يجد قارئ الأعمدة الصحفية السياسية التي تنشرها كبريات الصحف العالمية عن منطقتنا العربية مادة مغرية للقراءة بعكس معظم الأعمدة والمقالات السياسية التي تنشرها بعض الصحف العربية.. ولطالما تساءلت ما الذي يجعل ما تنشره الصحف الأوروبية والأمريكية، مثلاً، من مقالات وأعمدة عن منطقتنا العربية مغرية وجاذبة حتى مع اختلافنا مع استنتاجاتها وتوجهات كاتبيها في حين تفتقر مثيلاتها في الصحف العربية إلى تلك الجاذبية..!؟ أستثني بعض الكُتَّاب المتمرسين.. فعندما أقارن بين ما يكتبه، على سبيل المثال، الأستاذ جهاد الخازن عن متابعاته للساحة السياسية الأمريكية وبين بعض ما يُنشر بأقلام كُثّاب عرب آخرين في بعض الصحف أعثر على إجابة عن بعض تساؤلاتي.. فالأستاذ الخازن - من وجهة نظري - أقرب إلى طريقة كُتَّاب الأعمدة السياسية الغربية من حيث ثراء المعلومة التي يقدمها إلى القارئ.. بالإضافة إلى أسلوبه الذي يتسم بالسخرية وخفة الظل رغم جدية الموضوعات التي يطرقها. هناك من يرى أن «المعلومة» لم تَعُدْ تمثل مشكلة بالنسبة للقارئ فهو يجدها في مواقع الإنترنت بسهولة.. وهذا صحيح إلى حد كبير، لكن الصحيح أيضاً أن نَظْم هذه المعلومات وربطها من خلال سياقاتها الصحيحة هو الذي يصنع الفرق.. كما أن مواقع الإنترنت تعج بالمعلومات التي تفتقر إلى الدقة والمصداقية بما في ذلك الموسوعة الرقمية الشهيرة «ويكيبيديا» التي يستخدمها البعض حتى في دراساتهم وأبحاثهم.. فليس هنالك من رقيب على دقة المعلومات التي تزخر بها مواقع الإنترنت.. ويستطيع أي شخص أن يُشيع معلومة خاطئة عبر مواقع الإنترنت ويجد من يتلقفها ويرددها كما لو أنها حقيقة. نحن نلمس اختلاف وجهات النظر في المقالات السياسية التي تنشرها الصحافة الغربية لدرجة التناقض، وهذا في الغالب يعكس اختلافاً في الأيديولوجيا التي يعتنقها كُتَّاب المقالات أكثر مما يعكس نقصاً في المعلومات، ويعكس أيضاً في أحيان كثيرة توظيفاً محدداً للمعلومة لخدمة رأي كاتب المقال. هذا نلمسه أيضاً في مراكز البحوث والدراسات الإستراتيجية الغربية.. فمنها المحافظ ومنها الليبرالي ومنها الوسطي، وبعضها يخدم أهدافاً مُسيَّسة سلفاً.. لكنها جميعاً تحرص على تقديم رؤاها من خلال ما تتوصل إليه أو تنتقيه من معلومات. يُقابل ذلك نمط الكتابة الانطباعية التي تغلب على العمود والمقال السياسي في بعض الصحف العربية.. فالمقال ليس أكثر من صياغات لغوية تتخذ أحياناً أسلوب الخُطَب والمواعظ، بل أحياناً الوصاية على عقل القارئ. وليس بعيداً عن هذا ما نلاحظه أيضاً عندما تستضيف بعض الفضائيات أشخاصاً يتم تقديمهم على أنهم محللون سياسيون أو متخصصون لكنهم لا يقدمون أي إضافة لما يعرفه أي شخص آخر.. ومن المحرج أن بعض هؤلاء هم من عندنا من المملكة ويتحدثون أحياناً كما لو أنهم ناطق رسمي باسم الحكومة دون أن تكون لهم صفة رسمية ودون أن يسندوا وجهات نظرهم بمعلومات مقنعة للمتلقي. ثمة نمط ثالث يجذب القارئ ليس من خلال ما يقدمه من معلومات للقارئ.. وإنما من خلال أسلوبه الرشيق في الكتابة. يجذبني، على سبيل المثال، الكاتب المصري علي سالم ليس لأنني أجد معلومات جديدة في مقالاته أو لاقتناعي بآرائه وإنما لأسلوبه في الكتابة. أعتقد أن المقال والعمود السياسي مهم.. لكن ذلك يتطلب أن يكون لدى الكاتب «معلومة دقيقة» و»رؤية خاصة» بالإضافة إلى «القدرة الكتابية».. وتصبح الكتابة في الشأن السياسي أكثر أهمية إذا كان الكاتب ينطلق من خبرة شخصية في مجال العمل السياسي، ولعل بعض أهم البارزين في هذا المجال هنري كسنجر وزبيغنيو بريجنسكي من خلال العديد من كتبهم ومذكراتهم ومقالاتهم.