فجعنا كثيراً باستشهاد المواطن حمود الميمون، الذي انتهت حياته بحادثة أقل ما يقال عنها إنها «إرهابية» بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان. التفاصيل لم تتضح حتى الآن، ولكن الجريمة بشعة بكل المقاييس، وفيها استهانة بهيبة الدولة، إذ أن هذا اعتداء على النظام، فالشهيد يعتبر جزءا من منظومة الأمن التي تحمي الوطن، ولذا يجب الوقوف بحزم تجاه فاعلها، والحيلولة دون تكرارها بأي ثمن، ولا يراودنا شك بأن يقظة رجال الأمن ستعجل بالقبض على مرتكب هذا العمل الآثم، ربما قبل نشر هذا المقال. نظام «ساهر» هو جزء من المنظومة الأمنية، التي أثبتت الإحصاءات جدواها، حتى مع وجود السلبيات التي كتب الإعلام عنها كثيراً، فإن المشروع في بداياته، ويؤكد القائمون عليه دوماً بأنهم يأخذون كل ما يطرح مأخذ الجد، ويسعون لتطويره على الدوام، وقد كتبت فيما مضى منتقداً «صديقنا ساهر»، وملاطفاً مدير عام مرور الرياض العميد عبد الرحمن المقبل، الذي أبدى تجاوباً سريعاً، وبادر بالاتصال لتوضيح بعض الأمور التي كانت خافية على صاحبكم. لسنا بصدد تحميل مسؤولية هذه الجريمة لأي أحد، ولكن لا يجب أن نتغاضى عن تلك الأصوات الغاضبة التي هاجمت ساهر، وجلهم - للأسف دعاة ورجال دين -، الذين أفتوا بحرمته، وشنعوا به متحدثين عن مساؤه التي لا تحصى!، وقد أوغروا صدور الناس ضده، إذ أن أحدهم قد قال إنه «نظام جباية»، هكذا. المؤلم أن أحد الوعاظ - وعلى الرغم من أحاديثه التي لا تنتهي في كل شأن - لم ينبس ببنت شفة عندما كانت الأصوات عالية في نقد هذا النظام. هذا، ولكنه ما أن تحصل على مخالفات مرورية عدة عن طريق هذا النظام، واضطر تبعاً لذلك إلى دفع مبالغ طائلة، حتى أطلق العنان للسانه مشنعاً به، ومشككاً في مصداقية عمله!، ولم يكتف بالحديث مرة، بل إنه جعل هذا النظام هاجسه لفترة طويلة، في انتقام واضح لا تخطئه العين!. ولو أنه انتقد ساهر من موقعه كمواطن متضرر، لما لامه أحد، ولكن المؤلم أنه تحدث كرجل دين وأفتى بحرمته «شرعا»، ونحن نعلم مدى تأثير الفتوى الشرعية في مجتمع محافظ ومتدين مثل المجتمع السعودي. أقول لهذا الواعظ ولغيره إن «نظام ساهر» ساهم بشكل كبير في عقلنة السائقين «الانتحاريين» الذين عانينا منهم طويلاً، وخفف من الحوادث المرورية بشكل كبير، سواءً كان ذلك داخل المدن أو في الطرق السريعة، وما على المراقب المحايد إلا أن يلاحظ سلوك السائقين الآن، مقارنة بما كان عليه الحال في السابق. ثم إن هناك ميزة «متفردة» لنظام ساهر، وهي أنه لا يفرق بين الناس، ويقتنص المخالف كائنا من كان، ولو لم يكن منه إلا هذه لكفى. كم هو محزن أن نكون «نرجسيين» لدرجة أن لا نشعر بالمشكلة إلا بعد أن نقع ضحية لها، وكم هو مؤلم أن يكون هذا سلوك من يبصر الناس في أمور دينهم. وختاماً، طالما تطورت الأمور إلى هذه الدرجة البالغة الخطورة والمتمثلة بحادثة القتل الشنيعة، فإن المؤمل هو أن تكون هناك قوانين صارمة ضد «التحريض» بكل أشكاله، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالشأن الأمني وهيبة الدولة، وإنا لمنتظرون. فاصلة: «بعض الناس لا يهتمون إلا بأنفسهم، وبما يتعلق بهم»... جون ستينبك.