رحيل محمد بن فهد.. إنسان ورجل دولة باقٍ بذاكرة الزمن    محافظ حفر الباطن يدشن مؤتمر حفر الباطن الدولي الصحة الريفية    المملكة المتحدة: سعي ترمب لفرض رسوم جمركية يهدد ب "تأثير ضار للغاية" على الاقتصاد العالمي    رئيس اتحاد التايكوندو: تطوير التحكيم أولوية لتعزيز مكانة اللعبة محليًا ودوليًا"    رونالدو يشعل ليلة القتال في "موسم الرياض"    وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية الدنمارك    اختتام بطولة الشطرنج بالظهران وسط حضور ومشاركة من مختلف الدول    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء لجنة السلامة المرورية بالمنطقة    أمير جازان رعى حفل انطلاق الفعاليات المصاحبة للمعرض الدولي للبن السعودي 2025م    البدء في تنفيذ مشاريع المجموعة الثانية من برنامج تطوير محاور الطرق الدائرية والرئيسة في الرياض    زيلينسكي يفتح طريق التفاوض مع روسيا    البريطاني "بيدكوك" يتوّج بلقب طواف العلا 2025    أمير تبوك يواسي أسرتي الطويان والصالح    تجمع جازان الصحي يتميز في مبادرة المواساة ويحقق جائزة وزير الصحة في الرعاية الصحية الحديثة    الرئيس السوري يصل إلى الرياض في أول وجهة خارجية له    13.9 مليار ريال ضمان تمويلٍ من برنامج "كفالة" لدعم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة    مختص : متلازمة الرجل اللطيف عندما تصبح اللطافة عبئًا    ضبط 3 أشخاص لقطعهم مُسيجات ودخولهم محمية دون ترخيص    "يلو 20".. ثالث جولات الدور الثاني تنطلق الاثنين    بعد إنجازه في دكار... يزيد الراجحي يكتب التاريخ بفوزه الثامن في حائل    الانحراف المفاجئ يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في الرياض    مدير تعليم الطائف يتابع تطبيق الزي الوطني السعودي في المدارس الثانوية    أحمد الشرع يصل السعودية.. اليوم    المياه الوطنية تضخ المياه المحلاة إلى حي المروج في محافظة القريات    7 مستشفيات سعودية ضمن قائمة "براند فاينانس"    "السعودية للكهرباء" تُسوِّي جميع التزاماتها التاريخية للدولة بقيمة 5.687 مليار ريال وتحوِّلها إلى أداة مضاربة تعزِّز هيكلها الرأسمالي    لماذا تُعد الزيارات الدورية للطبيب خلال الحمل ضرورية لصحة الأم والجنين؟    استشهاد 5 فلسطينيين وتدمير أكثر من 100 منزل في جنين    رياح نشطة وأمطار متفرقة على بعض المناطق    إيماموف يحسم مواجهته مع أديسانيا بالضربة القاضية    إعلان المرشحين لجائزة الجمهور لأفضل محتوى رقمي    الزي المدرسي.. ربط الأجيال بالأصالة    الأحساء صديقة للطفولة يدعم جمعية درر    موكب الشمس والصمود    «بينالي الفنون».. سلسلة غنية تبرز العطاء الفني للحضارة الإسلامية    مهرجان فنون العلا يحتفي بالإرث الغني للخط العربي    إنفاذًا لتوجيه سمو ولي العهد.. إلزام طلاب المدارس الثانوية بالزي الوطني    ملاجئ آمنة للرجال ضحايا العنف المنزلي    الأسرة في القرآن    ذكور وإناث مكة الأكثر طلبا لزيارة الأبناء    ثغرة تعيد صور WhatsApp المحذوفة    وفاة صاحبة السمو الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته في العالم.. تكثيف الإغاثة السعودية للأشقاء الفلسطينيين والسوريين    خيط تنظيف الأسنان يحمي القلب    أمير حائل ونائبه يعزّيان أسرة الشعيفان بوفاة والدهم    أسرتا العلواني والمبارك تتلقيان التعازي في فقيدتهما    نصيحة مجانية للفاسدين    تفسير الأحلام والمبشرات    رحيل عالمة مختصة بالمخطوطات العربية    غالب كتبي والأهلي    عندما تتحول مقاعد الأفراح إلى «ساحة معركة» !    