قد يبدو عنوان هذا المقال منذ الوهلة الأولى أنه قد كُتب من قبيل التهكم. ولكن الحقيقة غير السارة لحملة الأوراق المالية من العرب والأجانب هي أن ما نسبته10 % من موجدات صكوكهم قد تلاشت. فقد اكتشف حملة صكوك شركة «نخيل» الأخيرة وعبر وسائل الإعلام الأجنبية أن هناك أراضي غير مستصلحة لإقامة مبانٍ عليها لكون مياه بحر الخليج العربي قد ابتلعتها وأصبحت تقبع في قاعه! فشركة «نخيل» لمن لم يسمع بها قد أبهرت العالم في مناسبتين: الأولى عندما شقّت البحار لتبني جزرها الاصطناعية على شكل نخلة والمرة الثانية عندما مدت الجارة الشقيقة (أبو ظبي) طوق النجاة لدبي لكي تنقذ صكوك نخيل قبل سنتين من براثين التعثر عن السداد. وتخطط نخيل لإتمام مشروع متكامل يتعلق ببناء ثلاث جزر اصطناعية (النخلة جميرا والنخلة جبل علي و النخلة ديرة). وما يهمنا هنا هو جزيرة النخلة «جبل علي» التي ارتكزت عليها عملية الإصدار (البالغة 1.3 مليار دولار). سنحاول في هذه الزاوية أن نقدم تحليلا لعملية الإصدار هذه من كافة جوانبها وذلك بغرض استنباط الدروس منها بعيدا عن حالة التضخيم الإعلامي التي صاحبت تلك الأنباء. نظرا لضخامة حجم الإصدار, لجأت نخيل لاقتطاع جزء من أصولها لترتكز عليه عملية الإصدار. ولتكون الصورة واضحة للجميع فإن الأرض الأولى يصل حجمها إلى 350 مليون قدم مكعب وهي مرتبطة بمشروع «ووتر فرونت». أما الأرض الثانية فتصل مساحتها إلى 1.3 مليار قدم مكعب وهي متعلقة بمشروع جزيرة النخلة «جبل علي». وكما تجري العاده في ثقافتنا الخليجية, تجاهلت شركة نخيل تلك التقارير الإعلامية في البداية ثم عادة للتأكيد بعد فتره وجيزة أن جزءا من هذه الأصول قد أصبح في قاع البحر. دعونا الآن ننظر إلى الحقائق المتوفرة لدينا: 1- بابتلاع البحر 10% من موجدات الصكوك يعني أن قيمة عملية الإصدار البالغة (3.8 مليار ريال سعودي) قد تم المبالغة في تقييمها. 2- سيكون في متناول حملة الصكوك موارد لا تكفي من الأصول الملموسة في حالة التعثر. 3- الأرجح لي أن هذه السندات هي صكوك «الإجارة». بمعنى أن حملة الصكوك يستمدون دفعاتهم الدورية من الأرباح عبر دفعات الإيجار التي يتم دفعها من جراء عمليات التأجير. فمع اختفاء 10% من هذه الأصول فإن كل مستثمر سيتساءل عن مدى تأثير ذلك على التدفقات النقدية القادمة من هذه الأصول. والأغلب أنها ستتأثر من جراء ذلك. ولكن بحسب هياكل الصكوك التي سبق الاطلاع عليها فإنه في الغالب يتم تفعيل «حساب احتياطي» في هيكلتها بحيث يتم النفاذ إلى ذلك الاحتياطي في حالة حدوث عجز في السداد. وعليه فقد يتم تلافي هذه المعضلة. 4- بحسب مسئولي الشركة فقد تم تقييم موجدات صكوك نخيل عبر شركات رائدة وتم قبولها من المقرضين. فهذا التصريح الرسمي يذكرني بتلك الكتابات القانونية التي يتم كتابتها بخط صغير من قبل شركات التأمين عندما يقوم العميل بشراء أحد منتجاتها. ليكتشف لاحقا أن بوليصة التأمين مثلا لا تغطي بعض الحوادث. أنا هنا لا ألقي اللوم على شركة نخيل أو الشركات الأجنبية التي ساهموا جميعا في عدم توضيح مصير تلك الأراضي في مذكرة الاكتتاب فقد, بل حتى أُلقي باللائمة على حملة الصكوك. وهنا أستذكر مانقلته صحيفة «الاقتصادية» عن الفقيه العالمي نظام يعقوبي إبان أزمة تعثر الصكوك التي حدثت قبل سنتين. فقد وصف حملة الصكوك ب»الجهلة» جراء عدم درايتهم بالأمور القانونية و المذكورة في ثنايا مذكرة الاكتتاب قبل شراء الصك في المقام الأول. وجاءت تصريحات يعقوبي عندما اكتشف بعض حملة الصكوك وبشكل متأخر