في الواقع أن السرقات الشعرية ليست شيئا جديدا فكثيرا ما نقرأ أو نسمع عن سرقة بعض أبيات لأحد الشعراء بحيث ينسبها السارق لنفسه بعد أن تروق له فيدمجها في قصيدته أو ينتقي منها بعض الأبيات ويحرف في بعض كلماتها بمفردات مشابهة في محاولة للالتفاف على النص بطريقة قد توحي بأنه نص مشابه أو أن ذلك نتيجة توارد خواطر ظنا منه بأنه من الممكن التحايل على النص بهذه الطريقة وبذلك قد يسلم من الاتهام بالسرقة وهذا ليس بغريب ويحدث كثيرا، هذا إذا كان الشخص حذرا ويخشى ردّة الفعل في حال انكشاف ذلك أما إذا كان غير مبالٍ بالنتيجة فقد يغامر ويأخذ القصيدة بحذافيرها وينسبها لنفسه، يقول الشاعر (سويلم العلي السهلي) في هذا الشأن مخاطبا أحد أولئك اللصوص والذي حاول أن يسطوا على إحدى قصائده: يا طامع مالك بقولي علاقة قولي عليه الوسم عرقات وحلاق لا تسلب المعنى وتسرق سراقة يقال لك عند اهل العرف بواق اسمع وطعني لا يجي بك حماقه أدعيك عرضة في لسن كل هماق واحمّلك من فوق حملك وساقة وادعيك شارة في لسن كل تفاق بدع المثل ماهوب عندي شفاقة امثال اعدلها على اشكال وارناق والبيت منها لا وخذ تقل ناقة ولا نيب اخلي ناقتي عند الاسراق ويبدو أن الشاعر سويلم العلي لم يكن الأول ولن يكون الأخير في مثل هذا الموقف فهذا الشاعر علي العبدالرحمن الماجد الشهير ( بأبو ماجد) والذي يبدو أنه قد شرب من نفس الكأس ولم يسلم من هذا النهج حيث مر بمثل تلك الظروف فقد كان احتجاجه صريحا وعنيفا في هذا الجانب حيث شن هجوما على من حاول أن يتلاعب بقصائده أو أن يعبث بأشعار غيره وذلك من خلال الألفية التي نظمها في هذا الشأن حينما عرف أن هناك من حاول التلاعب بقصائده وكذلك قصائد غيره فقال من خلال تلك الألفيّة: الجيم جان العلم واخلف مزاجي وعقدت من كبر المصيبة حجاجي وقدّمت للي يفهمون احتجاجي ما يمكن ان البيض تسرح مع السود ثم يقول بعد ذلك بأنه لا يمكن أن يقبل بأن يتنازل عن شطر واحد من أبياته بأي حال من الأحوال يقول: الحا حلال وحرموا يا طحاطيح كان انكم عند المفاهم نواطيح مازلت ما احلل ولا اسمح ولا ابيح يوخذ من الليمة وطلعه ولا عود العود من روحي ويرجع لروحي لولا غلاها كان ما اتعبت روحي وعالجت من ريحان روحي جروحي واسقيتها من دمع عيني ونا انود ثم يؤكد أن ضميره هو ما دعاه لتلك الثورة والغضب وعدم الرضا محذرا بأنه لن يسمح ولن يغفر لمن تسوّل له نفسه القيام بمثل ذلك حيث يقول: الضا ضماير لا حسد لا بغاضي مايسمح التاريخ لي بالتغاضي ولا نيب عن هالوضع بالفن راضي وش ماقفى مابين ناشد ومنشود ولم ينسَ أن يذكر أنه بذلك يدافع عن حقوقه وحقوق أمثاله من الشعراء ممن غابو عن هذه الدنيا وأن موقفه نابع من حرصه على حفظ الحقوق لأصحابها حيث جعل من نفسه محاميًا عن هذا الفن وأهله حيث يقول: العين عنّ وعن محيطي دفاعي اطلق ذراع الميت واربط ذراعي لو نمت قلبي للخيانات واعي