تسبب عام وجه فيه إرهابيون ضربة موجعة إلى إحساس أمريكا بالامن في وضع نهاية لعشر سنوات من الازدهار غير المسبوق شهدها أكبر اقتصاد في العالم. وتدخل الولاياتالمتحدة بقدر أكبر من الكآبة موسم الاحتفالات بنهاية العام واقتصادها يعاني من الركود وتواجه زيادة في معدلات البطالة وسنوات قادمة من عجز الموازنة، وذلك في الوقت الذي أصبح فيه ازدهار الهاي تيك أو التكنولوجيا الفائقة مجرد ذكرى باهتة. أما الانكماش الاقتصادي الذي بدأ قبل عام تقريبا، فقد تفاقم بصورة حادة مع وقوع هجمات الحادي عشر من أيلول /سبتمبر/ التي تسببت في تسريح آلاف من العمال في قطاعات مثل الطيران والسياحة فضلا عن انهيار ثقة المستهلك وضعفها على الصعيد التجاري. وقبل أسبوع واحد من حلول الاحتفالات بمناسبة أعياد الميلاد (الكريسماس) جلبت الانباء أخبارا سيئة عندما أظهرت بيانات معدلة أن الاقتصاد الامريكي انكمش بأسرع معدل لم يحدث من قبل منذ عشر سنوات، وذلك حيث بلغت نسبته تراجعه 3.1 في المائة في الربع الثالث من العام الحالي. ورغم هذه البيانات القاتمة. فإن معظم خبراء الاقتصاد يعربون عن الامل في أن المحرك الاقتصادي العالمي سيتعافى بحلول منتصف العام المقبل حيث يقول البعض ان الاقتصاد الامريكي بدأ بالفعل يشهد تحسنا ملحوظا. وقد تجاوزت بورصة وول ستريت وعينيها على أي تطورات مستقبلية مرحلة الركود إلى حد كبير، حيث استردت الاسهم منذ مدة طويلة مستويات قيمتها ما قبل هجمات سبتمبر في الوقت الذي يراهن فيه السماسرة على حدوث انتعاش متوقع في منتصف 2002 كما يأمل خبراء الاقتصاد. وكانت سلسلة من خفض أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة والتي أجريت خلال العام الحالي، مما تسبب في خفض السعر المستهدف إلى أقل من 75.1 في المائة بصورة لم تحدث منذ 40 عاما،قد ساهمت في تحرير سقف الائتمانات والاعتمادات سواء بالنسبة للمستهلكين أو الشركات. وثمة عوامل إيجابية أخرى تمثلت في انخفاض أسعار الطاقة والاستقطاعات الضريبية مما ساعد المستهلكين والقروض بدون فوائد على دفع مبيعات السيارات وتعزيز ثقة المستهلك بينما تراجع مخزون البضائع الاستهلاكية وهي عوامل تشير إلى أن المصانع ستزيد قريبا من إنتاجها. غير أن كثيرا من الاقتصاديين يدعون إلى توخي الحذر وحذر صندوق النقد الدولي الذي يتوقع أن ينمو الاقتصاد الامريكي بنسبة 7.0% في المائة خلال العام المقبل قائلا ان احتمالات المستقبل لا تزال محل شك كبير وهناك إمكانية كبيرة بأن النتيجة ستكون سيئة. وقال صندوق النقد الدولي. في معرض الاشارة إلى وقوع كافة الاقتصاديات الكبرى في حالة ركود. إن النمو الاقتصادي العالمي سيصل إلى 4.2 في المائة خلال العام الحالي والعام القادم، وهي نسبة أكد غالبية خبراء الاقتصاد أنها تشير إلى ركود عالمي. وحتى استعادة وول ستريت لبعض من قوته لا يعني إلا القليل للغاية بالنسبة لنحو7.5 في المائة من قوة العمل الامريكية، وهي نسبة أصبحت الان بدون عمل وبالنسبة لملايين آخرين يخشون من فقدان وظائفهم في الوقت الذي تعمد فيه الشركات إلى تقليص حجم العمالة لديها تحت وطأة الازمة الاقتصادية الخانقة. وياله من عام مختلف تماما عما سبقه عندما كان الرئيس جورج دبليو بوش يخوض حملته الانتخابية ضد منافسه الديمقراطي آل جور في صيف العام الماضي. أطلق الرجلان وعودا وردية تتعلق بالانفاق استنادا على فائض ضخم في الميزانية الامريكية لم يكن له مثيل إلا في ظل حكم الرئيس السابق بيل كلينتون الذي سجل فيه الفائض