ضوء السينما براق    حزين من الشتا    رحل أمير الخير والأخلاق    ندوة عن تجربة المستضافين    خيرية هيلة العبودي تدعم برنامج حلقات القرآن بالشيحية    ممثل رئيس الإمارات يقدم واجب العزاء في وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز    أمير الرياض يعزّي في وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل سعود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفحات ادبية في التغني بعيد الفطر : أكمل السعادات وأجمل البركات
نشر في الحياة يوم 15 - 11 - 2004

عيد الفطر هو أول العيدين عند المسلمين، وهو مركب من كلمتين، وينطوي على معنيين أحدهما اصطلاحي، وهو العيد المشهور في غرة شوال، وأما المعنى اللغوي، فلكل كلمة معناها الخاص بها، وقد أدرج ابن منظور الإفريقي الكلمتين في لسان العرب، فقال - عن كلمة العيد في مادة - عود: والعود ثاني البدء، قال الشاعر:
بَدَأْتُمْ فأَحْسَنْتُمْ فأَثْنَيْتُ جاهِداً
فإِنْ عُدْتُمُ أَثْنَيْتُ، والعَوْدُ أَحْمَدُ
والعِيدُ كلُّ يوم فيه جَمْعٌ، واشتقاقه من عاد يَعُود، كأَنهم عادوا إِليه، وقيل: اشتقاقه من العادة لأَنهم اعتادوه، والجمع أَعياد لزم البدل، ولو لم يلزم لقيل: أَعواد كرِيحٍ وأَرواحٍ لأَنه من عاد يعود. وعَيَّدَ المسلمون: شَهِدوا عِيدَهم.
وتحوَّلت الواو في العيد ياء لكسرة العين، وتصغير عِيد: عُيَيْدٌ، تركوه على التغيير كما أَنهم جمعوه أَعياداً، ولم يقولوا أَعواداً.
قال الأَزهري: والعِيدُ عند العرب: الوقت الذي يَعُودُ فيه الفَرَح والحزن، وكان في الأَصل العِوْد، فلما سكنت الواو، وانكسر ما قبلها صارت ياء، وقيل: قلبت الواو ياء ليَفْرُقوا بين الاسم الحقيقي وبين المصدريّ.
قال الجوهري في الصحاح : إِنما جُمِعَ أَعيادٌ بالياء للزومها في الواحد ، ويقال للفرق بينه وبين أَعوادِ الخشب.
وقال ابن الأَعرابي: سمي العِيدُ عيداً لأَنه يعود كل سنة بِفَرَحٍ مُجَدَّد، و عادَ العَلِيلَ يَعُودُه عَوْداً و عِيادة و عِياداً: زاره" وقال أَبو ذؤيب الهذلي:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي، هَلْ تَنَظَّرَ خالدٌ
عِيادي على الهِجْرانِ، أَم هوَ يائِسُ ؟
قال ابن جني : وقد يجوز أَن يكون أَراد: عيادتي، فحذف الهاء لأَجل الإِضافة ، كما قالوا: ليت شعري" ورجل عائدٌ من قَوْم عَوْدٍ و عُوَّادٍ ورجلٌ مَعُودٌ و مَعْوُود الأَخيرة شاذة، وهي لهجة تميمية.
وقال اللحياني: العُوادَةُ من عِيادةِ المريض، لم يزد على ذلك. وقَوْمٌ عُوَّادٌ و عَوْدٌ" الأَخيرة اسم للجمع" وقيل: إِنما سمي بالمصدر. ونِسوةٌ عوائِدُ و عُوَّدٌ، وهنَّ اللاتي يَعُدْنَ المريض، الواحدة عائِدةٌ.
قال الفراء: يقال هؤلاء عَودُ فلان، و عُوَّادُه مثل زَوْرِه وزُوَّاره، وهم الذين يَعُودُونه إِذا اعْتَلَّ". وبناء على ماذكرناه يتضح لنا أن كلمة عيد هي من مادة: عود ، وليست من مادة: وعد كما يتوهم البعض.
وتناول ابن منظور مادة: فطر، فقال: والفِطْرةُ: ما فَطَرَ الله عليه الخلقَ من المعرفة به. وقد فَطَرهُ يَفْطُرُه بالضم، فَطْراً أَي خلقه.
وللأدباء والشعراء صولات في الاحتفال بعيد الفطر
من القصائد التي تتبادر للأذهان بمناسبة حلوله قصيدة المتنبي من البحر البسيط، وهي من قصائده التي قالها يهجو حاكم مصر كافور الإخشيدي:
عيدٌ بِأيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عِيدُ
بِما مَضَى أَم لأَمْرٍ فِيكَ تجدِيدُ
أَما الأَحِبةُ فالبَيَداءُ دُونَهُمُ
فَلَيتَ دُونَكَ بَيْدا دونَها بِيدُ
لَولا العُلَى لم تجِبْ بِي ما أَجُوبُ بِها
وَجناءُ حَرْفٌ وَلا جَرْداءُ قَيدُودُ
وَكانَ أطْيَبَ مِنْ سيفِي مَعانَقَةً
أَشْباهُ رَونَقه الغِيدُ الأَمالِيدُ
لم يَتْرُكِ الدَهْرُ مِنْ قَلبي وَلا كَبِدي
شَيْئاً تُتَيِّمهُ عَيْنٌ وَلا جِيدُ
وقال أنشدنا أبو عبد الله أحمد بن عمر بن روح النهرواني، قال أنشدنا عبد الله بن الحسين بن أحمد بن الحجاج لنفسه:
قالوا أتى العيد فاستبشر به فرحاً
فقلت: مالي؟ وما للعيد من فرَحِ
قد كان ذا والنوى لم تُمسِ نازلة
بعقوتي وغراب البين لم يصِحِ
أيام لم يحترق قربي البعاد ولم
يَعْدُ الشتاتُ على شملي ولم يَرُحِ
فالآن بعدك قلبي غير متسع
لما يسر وصدري غير منشرحِ
فطائرٌ طار في خضراء موبقةٍ
على شفا جدول بالعشب متشحِ
يا مزعجَ النوم عن أجفان مُغتبق
من السهاد وبالأحزان مصطبِحِ
بيني وبينك وعدٌ ليس يخلفه
بُعْدُ المزار وعهد غير مُطَّرِحِ
ولا سمعت بصوت فيه ذِكْرُ نوى
إلا عصيت عليه كُلَّ مُقْتَرِحِ
أصبح تبادل التهاني بالأعياد عادة متبعة بين الناس، واتخذت صِيغاً متنوعة، فمنها ما هو شفوي تجسده العبارات المتبادلة أثناء اللقاءات بمناسبات الأعياد وغيرها، وهذه العبارات تتنوع بين النثر والشعر، ومع تطور الطباعة استخدمت بطاقات التهاني، ثم انتشرت البطاقات الإلكترونية التي يتم تبادلها بالبريد الإلكتروني.
وقد تناول القلقشندي في كتابه "صبح الأعشى" أصناف التهاني، وخصص الصنف الرابع منها للتهنئة بعيد الفطر، واختار من كلام المتقدمين قول أبي الحسين بن سعد: "عظّم الله على سيدي بركة هذا العيد، وأعاشه لأمثاله، من الأعياد المشهودة، والأيّام الجديدة في أهنأ عيشٍ وأرغده، وأطول مدىً وأبعده".
وقال أبو الفرج الببغاء: "أسعدك الله بهذا الفطر الجديد، والعيد السّعيد، ووصل أيّامك بعده بأكمل السّعادات، وأجمل البركات، وجعل ما أسلفته من الدّعاء مقبولاً مسموعاً، ومن التهجّد زاكياً مرفوعاً، ولا أخلاك من نعمةٍ يحرس الشكر مدّتها، ولا يخلق الدّهر جدّتها".
وذكر القلقشندي من كلام المتأخرين حسب زمانه ما قاله الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي: "المولى أدام الله نعمه، وحرس شيمه، هو سيّد الأفاضل، ورئيس الأماثل، وحسنة الزّمان، وليث الأقران، وهو في الأنام، كالأعياد في الأيّام، فإنّ الأنام ليلٌ والمولى مصباح بل الصّباح، وسائر الأيّام أجسادٌ وسائر الأعياد هي الأرواح، فإذا كان المولى قد زهي على أبناء جنسه، ويوم العيد على غده وأمسه، فقد صار كلٌّ منكما إلى صاحبه يتقرّب، ويلزم ويلزب، وهو أحقّ الناس بأن يبهجه مقدمه، وأن يهنّى بيومه الذي هو مجمع السّرور وموسمه.
