هل تتشابه أقدارنا في الكتابة؟ هكذا تساءلت وأنا أقرأ عن دروب الكتابة لدى الكتاب، منهم من كان غافلا عنها لكنها اقتنصته وعلمته كيف يجعلها معراجه نحو الحقيقة، لأن الكتابة قدر قد يأتينا وقد نذهب إليه طائعين، ليس لها شروط معينة ولا مواصفات محددة، عليك أن تجد مفتاحها وتديره في قفل الحكايا لتصنع قوتك وتبني منطقة نفوذك، فالكتابة قوة حتى لو تخلقت في داخل الكاتب من لحظة ضعف أو انكسار! المهم أن يعرف الكاتب كيف يبني من هذه اللحظات ما يستحق أن يُقرأ، حنا مينا لم يكتب إلا بعد الأربعين، ومحمد شكري لم يتعلم القراءة ولا الكتابة إلا بعد العشرين، ومع ذلك أبدعوا واشتهرت أعمالهم. ذلك لأن الكتابة كانت المفتاح الذي أحسنوا إدارته في القفل!، هي منطقتهم التي فرضوا فيها نفوذهم وضعوا شروطهم، هي الشيء الوحيد الذي لا يمكن حجبه عنهم أو معاقبتهم من خلاله، وهي بهذا المفهوم تناسب تلك الدائرة التي عزلت فيها المرأة، والنساء خير من يدير المفاتيح في الأقفال لأن ذلك العمل يستلزم صبرا والمرأة تهجت الصبر قبل أن تتهجى أي مفردة أخرى، تعايشت مع الصبر حتى في أطوار نموها الجسدي، والصبر لا يمكن أن تقطعه دون أن تتأمل، وإذا تأملت امتلكت الحكمة الكافية كي تكتب! بدأت أجاثا كريستي غزل حكاياها الشيقة بمفتاح الصبر، لأنها اضطرت للمكوث في فراش المرض زمنا لم تستطع قطعه إلا بالتمرين على سرد الحكايا، وبمفتاح التأمل كتبت فرجيينا وولف تأملاتها في الكتابة، تقول في رسالة لإحدى صديقاتها (« هل تتخيلين في أي بيئةٍ نشأتُ ؟ لا مدرسة أقصدُ إليها؛ أقضي يومي مستغرقةً في التأمل وسط تلالٍ من كتب أبي؛ لا فرصة على الإطلاق لالتقاط ما يحدث خلف أسوار المدارس: اللعب بالكرة، المشاحنات الصغيرة، تبادل الشتائم، التحدث بالسوقية، الأنشطة المدرسية، وأيضًا الشعور بالغيرة). لذلك فالكتابة هي المكان الوحيد الذي يتسع إذا أردت، ويتشكل كما تحب، الكتابة هي المكان الذي يتبجح فيه الكاتب ذكرا كان أم أنثى كما يشتهي، ويحفظ تعرجاته عن ظهر قلب، لذلك عندما كتب فوكنر روايته (الصخب والعنف) كتبها بأصوات عدة، نفس الحكاية زرعها في أكثر من رؤية، ليخرج للعالم رواية لا يمكن قراءتها بعين واحدة! بل بأكثر من عين، وهو بذلك يمارس حرية الكاتب في أن يخلق عوالمه كما يحب. الكتابة في نظري قطعة أرض صالحة دائما للزراعة، أرمي البذور فيها، موقنة أن أحدا لن يدخلها ولن يعبث بثمارها إن أينعت، وإن أردت أحرقتها واعتبرتها منطقة موبوءة، همنقواي كان يرى في الكتابة أيضا منطقة نفوذ، ربما لذلك أنهى حياته بطلقة نارية لأنه شعر أن هذه الأرض ينبغي حرقها والتخلص من زارع بذورها، وكذلك فعل خليل حاوي عندما أنهى حياته لنفس السبب. الكتابة أيضاً قد تكون حفلة.. لكنك لن تكون المغني والجمهور في آن واحد! يجب أن تختار دورا واحدا فقط، إما أن تكون المغني الذي لن يأبه بمزاج جمهوره، أو تكون الجمهور الذي سيحذف المغني بالطوب لو لم يعجبه ما يعرض. بالنسبة لي أختار أن أكون الجمهور المحتشد والثائر، لأن الكاتب يليق به أن يتفرج أكثر ويغضب ويثور وربما يصفق ويطرب أكثر بكثير من دور المغني لكنك ستكون في ورطة حقيقة إن كنت مجبراً على القيام بالدورين.