تتصرّم الأيامُ من رمضان ويسوقها قدرٌ من الرحمن صفحاتها تُطوى فمنّا موبق أو معتِق للنفس بالإحسان(1) والكل مبتهج بعيد صيامه ومؤمل في الفوز بالغفران وإذا القلوب تصافحت في عيدها عقدت أواصر حُبها بلسان تتصافح الأيدي فيعبق مِسكها نشراً يزيل روائح الهجران عيد بماذا عدت لي ولأمتي لتكون حقاً سيد الأزمان هذ عُدت لي بالذكريات وأدتها تحت الثّرى بمراتع الصبيان لأرى بها طهراً نقياً شابه فرحٌ لكل دقائق وثواني وقرأتَ لي صفحات نصر باهر قد حققته كتائب الشجعان من أمّة تغدو براية حربها بيضاء ثم تروح كالنيران نشرت به الإسلام من أم القرى نوراً يضيء سناه في الأوطان حملته طوعاً فوق سرج خيولها بأمانة وعدالة وأمان فسقت بماء حياته الأمم التي لبّت نداء الخير والإيمان يا عيد لن أنسى مفاخر أمتي فسطورها تترى على الأزهان قد سطرتها أمتي بدمائها في هامة الدنيا بكل بيان يا عيد لم تحفل بماضي أمتي وقبرته في عالم النّسيان وزعمت أن الفخر بالماضي انتهى مع حربهم بمهنّد وسنان ووضعت كفيّ فوق شر هزيمة وأعدت لي صوراً من الأحزان ونكأت جرحاً غائراً في مهجتي فالحرب سامتني بكل هوان يا عيد عدت وما عدهتك مُثقلا بالظلم والطغيان والعدوان يا عيد هل مرت عليك هزيمة للمسلمين كتلك في الإثخان(2) خاضوا المعارك عزلاً ولضعفهم فرّت فلولهم من الميدان يتتابعون إلى المنية كلما ساقتهم الأعداء كالقطعان كم من يتيم طال ليل عنائه حافٍ يسير ممزق الأردان هدموا عليه البيت في غسق الدجى ونفوه منه لشاطئ الحرمان في كل شبرٍ حلّ فيه مسلم في القدس والصومال والشيشان في الشرق أو في الغرب ضاع نداؤه وعلى حدود الهند والبلقان كم لاجئ يرنو لِلُقمة عيشه من مسلم أو طامع نصراني يقضي سحابة يومه في خيمة منسوجة من أردأ الكتّان(3) يرمي الحجارة من يد معصوبة ليصدّ قصف الأرض والطيران الجهل والأمراض تنهك جسمه والجوع يثنيه عن الأقران جرح اليهود فؤاده وتطاولوا بالخنجر المسموم في الأبدان لم يجرحوه شجاعة لكنهم بالغدر قد عرفوا وبالأضغان قد عذبوه فأطعموه حنظلاً وسقوه سُماً من فم الثعبان والموت يحصده بمنجله الذي حملته أيدي البطش والعدوان دفنوه بالمجراف بين رفاقه شحّوا عليه بأرخص الأكفان كم من جريح مثخن بجراحه في داخل الأسوار والقضبان سئم الحياة من العذاب يناله فمماته وحياته سيان كم في خيام اللاجئين لأمتي من بائس ومعذب جوعان آمالهم تُغتال بين خيامهم وقلوبهم حرقى من الهجران وإذا العواصف بالثلوج تتابعت عصفت بهم في لجة الأشجان يا عيد ماذا في قوافلك التي مرّت تسابق أسرع الركبان أحملت لي هماً ينوء بكاهلي أم عدت للإقناع والسلوان القدس تبكي تحت وطأة غاشم وصدى البكاد بملاجئ الأفغان ورحى الحروب تدور في كش مير والبلقان والسودان والشيشان وثفالها من كل شيخ طاعن ومن النساء وسائر الولدان(4) يا أمة «البليون» هل من خالد يحيي الجهاد على هدى الفرقان ويعيد للإسلام هيبته التي هزّت عروش الفرس في الإيوان(5) ويفك قيد الذلّ من أيديكم لتحطّموا رجساً من الأوثان ولتنحروا كبش العداء ضحية فدماؤه من أفضل القربان هل من حصيف الرأي يقدم ركبكم بمعالم من بيعة الرضوان «الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أوّل وهي المحل الثاني» يا أمتي طال المنام بموطن لم يبق فيه مكانة لجبان نفدت دموع المخلصين لدينهم فبكوا دماً من مهجة الأجنان(6) وتحطّمت سفن الرجاء لديهم في مجلس للأمن أو إخوان يبكون حظاً عاثراً في عيدهم «قاصيهم في مأتم والداني» يا عيد طال السير في غسق الدجى فمتى ينير طريقنا القمران وتمدّ كفاً لم تُخضّبها الدما مملوءة بالورد والريحان ويغادر الجند الحنادق والوغى للعيد بين الأهل والجيران ويعود كل مُشرّد لدياره حُراً بلا قيد ولا أرسان ونسير في درب الحياة بعزّة ورؤسنا تزدان بالتيجان نستقبل العيد السعيد ببهجة ويغرّد القمريّ بالألحان يارب منك النّصر أنت ملاذنا فامدد بنصرك خمسة الأركان (1) موبق النفس: مُهلكها، والموبقات: المهلكات. (2) الإثخان: الضعف والوهن. (3) نبات تنسج أليافه لأغراض متعددة. (4) الثفال: الحجر الأسفل من الرحى. (5) الإيوان : قصر ملوك الفرس بمدائن كسرى يُعد من عجائب الدنيا، أعجب البحتري فقال سينبته المشهورة. (6) الأجنان: جمع جنان وهو القلب. * الأستاذ المشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.