يتحدث مائير داجان بحرية كبيرة في وسائل الإعلام الأمريكية، وبطريقة أكثر تماشيًا مع موقف أوباما المتعلق باستمرار استخدام العقوبات والدبلوماسية مع إيران. داجان مراقب مخضرم للقضايا الجيوبوليتيكية وكلماته لها ثقلها. فقد ظهر مائير داجان في البرنامج الأمريكي الشهير «60 دقيقة» والذي يعد منصة حديث سياسية مرموقة، حيث هاجم نتنياهو والكثير من اليمين الأمريكي والإسرائيلي، بالرغم من أن ذلك جاء بصورة غير مباشرة، فالحوار كان يصاحبه صور وحكايات تؤسس للمؤهلات القوية لداجان عسكريًا وأمنيًا وعلاقاته الوطيدة بعدد من كبار المسئولين في الشرق الأوسط، وكان قد هاجم بالفعل في العام الماضي من يطالبون بالحرب ضد إيران، ووصف تلك الدعوات قائلاً بأنها «أغبى شيء سمعته في حياتي». أشار مائير داجان، الذي كان رئيسًا سابقًا للموساد، إلى مدى «عقلانية» القيادة الإيرانية، ولم يكن داجان حينها يحاضر الجمهور الأمريكي بشأن فلسفة ديكارت أو نظرية المباريات في الحرب، إنه كان يحاول أن يبين مدى خطأ الأمريكيين والإسرائيليين الذين يزعمون - وربما يؤمنون أيضًا - بأن إيران يحكمها مجموعة من رجال الدين البلهاء الذين يهدفون إلى إنهاء العالم، وأنه لايمكن ردعهم عن استخدام الأسلحة النووية. داجان يعتقد أن نظرية «التدمير المتبادل المؤكد» يمكن أن يتم تحقيقها في الشرق الأوسط، فتلك النظرية كانت أساس المواجهة الأمريكية الروسية للعديد من العقود، وهو ما أبقى الصراع تحت السيطرة حتى سقوط النظام الشيوعي. فقد قام داجان بمتابعة العلاقات مع إيران لعدة عقود، وهو يعلم أن إسرائيل كان لديها علاقات قوية مع إيران تحت حكم الشاه وأيضًا لعدة سنوات تحت حكم الملالي منذ أن وصلوا إلى السلطة عام 1979، عندما ساعدت إسرائيل إيران في حربها الطويلة مع العراق بين عامي 1980 و1988. فالانهيار في العلاقة لم يأت بسبب تغير في الأيدلوجية أو السياسة في طهران، ولكنه جاء نتيجة النقلة السياسية في إسرائيل بعد تدمير جيش صدام حسين في حرب الخليج الأولى، ففجأة، وربما عن طريق الخطأ، رأت إسرائيل إيران على أنها غير موثوق فيها وخطرة، وسرعان ما أصبحت عدوًا. والرئيس السابق للموساد لا يستبعد اللجوء في النهاية لمهاجمة إيران، ولكنه يشعر أن إيران لا تزال على بعد ثلاث سنوات من الحصول على السلاح النووي، فهو قد يفضل الموقف الأمريكي برسم «الخط الأحمر» حول الإنتاج الفعلي للأسلحة النووية، وليس حول منشآت تخصيب اليورانيوم الجبلية في عمق البلاد، وهو مايمكن أن يقدم لإيران طريقة مشرفة للتراجع عن الحرب. ولكن في الوقت الراهن فهو يدعو إلى استمرار العقوبات والدبلوماسية والتشجيع على تغيير النظام في إيران. فأهمية هذا اللقاء التليفزيوني لمائير داجان كبيرة للغاية، فهذا مشابه لقيام مسئول محترم سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أو أحد قادة الجيش في عام 2003 بالتعبير عن تشككه العميق حول غزو العراق، وقد أعطته تلك المحطة التلفازية الكبرى الفرصة كاملة لفعل ذلك. وربما وضع داجان هذا في ذهنه، فقد عرض مؤخرًا أن الحرب مع إيران يمكن أن تؤدي إلى هجمات صاروخية مدمرة على المدن الإسرائيلية وإلى استدراج المنطقة إلى حرب إقليمية تكون فيها «التحديات الأمنية غير محتملة». تابع الجمهور الأمريكي تصريحات مسؤلي الأمن القومي الإسرائيلي، سواء على لسان رئيس وزراء إسرائيل أو جهات مسئولة داخل الهيئات الأمريكية مثل لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (ايباك)، وهي لجنة فوق مستوى الشبهات، لذا فإن كلمات داجان سوف تضعف من فرضية ضرب إيران بصورة كبيرة، مع استمرار دعوات نتنياهو إلى شن حرب. داجان جاء من الظل، وبالتعاون مع شبكة أمريكية، ليتحدث إلى الجمهور الأمريكي في خضم المناظرات حول الحرب الوشيكة، فكلماته سوف يتردد صداها داخل مراكز الأبحاث والهيئات الأمنية في الأشهر القادمة، وربما أيضًا داخل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، ولذا فإننا سوف ننتظر لنرى أي الكلمات تحمل ثقلاً أكبر: كلمات داجان أم نتنياهو. * * * *محلل سياسي وعسكري - (آسيا تايمز) الصينية