القلق هو ذلك الشعور الذي يحمل الإنسان على عدم الاطمئنان ويجعله مترقباً ويولد لديه إحساساً بالخطر العام، وقد يُعبر عنه بحياتنا اليومية بما نسميه التوتر أو التردد أو « النرفزة» أو الضغط النفسي. ويختلف مفهوم القلق عن مفهوم الإحباط الذي يكون أشمل وأوسع إذ هو مجموعة من المشاعر المؤلمة ومنها: القلق والضيق والضجر والغضب والملل والشعور بالإخفاق والدونية... نتيجة عجز الإنسان عن تحقيق الحلول لمشاكله التي يعانيها أو شعوره بخيبة الأمل في تحقيق مساعيه. إن القلق سمة من سمات العصر الأساسية فأساليب الحياة أصبحت تتسم بالتعقيد والديناميكية المتسارعة والتقلبات الحادة والمفاجئة والثورة المعلوماتية والمعرفية والتشويش والأزمات بمختلف جوانبها وأنواعها، وكل هذا يتطلب من الإنسان التكيف والتعايش مع هذا النمط من الحياة مما يجعله عرضة للقلق والإحباط وقد يذهب به الأمر في بعض الأحوال إلى ما هو أسوأ من ذلك. إن القلق الناتج عن استشعار الفرد ما يحيط به من متغيرات حياتية مزعجة - سواء في طبيعتها أو في أساليب التعامل معها- وما يواجه من تحديات هو أمر طبيعي بل وإيجابي إذا كان ضمن إطار الشعور بالمسؤولية وضمن الحدود المعقولة والواقعية فالإنسان - بطبعه - يؤثر ويتأثر، لكن عندما يتجاوز القلق النمط السلوكي الطبيعي للإنسان فحينئذٍ يكون القلق أمر سلبي ومؤشر وجود خلل في المنحى السلوكي يتطلب التقويم. لقد عرف بأدبيات الإدارة ما يسمى بإدارة الأزمات أو إدارة الكوارث أو إدارة الطوارئ أو ما يشابه ذلك. وعلى الصعيد الفردي هناك ما يعرف بصناعة الذات، وسيكولوجية النجاح، وإدارة الذات، وإدارة الضغوط النفسية. وهذه المفاهيم جاءت نتيجة استشعار ضرورة التعامل الصحيح مع تداعيات الواقع. إن القدرة على السيطرة على مشاعر القلق هي جزء من صناعة وإدارة الذات وسيكولوجية النجاح، وهذه القدرة تقوم على الفهم الصحيح للواقع لإحداث التغيير المطلوب. يقول الله عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } (155) سورة البقرة. ويقول صلى الله عليه وسلم في دعاء الهمّ: «اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضي حكمك عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وزوال غمي وذهاب همي». وهذا المنهج الشرعي في إدارة الذات يقوم على فهم واقع الحياة التي لا تخلو من التقلبات بين الفرح والحزن والسعة والضيق والأمل والألم وكيفية التعامل مع هذا الواقع فإذا لم يكن بمقدورنا تغيير مجريات الحياة التي لا نملكها فإن التغيير الفعّال يجب أن يكون من الداخل، يقول تبارك وتعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (11) سورة الرعد. أما ريتشارد كارلسون مؤلف كتاب لا تهتم بصغائر الأمور فكل الأمور صغائر- وهو أحد الكتب الأكثر مبيعاً في العالم - فيقول: لقد عملت ومازلت أعمل في مجال معالجة التوتر لأكثر من عشر سنوات، وخلال هذه المدة قابلت بعض الأشخاص غير العاديين، ولم أعرف شخصا يتمتع بالسلام الداخلي دون أن يحتجز لنفسه كل يوم وقتا للهدوء وسواء كان هذا الوقت عشر دقائق للتأمل أو ممارسة اليوجا أو قضاء بعض الوقت مع الطبيعة أو الاستمتاع بحمام، فإن احتجاز هذا الوقت جزء هام جدا في حياتك. وهذه الفترة من الهدوء مثلها مثل قضاء بعض الوقت في انفرادنا تساعدنا على إحداث الاتزان في كمية الضوضاء والارتباك التي تتسلل إلينا طوال اليوم. ويضيف كارلسون:.. وإذا أردت أن تكون متأملا جيدا، فعليك أن تكون رقيقا مع نفسك وأن تكون مثابرا فلا تدع الإحباط يصيبك، إن عدة دقائق يوميا سوف تكون لها فوائد جمة بمرور الوقت وإنني لا أعرف لأناسا ينعمون بالسلام الداخلي مع أنفسهم دون أن يقضوا بعض الوقت في ممارسة التأمل. عزيزي القارئ لتمنح نفسك وقتاً للهدوء والتأمل والتخلص من ردود الأفعال السلبية والتراكمات المحبطة فكبت هذه الصور المزعجة يمثل البركان الخامل الذي لو انفجر لكان مدمراً للنفس، ولنعلم جميعنا أن آجالنا مكتوبة وأرزاقنا مقسومة وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا.