كان مشهداً مهيباً ذلك الذي تسمّرت (الأعين) لقراءة تفاصيله في المسجد الحرام خطوة بخطوة للحظات وداع مؤلمة وحزينة للجثمان الطاهر وهو يغادر ل (مثواه الأخير) عشنا اللحظة الحزينة، حيث كان الموعد المؤلم. المنصفون يتهرّبون عادة من تعداد (مناقب العظماء) حرجاً من بخسهم حقهم, أو التقصير في ذكر محاسنهم ولكنه قدرنا عند الحديث عن غياب قامة في حجم نايف بن عبد العزيز - رحمه الله- وحياته المليئة بالعطاء والبذل لخدمة الدين والوطن. هذا الغياب الذي حدث بصمت خلّف دهشة كبيرة عند الحديث عن حياة الفقيد ومناصبه وأعماله الجليلة والكبيرة والتي تنوَّعت في مجالات مختلفة لا يجيدها ولا يتقن التعامل معها إلا أمثال (نايف الأمن والأمان). كما هي عادة (العمالقة) عندما يغادرون دائماً فهم يرحلون ليتركوا لنا هول الفاجعة ومرارة الصدمة ولا نقول إلا ما يرضي ربنا, فخلال اليومين الماضيين تعرّفت أكثر على جوانب جديدة في شخصية هذا الرجل العظيم لم أتخيل أن الراحل يجيدها، حيث يهتم بالتفاصيل الدقيقة ويناقش مَن حوله بهدوء وحنكة لتكتمل وتتضح الصورة لديه ليتخذ القرار المناسب بتروٍّ وحكمة. تحدث مع (عشرات) المثقفين وأعضاء مجلس الشورى والفنانين والإعلاميين وكل كان له موقف مؤثّر مع نايف بن عبد العزيز يحتفظ به في ذاكرته حتى لو مرّت عليه سنين طويلة, فهناك من منحه الراحل ضعف وقته المخصص للحديث والإصغاء والمناقشة, وهناك من احتضنه الراحل في موقف إنساني وشخصي لا ينساه, حيث كان (نايف) الحازم في الحق وفي وجه كل معتد آثم أو متربص حاقد بأمننا, في الموعد إنساناً حليماً رحيماً عطوفاً رهيفاً حساساً مع من حوله يلاطفهم ويهتم بتفاصيل حياتهم يعاملهم معاملة (الأب الحنون) الذي يتألم لألم أو حزن أحد أبنائه. هذا الأمر لم يكن يخصنا وحدنا في السعودية فحتى السفراء والدبلوماسيون من الإخوة العرب والخليجيين كانوا يشعرون بذلك من خلال لقائه وزياراته, كانوا يبادلوننا العزاء ويتقبلونه لأنهم يشعرون أن المصاب مصابهم، بل إن السفير الفلسطيني قال لي: إن المصاب مصابنا نحن إننا نعزي أنفسنا (قبلكم) في رجل خدم (قضية المسلمين الأولى) وكان داعماً كبيراً وأخاً عظيماً للفلسطينيين طوال حياته الزاهرة. لقد استمعت لعشرات القصص والمواقف التي تدل على (عظم قلب) هذا الرجل وكيف كان يحرص سنوياً عند رعاية الخريجين من جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالسلام ومصافحة جميع أعضاء هيئة التدريس شخصياً كتقليد لم يتغيّب أو يتثاقل عنه يوماً ليشعرهم بثقته واهتمامه. كان (الفقيد) داعماً وملهماً لرجال الأمن في بث روح ومفهوم (الوطن أولاً) ليبذلوا الغالي والنفيس لأجله. رحلت (نايف) بجسدك وهذه حكمة الله وقدره، حيث نؤمن بها, ولكن قلبك الكبير والفكر والمنهج الذي وضعته سيكون نبراساً وقاعدة يسير عليها المخلصون من بعدك خدمة لهذا (الوطن الغالي) في ظل خادم الحرمين الشريفين أطال الله في عمره. وعلى دروب الخير نلتقي. [email protected] [email protected]