اطا القدم واسقي الندم كل مقرود مقرود ما اخليه يلعب بها الريع حقي وحق الميت ماهوب للبيع اكلت حرجه يا وسيع البواليع عساه من حظك صخلة ابو داوود ثم يسترسل قائلا إن الخطأ كبير وإن المطالبة بالحقوق واجب شرعي للغائب والحاضر معًا وفي ذلك يقول: الواو واكبر الخطا والبلاوي يا ويلكم يا أهل الغرض والشهاوي حيلوا عن التاريخ جاكم فداوي يبيع بأول سوم والحق مريود مريود ابي حقي وانا دون شرواي اللي مغيب وقصته مثل بلواي ان ما حفظت حقوق ربعي بدعواي فاهل الحقوق حلوقهم مابها عود وبعد ذلك يعود قائلا ومؤكدا أنه لم يتحدث من فراغ وأن وجود السرقة ثابت وبدرجة غير مقبولة، فكما أن البيت لدى (سويلم العلي) يساوي ناقة فالقصيدة أو الأبيات لدى أبو ماجد تساوي ذودا بأكمله حينما قال: الذود جاه مسارقي وقشه فكك معاقيله وساقه وخشه يحسبنا نصبر على هالمغشة مايدري ان العمر يرخص بمفرود ولكنه يستدرك قائلا إنه عثر على بعض ما فقد ولكنه ما زال يشعر بالأسى والأسف لما حصل وإنه لم يكن راغبًا في إثارة ذلك الموضوع يقول في هذا الجانب: القاف قصينا العلايق بالاوراق والفكر راق بحال وبحال ما راق مانيب للحادث ومافيه عشاق آسف ومستاسف وناقد ومنقود منقود صندوق به الطاق مطبوق حصلت بعض اللي غدر منه بالسوق يا ناس فكونا من السرق والبوق ولا ترانا نوشي العود بالعود إلى آخر الألفية التي كانت قاسية وموجعة بحق من حاول أن يتلاعب بقصائده وبقصائد بعض الشعراء أمثاله. وفي هذا السياق سوف أعرج على إحدى السرقات التي سبق أن استمعت إليها من خلال أحد البرامج الشعبية الذي كان يقدم من خلال الإذاعة حيث استضاف أحد الشعراء وقد روى ذلك الشاعر أن ابنه قد أرسل إليه قصيدة وقد ذكر أن لها مناسبة ومن ثم قام بسرد تلك القصيدة وقد تفاجأت وأنا استمع إليها بأنها إحدى القصائد القديمة للشاعر حمد العبدالرحمن المغيولي - رحمه الله - وهي من أوائل قصائده حيث قالها في أوائل السبعينات الهجرية ويبدو أن ضيف البرنامج لا يعلم عن صاحب القصيدة الأصلي ولا يلام على ذلك فناقل الكفر ليس بكافر فقد سردها كاملة دون زيادة أو نقصان حيث اقتلعها من جذورها والقصيدة مطلعها: قال الذي وسمه على الكبد عرقات وسمه جديد والحقوا به عراقي يابوي انا شبيت والنفس مغرات والنفس تطلب عاليات المراقي ما عقب عشرين السنة صبر وسكات در النظر يمّي ترى القلب شاقي إلى آخر القصيدة وقد ذكر الضيف أنه قد أجاب ابنه بقصيدة مماثلة يقول منها: وصلن جوابك بالهنا والمسرات وعرفت مضمونه على الشي باقي تسهيل من نزل على الهادي آيات وتوفيق رب لأمر الاخطار واقي إلى آخر القصيدة التي تتوافق معها وزنًا وقافية، عمومًا سيظل هذا الإشكال باقيا ولن ينتهي ما دام هناك من يجرؤ على مثل ذلك التصرف وخصوصًا السطو على بعض قصائد من غابوا عن هذه الدنيا ممن لم يطبع لهم دواوين تحفظ أشعارهم وتصون حقوقهم الفكرية ولله في خلقه شؤون.