رقما قياسيا بلغ 237 مليار دولار في عام 2000. لكن يبدو بالفعل أن الايام الخوالي بدأت تطوي صفحاتها، فبعد أربع سنوات من ارتفاع نسبة نمو الاقتصاد الامريكي إلى أربعة في المائة أو أكثر، بدأ نفس هذا الاقتصاد يتراجع في أواخر عام 2000 عندما سقط التصنيع في مستنقع الركود وبدأ الانكماش في حجم المشروعات العملاقة. ولدى توليه السلطة في كانون ثان /يناير/، حذر بوش مما وصفه بالهبوط الصعب القادم بينما كان ينأى بنفسه عن الانكماش الاقتصادي ويحشد التأييد والدعم لخطة الاستقطاعات الضريبية بإجمالي 3.1 تريليون دولاروالتي اقترح تنفيذها على مدار عشر سنوات. وكان بوش قد صرح في شباط /فبراير/ الماضي قائلا هناك ضوء تحذيري يومض فوق لوحة قياس اقتصادنا وهو ما دفع معارضيه إلى اتهامه بأنه كان يشيع جوا من الخوف في نفوس المستهلكين وخلق نبوءة ذات آثار سلبية. وأظهرت إحصائيات مستقلة نشرت في تشرين ثان /نوفمبر/ الماضي أن شهر آذار /مارس/ شهد سقوط الاقتصاد الامريكي في حالة ركود، حيث تراجع نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة أكبر بداية من تموز /يوليو/ حتى أيلول /سبتمبر/ وثارت توقعات على نطاق واسع بأن هذا التراجع سيتفاقم مرة أخرى بنسبة حوالي5.1 في المائة خلال الشهور الثلاثة الاخيرة من العام. وعندما قتل إرهابيون ثلاثة آلاف شخص بعد الاصطدام عمدا بطائرات مدنية مخطوفة في مركز التجارة العالمي بقلب نيويورك الذي كان يمثل رمزا للرأسمالية العالمية فإنهم وجهوا أيضا ضربة مدمرة أخرى إلى الاقتصاد العليل. وكانت بورصة وول ستريت قد أغلقت أبوابها عقب الهجوم لمدة أسبوع وتوقفت حركة الطيران تماما لأيام وفضل المستهلكون الذين روعتهم الصدمة التزام منازلهم بعيدا عن مراكز التسوق الكبرى. كما أدى قيام السلطات بتوفير معونات إغاثة طارئة للمتضررين في نيويورك وتعزيز إجراءات الامن في جميع أنحاء الولايات والحملة العسكرية في أفغانستان إلى السحب من الاحتياطي الفدرالي المستنفد. فقد انخفض فائض الميزانية للعام المالي 2001 الذي انتهى في 30 أيلول /سبتمبر/ الماضي إلى نحو 127 مليار دولار أي نصف ما كان عليه إبان فترة رئاسة كلينتون واعترف البيت الابيض بأن الميزانية الامريكية ستشهد على الارجح عجزاً خلال السنوات الثلاث المقبلة على الاقل. يذكر أن أكثر من مليون شخص خسروا وظائفهم منذ أحداث 11 أيلول /سبتمبر/، لكن إذا ما تطلعوا إلى حكومة واشنطن من أجل مساعدتهم. فإنهم لن يحصلوا عليها.. فالمشرعون الذين شرعوا رسميا اعتبارا من /الجمعة/ في الاستمتاع بإجازة لمدة شهر فشلوا في الاتفاق على إجراء يمثل حافزا حاسما كان يعني الموافقة عليه ضخ مائة مليار دولار في الاقتصاد العليل. لكن الاتفاق على هذا الاجراء وصل إلى طريق مسدود في ظل نزاع حزبي مرير، تحول إلى مباراة في إلقاء اللوم بين الساسة الذين يخشون انحسار أصوات الناخبين الحتمية بالنسبة لهم في انتخابات الكونجرس المقررة العام المقبل. وحتى بوش الذي لا يزال يحظى بشعبية كبيرة كرئيس زمن الحرب، يتوقع أيضا مشكلات قادمة: فهو يعلم من خبرته العائلية أن الناخبين يحملون بشكل تقليدي مسئولية الاقتصاد الضعيف على عاتق البيت الابيض وحزب السلطة. يذكر أن جورج بوش الاب الذي حظي بتأييد شعبي واسع عقب حرب الخليج الثانية خاض سباق انتخابات الرئاسة الامريكية لعام 1992 أملا في إعادة انتخابه لكنه خسر وهزم جزئيا بسبب شعار بسيط رفعه كلينتون في حملته الانتخابية آنذاك وكان هذا الشعار يقول إنه الاقتصاد غبي.