أنهم لا يملكون الحق «القانوني» في السيطرة على أصول الصك عند تعثر جهة الإصدار, مع العلم أن إرشادات فقه المعاملات تشجعهم على امتلاك هذه الأصول. الرؤية القانونية ياترى ماذا ستكون الرؤية القانونية لهذه الصكوك التي ابتلع بعضها قاع البحر, ولاسيما أن هذه الحادثة تعد فريدة من نوعها وذلك لحدوثها لأول مرة في تاريخ صناعة المال الإسلامية. فالذي بين أيدينا هنا يدور حول اكتشاف حملة صكوك نخيل «الجديدة» أن ما نسبته 10 % من موجدات صكوكهم أصبحت غير مستصلحة لإقامة مبانٍ عليها لكون مياه بحر الخليج العربي قد ابتلعتها وأصبحت تقبع في قاعه. دعونا نوضح في البداية بعض الأمور التي يستذكرها مدراء الصناديق السندات في مثل هذه الحالات الحرجة: 1- حتى لو افترضنا حدوث أسوء سيناريو وهو التعثر فإن السوابق التاريخية تفيد بأن إمارة أبوظبي لن تسمح لشركات إمارة دبي بالتعثر عن السداد. والدلائل السابقة وبالتحديد قبل سنتين تفيد بوجود دعم سيادي متوفر في حالة دعت الحاجة إليه. 2- سيضطر بعض حملة الصكوك, ممن يتملكهم الشك والريبة حول عدم السداد, بالبيع بثمن منخفض وذلك لحاجتهم للسيولة وعدم استطاعتهم الانتظار 5 سنوات عندما يحين موعد إطفاء هذه الصكوك. ومع هذا فمعظم مدراء الصناديق سينتهج على الأغلب سياسة الاحتفاظ بالصك لمدة خمسة سنوات, واضعا في اعتباره الدفعات الدورية المنتظمة القادمة من قبل هذه الأصول, فضلا عن استرجاع رأس المال بالكامل عندما يحين موعد السداد. لاحظ هنا أن سعر هذه الصكوك سينخفض بشكل كبير في أسواق ال OTC ومع هذا فمن المرجح لهم أن يستردوا رأس مالهم مع الأرباح. فيما يتعلق بالنظرة القانونية فإنه بحسب علمي فإن الأجانب لا يملكون الحق في تملك الأراضي الحكومية. وعليه فلو افترضنا وجود حالة تعثر فإنه لن يهم حينها طبيعة هذه الأصول (تحت البحر أو على اليابسة) لأن الأجانب لا يملكون الحق القانوني في النفاذ لهذه الأصول وتسييلها. ولكنهم قد يتمكنون من استخراج أمر قضائي للسيطرة على أصول نخيل التي تقع خارج دول الخليج. النقطة الثانية القانونية هي أن هذه السندات هي من نوع صكوك «منافع» على شكل «إيجاره». بمعنى أن حملة الصكوك يملكون الحق القانوني في الحصول على «منافع» عمليات الإيجار فقط وليس الأرض نفسها. ومع هذا فهناك «خطورة ائتمانية» يجب وضعها في عين الاعتبار. عندما تقول جهة الإصدار أن لديها صكوك «منافع» فإن المستثمرين يتوقعون أن يتم بناء مرافق سكنية وفنادق من أجل تحصيل دفعات الإيجار وجعل حملة الصكوك ينتفعون من هذه «المنافع». ولكن يبدو لي أن شركة نخيل لا تنوي بناء هذه المرفقات السكنية في القريب العاجل. فبحسب الصياغة القانونية التي ذكرت في نشرة الإصدار فإن شركة نخيل قد قامت «بتأجيل أية جهود استصلاحية لهذه الأراضي في القريب العاجل». فشركة نخيل قد أتمت بناء إحدى الجزر الاصطناعية الثلاث بشكل كامل وقامت بتأجيل مشاريع بناء الجزيرتين الأخريين بعد أن انهارت أسواق العقار في 2008. أما مشروع «جزر العالم» فإن معظم هذه الجزر لم يتم تطويرها بشكل كامل. بقي أن نشير إلى أن حملة الصكوك لم يكن لديهم أي خيار سوى بالقبول بالاشتراك في هذا الإصدار الجديد من قبل شركة نخيل والذي يأتي ضمن اتفاقية إعادة الهيكلة التي أبرمتها معهم والتي تقضي بسداد 40% من قيمة الصكوك «القديمة» بشكل نقدي و 60% عبر اشتراكهم في عملية إصدار السندات الإسلامية الجديدة. * متخصص في هيكلة الصكوك وخبير مالية إسلامية لمجموعة «ادكوم آكادمي» المصرفية في الولاياتالمتحدةالأمريكية.