نايف أبو سعود بكل ثقة وأمانة. لما لا، وهو ملف جاء ليهدد أمن البلاد ومنجزاتها واستقرارها ومستقبلها، وقد واجه هذا الإرهاب وتصدى له واستطاع أن يُقلم أظاهره وقطع دابره وانتصر على الإرهاب ودحره. فهو صاحب ضربات استباقية أرهقت المجرمين. نجاحات موسم الحج والعين الساهرة: عندما يأتي موسم الحج السنوي الذي ينتظره المسلمون والحجاج تجد نايف يقف بنفسه ويشرف على هذا الركن العظيم، ويكون بمثابة العين الساهرة حضوراً وإشرافاً وتنظيماً من خلال خلق جو أمني وتوفير الخدمات لضيوف الرحمن في مكان واحد ووقت زمن محدود. لا للتشدد بل للوسطية: كان نايف رحمه الله إعلاميا وفارس حرف وفكر وحوار. لا للتشدد بل للوسطية، والاعتدال لتصحيح بعض الأفكار الخاطئة لبعض المتشددين في توجيهاتهم. فهو رجل دولة متعدد الكفاءات أثبت حضوراً بارع القدرات في مواجهة مخاطر عديدة وقاسية موجهة بإجرام جنوني ضد أمن بلادنا. إنه رمز من أكبر رموز الدولة تفاني في خدمة وطنه في كل موقع تقلده. ولاية العهد ثمانية أشهر: ثمانية أشهر هي فترة ولاية الأمير نايف لولاية العهد بعدها رحل إلى الرفيق الأعلى رحمه الله رحمة واسعة. نايف ولي العهد وجراح الداخلية الماهر الذي لم يأل جهداً طول عمله في استئصال أورام قد ترهق جسد الدولة. وبرحيله تفقد المملكة رجل دولة وركناً من أركان الحكم فيها. الرجل الذي حظي بثقة إخوانه الملوك الراحلين رحمهم الله جميعاً والملك عبدالله متعه الله وأمد في عمره. إحساس المسؤولية: أتذكر أنه عندما عين الأمير نايف ولياً للعهد خلفاً لأخيه الأمير سلطان رحمه الله حرصت بأن أكون ضمن من تشرف بالسلام عليه ومبايعته بولاية العهد وذلك في قصر الحكم بالرياض بحضور شقيقه الأمير سلمان بن عبدالعزيز الذي حرص أن يقف بجانبه طوال فترة تقديم السلام والبيعة للأمير نايف. وقتها خرج الأمير الفارس نايف وأدلى بتصريح له بعد الثقة الملكية الغالية. وقال إنني أعتبر الثقة تكليفاً وتشريفاً في نفس الوقت واعتبرها وساماً على صدري ولكن في الوقت نفسه أحسست بالمسؤولية واتجهت بقلبي وبكل حواسي إلى الخالق عز وجل أطلب العون والتوفيق والسداد. يا بطل الانتصارات: ما بين الحزم والشدة واللين والحلم تمكن الأمير نايف رحمه الله وبمهارة من ترسيخ الأمن والقضاء على العديد من الفتن الداخلية والخارجية أربعة عقود لم ينقطع فيها أمير الأمن والأمان نايف بن عبدالعزيز من تفقد المواقع الأمنية والوقوف على كافة الاستعدادات الكبيرة لأمن الحج. صلابته ومواقفه: غاب نايف الذي عرف بصلابته ومواقفه وصراحته وتصديه لكل ما يمس مصلحة واستقرار الوطن. فكانت يده من حديد لضرب الفساد، ويد حانية لإصلاح ما أفسده التطرف والإرهاب. عقل راجح: كان أبو سعود رحمه الله أميراً عادلاً ورحيماً. صاحب خبرة واسعة في شؤون الحكم صاحب نهج متطور ورؤية ثابتة. قلب تملأه الرحمة عقل راجح يفيض بالحكمة. هدوء الطبع: امتاز الأمير نايف رحمه الله بهدوء الطبع فهو مستمع ومصغ للشخص من الدرجة الأولى ودوداً حليماً عاقلاً سامياً في تعامله إنساناً في نبله. لم يعرف قاموسه اليأس تحدى الأزمات وواجهها لأنه قامة هامة وضخمة. مشاهد وذكريات مع الأمير الراحل نايف: قابلت الأمير نايف رحمه الله في عدة مناسبات إعلامية رسمية يرعاها ويشرفها. كنت أحضرها في ذلك الوقت من عملي الصحفي. وأحرص بالتشرف للسلام عليه فكان يصل إلى موقع المناسبة بهدوء، وقد شاهدته يعطي الفرصة لمن سلم عليه وصافحه بالحديث والترحيب دون أن يقاطعه أو أن يوحي لك بالملل. وكان يجيب على أسئلة الصحفيين إجابة الراصد والمتابع للأحداث أول بأول دون تأفف أو ملل، ويعطي الفرصة لك بطرح السؤال