يواجه كُتّاب المقالات قضية تؤرقهم وتسيطر على تفكيرهم فيما يخص مقالاتهم التي ينشرونها في الصحف والمجلات، وتتمثّل في الرغبة في جمع تلك المقالات وإعادة نشرها في كتاب، بعضهم يراها جديرة بأن تجمع وتنشر تحت عنوان الزاوية نفسه، ومنهم من يرى منحها عنوانًا جديدًا لا يخفي أنها كانت مقالات خاضعة لظروف كتابتها وطبيعة الوسيلة التي كانت تنشر فيها، ومتطلبات قارئ المجلة أو الجريدة الذي لا يحتاج إلى المعلومات الدقيقة والمعالجة التفصيلية التي تكون عادة في المؤلفات والكتب المتخصصة، مع أن بعض الكُتّاب يرى أن نشر تلك المقالات هو توثيق لمرحلة معينة من حياة الكاتب وجهده، فإن من الكُتّاب من يرى أن هذه الكتابات حتى وإن أمكن جمعها أو جمع بعضها على سبيل الاختيار ونشرها لا يضيف جديدًا للكاتب، وهي مع تقدّم وسائل التقنية الحديثة موجودة في تلك المطبوعات وعلى المواقع الإلكترونية الخاصة بها بل إن كل كاتب بإمكانه أن يجمع نتاجه بما في ذلك مقالاته ويضعها في الموقع الإلكتروني الخاص به والذي يمكّن القرّاء من الوصول إليه دون الحاجة إلى نشرها في كتاب. غير أن بعض مقالات بعض الكُتّاب جديرة بأن تجمع في كتاب ينشر ويتداول، ومن هذا النوع يمكن النظر إلى كتاب (عصير الكتب) للأستاذ علاء الديب والذ يطبع مؤخرًا في دار الشروق والذي يمثّل شهادة كبرى على إبداعات حقبة ثرية ومثيرة عبر مختارات من المؤلفات تزيد عن مائة عمل في القصة والرواية والشعر والسياسة والموسيقى والاجتماع والتاريخ والأديان، وهذا الاستعراض لتلك الكتب وما يتضمن من نقد وإبراز لقيمة كل عمل جعل كتاب (عصير الكتب) يمثّل خلاصة مركّزة لتلك الكتب مع رأيه في الكتاب وقيمته وبعض المعلومات عن المؤلف ولا يخلو الأمر أحيانًا من اختيار مقاطع وشواهد من هذا الكتاب أو ذاك بطريقة تجعلك تعيش أجواء الكتاب وتتعرّف على أسلوب مؤلفه، على نحو ما نجد في مقالة بعنوان (على جناح الطير والأحلام) حيث يقول: (الإنسان والطائر) كتاب نادر في اللغة العربية، طريف وممتع، كاتبته عايدة الشريف، أديبة تكتب قليلاً وتفكّر كثيرًا، وفي مقدمة تفيض شاعرية وعذوبة، تقدّم لنا عايدة الشريف فكرة الكتاب وكيف سيطرت على حياتها حقائق الطيور وما مثّله للبشر من رموز وما حملته للإنسانية من أحلام. وهذه الكائنات المحلقة البعيدة، عمرها على هذا الكوكب مائتا مليون عام، وقد انحدرت عن الزواحف، ويقدر العلماء أن هناك أكثر من ثمانية آلاف نوع منها، وهذا الكتاب اقتراب من الطبيعة والحلم، فيه تشعر أن العالم عامر بالخير والأحلام، وأن حب الكائنات مفتاح لا يصدأ أبدًا.