جعل الله ما أظلّه من هذا الصيام مقروناً بأفضل قبول، مؤذناً بإدراك البغية ونجح المأمول، ووفّقه فيه وفي سائر أيّامه، ومستأنف شهوره وأعوامه،لأشرف الأعمال وأفضلها، وأزكى الأفعال وأكملها، ولا أخلاه من برٍّ مرفوع، ودعاءٍ مسموع، وسعيٍ مشكور، وأمرٍ مبرور، إلى أن يقطع في أجمل غبطةٍ وأتمّ مسرّةٍ أمثاله.
وله في مثله: عرّفك الله بركة هذا الشهر المعظّم قدره، المشرّف ذكره، ووفّقك فيه لصالح الأعمال، وزكيّ الأفعال، وقابل بالقبول صيامك، وبتعظيم المثوبة تهجّدك وقيامك، ولا أخلاك في سائر ما يتبعه من الشّهور، ويليه من الأزمنة والدّهور، من أجرٍ تذخره، وأثرٍ تشكره".
وأورد النويري في كتاب "نهاية الأرب في فنون الأدب" شيئاً مما هنئ به في المواسم والقدوم، ومن ذلك ما قاله ابن الرومي في تهنئةً بعيد الفطر:
قد مضى الصوم صاحباً محموداً
وأتى الفطر صاحباً مودوداً
ذهب الصوم وهو يحيك نسكاً
وأتى الفطر وهو يحيك جودا
وقال ياقوت الحموي في "معجم الأدباء": "إن الوليد بن عبيد الله، أبو عبادة البحتري الطائي الشاعر المشهور، كان فاضلا أديباً فصيحا بليغا شاعراً مجيدا، ولد بمنبج من اعمال حلب وفيها نشأ، وكانت ولادة البحتري سنة ست ومائتين ه/ 821 م، وتوفي في منبج بمرض السكتة سنة أربع وثمانين ومائتين ه/ 897 م، ومن غُرر شعره في المديح قصيدته الرائية التي مدح بها الخليفة العباسي المتوكل على الله يهنئه بعيد الفطر، ويذكر خروجه فيه للصلاة:
أُخفي هوىً لك في الضلوع وأُظهِرُ
وأُلامُ في كَمَدٍ عليك وأُعْذَرُ
اللهُ مكّن للخليفة جعفرٍ
مُلكاً يجملُّه الخليفة جعفرُ
نُعمى مِن الله اصطفاهُ بفضلها
والله يرزق مَن يشاء ويقدرُ
بالْبِرِّصُمْتَ، وأنت أفضل صائمٍ
وبسُنَّةِ اللهِ الرّضيةِ تفطرُ
فأنعِمْ بيوم الفطر عيناً إنه
يومٌ أغر من الزمان مشهَّرُ
أظهرت عِزَّ الملك فيه بجحفلٍ
لَجِبٍ يُحاط الدينُ فيه ويُنصَرُ
خلنا الجبال تسير فيه وقد غدتْ
عدداً يسير به العديدُ الأكثرُ
والخيل تصهل والفوارس تدَّعي
والبيض تلمع والأسنة تزهرُ
حتى طلعت بضوء وجهك فانجلى
ذاك الدُّجى وانجاب ذاك الْعِثْيَرُ
ذكروا بطلعتك النبيَّ فهلَّلُوا
لما طلعت مِن الصفوف وكبروا
ربما يتحول العيد إلى مأساة مثل مأساة محمد ابن الحكيم اللخمي الذي روى قصته لسان الدين بن الخطيب في كتاب "الإحاطة في أخبار غرناطة"، فقال: "محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن محمد بن الحكيم اللخمي الإشبيلي الموصلي، المسمى: ذو الوزارتين، لأنه تقلد الوزارة والكتابة، وتوفي في غرناطة قتيلا، غدوة يوم عيد الفطر، مستهل شوال سنة 708 ه/ 1309م، وممن مدحه قبل وفاته الرئيس أبو الحسن بن الجياب بقصيدة رائية رائقة، يهنيه فيها بعيد الفطر منها في أولها:
يا قادماً عمَّت الدنيا بشائرُهُ
أهلا بمقدمك الميمون طائرهُ
ومرحباً بك مِن عِيدٍ تَحفُّ به
مِن السعادة أجناد تظاهرُهُ