كاملاً. وفي الديوان الملكي كنت أرافق والدي الشيخ محمد بن إبراهيم الهويش متعه الله بالصحة بين فترة وأخرى، وكان ذلك في عهد الملك فهد رحمه الله. ودائماً أجد الأمير نايف متواجداً في الديوان مع بقية إخوانه، وأحرص على السلام عليه وأصافحه بحرارة وبمحبة غالية.. بعد سلام والدي عليه الذي يعرفه معرفة تامة، ويتحدث معه بدون تكلف في أمور علمية وشرعية أحياناً. كانت علاقة والدي بالأمير حميمة، وقد سمعته مرة يقول للوالد أين أنت يا شيخ محمد لم نرك منذ فترة. وكان الوالد يعتذر لتواجده خارج الرياض أحياناً، ويعترف له بهذا التقصير الذي قد لا يصادف وقتها حضور أو وجود الأمير نايف في ذلك اليوم من الاستقبال. وبابتسامته المعهودة يقبل الأمير هذا الاعتذار. يزين التمييز: يروي لي الوالد هذا الموقف الذي حصل قبل حوالي 15 عاماً مع الأمير الراحل نايف، يقول: (كنا في الديوان الملكي بقصر اليمامة بالرياض، وكان اللقاء الأسبوعي مع المشايخ والعلماء في عهد الملك فهد رحمه الله، وبرفقة الشيخ الفاضل محمد المهوس رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام سابقاً، وهناك كان الأمير نايف متواجداً بالديوان يقول الوالد: بعد السلام على الأمير، قال الشيخ محمد المهوس للأمير نايف إن الشيخ محمد الهويش قد ترقى وحصل على مرتبة قاضي تمييز ففرح الأمير بهذا الخبر وهذه البشارة السعيدة ورد باسماً، وقال إن الشيخ محمد الهويش يزين التمييز، وبارك للوالد وقال تستاهل كل خير متمنياً له دوام التوفيق. وتعود معرفة الوالد بالأمير الراحل نايف كونه كان يشارك بأوراق عمل في مؤتمرات داخلية وخارجية لوزارة الداخلية الخاصة والمتعلقة بأبحاث الجريمة يكون فيها ممثلاً من قبل وزارة العدل، ومن هناك توطدت العلاقة بشكل أكبر مع الفقيد نايف. العشاء الأول والأخير مع نايف: وفي دعوة عشاء خاصة أذكرها شرف الأمير نايف حفل العشاء الذي أقامه الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري منذ أكثر من 15 عاماً بمنزله بالرياض. وكان والدي ضمن المدعوين ورافقته لهذه الدعوة، وفي منزل الشيخ أبو عبدالرحمن حضر الأمير نايف وكانت الدعوة خاصة لم يحضرها إلا عدد قليل من الأمراء والمشايخ وطلبة علم وأدباء معروفين، ويبدو أن الأمير نايف حرص أن لا يكون في المناسبة برنامج خطابي أو كلمات تتوالى أو تبادل أشعار سوى كلمة ترحيبية من المحتفي الشيخ أبو عبدالرحمن عقيل.. بل أراد أن يكون اللقاء عادياً وبسيطاً خالياً من الرسميات قدر الإمكان تبودلت الأحاديث مع الأمير في مواضيع شتى ومتنوعة كنت أراقب وأشاهد الأمير وهو يتحدث في أمور علمية وشرعية وأدبية يفيد ويستفيد.. وكان لا ينظر للوقت وأنه محدد بل جلس وقت أكثر وأكثر.. وفي مجلس العشاء وضع الشيخ أبو عبدالرحمن العشاء في موقعين في منزله لأن مكان واحد لا يتسع للجميع. فانقسم المدعوون في مجلسين للعشاء، وفي مجلس العشاء الذي جلس فيه سمو الأمير نايف حرصت أن أكون مع الوالد في هذا المجلس (المقلط) كانت سفرة الأكل موضوعة على الأرض (الجلسة أرضية) وحرص أبو عبدالرحمن أن يكون مع العشاء بعض الأكلات الشعبية صنع محلي يعرف أن الأمير يحبها، ونحن على سفرة الطعام لم يكن أبو عبدالرحمن بعيداً عن الأمير وكان يتحدث معه عن بعض هذه الأكلات الشعبية، كان الوالد قريباً من الأمير على سفرة الطعام، وأذكر أنه دار الحديث عن الشعر والأدب كون الوالد يحفظه الله يحتفظ بذاكرة شعرية رائعة وشيقة استأنس واستمتع بها الأمير في جو ودي رائع، وعندما انتهى الأمير من العشاء لم يقم بل جلس يتحدث.. مع أبو عبدالرحمن في مواضيع وسواليف وقصص جعلت الأمير يضحك كثيراً وقبل أن