قدمتَ فالخلق في نُعمى وفي جذلٍ
أبدى بكَ الْبِشْرَ باديه وحاضرُهُ
الأرضُ قد لبست أثواب سُندُسِها
والروضُ قد بسمت منه أزاهرُهُ
فالغصنُ من نشوة يثني معاطفَهُ
والطير من طربٍ تشدو مزاهرُهُ
لله يومك ما أذكى فضائله
قامت لدينِ الهوى فيه شعائرهُ
فكم سريرة فضلٍ فيك قد خبئتْ
وكم جمال بدا للناس ظاهرُهُ
فافخر بحقٍّ على الأيام قاطبةً
فما لِفضلِكَ مِن نَدٍّ يظاهرُهُ
لقد تفنن الشعراء، وزاوجوا التهاني بتمام الصوم، وقُدوم العيد، واستخدموا صور الهلال في التهاني، ومن ذلك ما قاله أبو بكر محمد بن هاشم أكبر الشاعرين الخالديين في التهنئة بعيد الفطر:
هنيئاً مريئاً بأجرٍ أقام
وصومٍ ترحَّل عنك ارتحالا
وفطرٍ تواصل إقباله
لأنّ له بالسعود اتصالا
رأى العيد فعلك عيداً له
وإن كان زاد عليه جمالا
وكَبَّر حين رآك الهلالُ
كفعلك حين رأيت الهلالا
رأى منك ما منه أبصرته
هلالاً أضاء ووجهاً تلالا
تولاك فيه إلهُ السماء
بعزٍّ تعالى ويمنٍ توالى
ولُقّيتَ سعداً إذا العيدُ عاد
ولُقيت رُشداً إذا الحولُ حالا
لم تكن التهاني بالأعياد مقصورة على الشعراء، وإنما شارك فيها العلماء والمؤرخون أمثال العلامة ابن خلدون الذي يقول في تاريخه: وكانت قد حصلت بيني وبين الأمير محمد صاحب بجاية من الموحدين مداخلة، أحكمها ما كان لسلفي في دولتهم. وغفلت عن التحفظ في مثل ذلك، من غيرة السلطان، ودخلت عليه يوم الفطر، سنة ثلاث وستين. فأنشدته:
هنيئاً بصوم لا عداه قبولُ
وبشرى بعيدٍ أنت فيه مُنيلُ
وهنئتها من عزةٍ وسعادةٍ
تتابع أعوام بها وفصولُ
فعصرك ما بين الليالي مواسمٌ
لها غرر وضاحة وحُجُولُ
وجانبك المأمول للجود مشرع
يحوم عليه عالم وجهول
عساك، وإن ضن الزمان مُنوِّلي
فرسمُ الأماني من سواك محيلُ
وذكر الصفدي في كتاب أعيان العصر وأعوان النصر تهنئة للشيخ محمد بن عبد اللطيف بن يحيى، أقضى القضاة تقي الدين أبو الفتح بن أبي البركات بن أبي زكريا الأنصاري الخزرجي السبكي الشافعي، الذي كتب إلى العلامة أبي حيان بعد عيد الفطر:
أهنيك بالعيد الذي حل عندنا
خلعت عليه من علاك جلال
وحاولت تعجيل البشارة والهنا
فأرسلت من قبل الهلال هلال
ومن شعر التهنئة الرائع ماذكر ابن الأبار في كتاب الحلة السيراء، من شعر
الوزير أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد الوقّشيّ في وفادته على مراكش يهنئ بعيد الفطر من قصيدة طويلة منها:
تحنّ إليكم وافدات المواسم
فتهدى إلى كفيّكم ثغر باسم
ومنهن عيد الفطر جاء مسلّماً
عليك فحيّا منك أفضل طاعم
ومن قبله وافي الصيام بشهره
على خير أوّابٍ وأفضلِ صائمِ
وورد في كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم: أن شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفاء، المعروف بابن الحلاوي أنشده لنفسه بالموصل من لفظه من أبيات يهنيء بها الأمير ركن الدين بعيد الفطر في سنة 641 ه/ 1244م.
أتاك العيد مبتسما ولولا
وجودك لم يكن منه ابتسام
ووَلَّى الصومُ يشكر منك سعياً
حميداً لا يُنال ولا يُرامُ
كلا الحالين فيه أَجَدْتَ صُنعاً
فمحمودٌ فُطُوْرُكَ والصِّيامُ
على دار السلام وأنت فيها
لأجلك دائماً مِنَّا السَّلامُ
بقربك لَذَّ لِيْ فيها مقامي
ولولا الركن ما طاب المقامُ
وضمَّن ابن معصوم الحسني كثيرا من الشعر الإخواني، والتهاني في كتابه سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر، وأدرج الكثير من أشعراء فُضلاء زمانه، ومنهم السيد محمد بن عبد القادر المقاطعجي اليمني، الذي قال في قصيدة يمتدح بها السيد الحسن بن الإمام القاسم أخا الامام محمد المؤيد ملك اليمن ويهنيه بعيد الفطر أولها:
أَ لاْمُ هِلالٍ لاحَ أمْ نونُ حاجِب
بدا بجبينِ الأُفق في ليلة الفطرِ
أَم العيدُ من صافي اللجين بخنجر
تمنطق أم سيفاً تقلَّد من تِبْرِ
أقوس لملك الغرب صيغ بعسجدٍ
وعلق موتوراً على قصره الدري
ونظم الشيخ جمال الدين بن نباتة جملة قصيدته الرائية التي مدح بها الملك المؤيد صاحب حماه التي أولها قوله:
يا شاهر اللحظ حبي فيك مشهور
وكاسر الجفن قلبي منك مكسور
كان شكل هلال العيد في يده
قوس على مُهج الأعداء موتور
أو منجل لحصاد الصوم منعطف
أو خنجر مرهف الحدين مطرور
أو فصل تبر أجادت في هديته
إلى جواد ابن أيوب المقادير
أو زورق جاء فيه العيد منحدراً
حيث الدجى كعباب البحر مسجور
أو لا فمن رمضان النون قد سقطت
لما مضى وهو من شوال محصور
خصَّص ابن حمدون الفصل السادس من كتابه "التذكرة الحمدونية" لما قيل في المواسم، ومن ذلك قول ابن الرومي، من البحر الخفيف:
قد مضى الصوم صاحباً محمودا
وأتى الفطر صاحباً مودودا
ذهب الصوم وهو يحكيك نسكاً
وأتى الفطرُ وهو يحكيك جودا
وأدرج العماد الأصفهاني في كتابه "خريدة القصر وجريدة العصر"، الكثير من محاسن شعر عصره في موضوع التهاني بالأعياد، ومن ذلك قول أبي طالب عبد الله بن علي بن غازي الحلبي:
قد بَدَتْ شمسٌ على غصنٍ
كهلالِ الفِطر تُرْتَقَبُ
ثم وَلَّتْ وهي قائلةٌ
حيثُ ما أسفرتُ يَنْتَقِبُ
أُنظروه بعد مُنْصَرفي
فَسَنَا خَدّي له حُجُب
وقد أُعجب العماد الأصفهاني بما قاله الحصكفي الخطيب بميافارقين، وهو من المتأخرين بديار بكر من حصن كيفا، وقد توفي بحصن كَيفا وأقام بميافارقين، وله في هلال الفطر، بيتان كصيّب القَطر، وطيّب العطر:
تَباشَروا بهِلال الفِطْر حين بَدا
وما أقام سِوى أنْ لاحَ ثم غدا
كالحِبِّ واعَدَ وَصْلاً وهو مُحتَجِبٌ
فحين بانَ تَقاضَوْهُ فقال: غدا
جسد الشاعر المعتمد بن عباد صورة العيد وهو في السجن، وقد ذكر ذلك ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ"، فقال توفي المعتمد بن عباد، الذي كان صاحب الأندلس، مسجوناً بأغمات، من بلد المغرب، وهو الذي قال في يوم عيد:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
فساءك العيد في أغمات، مأسورا
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً
فردَّك الدهر منهياً، ومأمورا
من بات بعدك في ملك يُسَرُّ به،
فإنما بات بالأحلام مسرورا
وكان شاعره أبو بكر بن اللبانة يأتيه وهو مسجون، فيمدحه لا لجدوى ينالها منه، بل رعاية لحقه وإحسانه القديم إليه. فلما توفي أتاه، فوقف على قبره، يوم عيد، والناس عند قبور أهليهم، وأنشد بصوت عال:
ملك الملوك أسامع فأنادي
أم قد عداك عن الجواب عوادي
لما خلت منك القصور، ولم تكن
فيها، كما قد كنت في الأعياد
فمثلت في هذا الثرى لك خاضعاً
وتخذت قبرك موضع الإنشاد
وأخذ في إتمام القصيدة، فاجتمع الناس كلهم عليه يبكون، وقد ذكر هذه الواقعة أيضا المقري التلمساني في كتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.