يقوم الأمير من مجلس الطعام.. إذا بأطفال من مختلف الأعمار عند باب (المقلط) يبدو أنهم أبناء وأحفاد الشيخ أبو عبدالرحمن وشاهدهم الأمير نايف وقد حاول أبو عبدالرحمن إبعادهم إلا أن الأمير رفض بل طلب منهم أن يدخلوا ويشاركوا معه في الأكل وناداهم، واعتذر أبو عبدالرحمن من الأمير نايف محاولاً إبعادهم ونهرهم من الجلوس فأصر الأمير على بقائهم وقال هؤلاء مثل أولادي بل أنه ضحك معهم وباشر بنفسه تقديم الطعام لهم، وكان بجانبه سلة فواكه قدمها لهم ووزعها عليهم. كل هذه المشاهد رأيتها في مجلس عشاء الأمير. كم كان سموه رحيماً ودوداً حليماً سامياً في تعامله إنسانياً في نبله بشوشاً مبتسماً هادئ في طبعه. بعدها قام الأمير نايف من صالة الطعام، وعاد إلى المجلس وجلس بعض الوقت شرب خلالها الشاي ثم غادر المكان بهدوء بسيارات قليلة رافقته. كانت بالنسبة لي ليلة ومناسبة غالية لم ولن أنساها ما حييت إنه العشاء الأول والأخير مع سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز. ثروة وطنية: آه أيها الوالد نايف بن عبدالعزيز يعلم الله أني أحببتك منذ أن كنت طفلاً. رحلت يا أميرنا وتركت واءك ثروة وطنية وإنسانية فريدة سيظل يذكرها الأجيال جيلاً بعد جيل مستلهمين من هذه الشخصية الجامعة حكمتها ووقارها ونفاد بصيرتها. ألقاب وأسماء ينادي بها نايف: بقي أن تعرف أيها القارئ أن هناك ألقاب وأسماء اشتهر بها الأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز: - نايف الأمن والأمان. - قاهر الإرهاب. - رجل الأمن الأول. - العين الساهرة. - عراب الأمن الفكري. - عراب الأمن العسكري. - والد الأيتام وشهداء الواجب. - عدو التطرف. - مجفف منابع الفتنة. - نايف الذكاء. - نايف الفطنة. - نايف الدهاء. - قناص أرباب الفكر المنحرف والإجرام. - ناصر السنة. - حامي الفضيلة. - نايف الإعلامي. - فارس الحرف والفكر والحوار. جوانب نايف الإنسانية: ترأس سموه عددا من اللجان منها على سبيل المثال لا الحصر: - إشرافه على حملات الإغاثة الإنسانية التي تقدمها المملكة. - رئاسته لمجلس القوى العاملة. - رعايته لجائزة نايف للدراسات الإسلامية والسنة النبوية. - رئاسته للجمعية الوطنية للمتقاعدين. - الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها. المجد لنايف: المجد لك يا نايف وإن غاب عنا يظل محفوراً في قلوبنا والبقاء للوطن إرثاً شامخاً وكياناً سامقاً. أيها النايف الشامخ.. نايف المسؤولية.. نايف الريادة.. نايف الإنسان (الأب) لقد أديت الأمانة وأسست المسؤوليات.. نايف لقد مضيت بطلاً وبقيت علماً.. غبت عنا حضوراً ليبزغ نجمك في قلوبنا لتكون نبراساً. إذاً سيدي أنت لم ترحل لأن فكرك وإلهامك باقٍ لنا فعلاً الرجال الكبار العظماء لا يموتون، وإن ووروا تحت الثرى. ينتهي مقالي.. ولا ينتهي حديثي عن الأمير الفذ نايف الذي تدفقت فيه حروفي من غير شعور لحبي الكبير لهذا الأمير الفارس لكننا سنجعله كتاباً مفتوحاً نصف فيه ولاءنا لهذا البلد المبارك وحبنا لولاة أمرنا. هذا ما اختزلته الذاكرة عند كتابة هذا المقال فعذراً.. فوقع خبر رحيل نايف كان فاجعة وخسارة كبيرة لكل من أحبه. رحمك الله يا أبا سعود بقدر ما أحببت حجم بلادك وسهرت عليها ودافعت عنها وحميتها بعد الله. العزاء إلى مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وإلى الأسرة المالكة وأعوانكم الصادقين؛ ثم لأبناء فقيد الأمة وبناته. داعين الله أن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يجمعنا وإياه في دار كرامته إنه نعم الولي ونعم النصير. الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) الرياض