هذه الأيام التي نعيش في ظلالها هي أفضل أيام السنة على الإطلاق، وقد أقسم الله تعالى بها في كتابه الكريم بقوله تعالى: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (1-2) سورة الفجر، قال الإمام القرطبي في تفسيره: (هي ليال عشر ذي الحجة لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه) (7-514)، وقال تعالى:{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} (27) سورة الحج: الليالي العشر المراد بها: عشر ذي الحجة قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغيرهم نقلاً عن ابن كثير في تفسيره (4-535)، فهي أيام معدودات سرعان ما تنقضي وتنتهي. وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أفضل أيام الدنيا أيام العشر) (صحيح الجامع 1133)؛ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيره) (فتج الباري 2-534). فهذه العشر الفاضلات الموفق من وفق فيها بالعمل الصالح المتقبل مع الله تعالى.. وما هذه العشر إلا محطة إيمانية يتزود فيها الإنسان من الإيمان والعمل المتنوع الصالح ذكر لله تعالى.. وحج.. وصيام.. وصدقة.. وأضحية وقبل كل شيء التوبة مع الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النور، هذه الأعمال كلها تتأكد وتعظم في هذه العشر مصداقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فتأمله جيداً إذ يقول عنها: (ما من أيام أعظم عندالله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد) رواه أحمد (6154). هذه الأعمال الصالحة أحبتي يشترك فيها الحاج وغير الحاج، ففي ذبح القرابين يشترك الحاج وغير الحاج فللحاج الهدي الخاص ولغير الحاج الأضحية والتي هي سنة مؤكدة أجرها عظيم يخرجها المسلم من ماله من طيب نفس تقرباً لله تعالى وفضلها يعرفه الجميع، وفي يوم عرفة وهو يوم عظيم يوم العتق من النار قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عزوجل فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟) رواه مسلم، ولغير الحاج صيام يوم عرفة قوله عليه الصلاة والسلام: (صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) رواه مسلم، قال النووي رحمه الله: (معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر) (شرح صحيح مسلم 4-308). وليعلم أحبابي.. أن أيام عشر ذي الحجة أفضل أيام السنة، وأن ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل ليالي السنة، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟! فأجاب رحمه الله بقوله ما نصه: (أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان والليالي الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة) (الفتاوى 25-154) علق الإمام ابن القيم على جواب شيخه شيخ الإسلام هذا بقوله: (وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافياً كافياً، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة وفيها يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية، وأما الليالي عشر رمضان فهي ليالي الأحياء التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيها كلها، وفيها ليلة خير من ألف شهر، فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة) (بدائع الفوائد 3-660). أخيراً لنعلم جميعاً: أن الأعمال الصالحة في مثل هذه الأيام العشر أحب إلى الله منها في غيره لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه الترمذي وأبوداود وابن ماجة. وما تزود عبد لله تعالى من عمل هو أفضل من الفرائض التي فرضها الله عليه وفي الحديث: (وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب مما افترضته عليه) ثم بعد ذلك يكثر ما استطاع من النوافل وفي الحديث: (وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه) تأمل وتدبر.. حتى أحبه! من الذي يحبك؟ إنه الله الكريم الرحيم سبحانه.. فلنتزود ما استطعنا من أعمال صالحات في مثل هذه الأيام حتى يتربى المسلم على تعظيم الشعائر والعبادات لله تعالى {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } (32) سورة الحج، {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} (37) سورة الحج.. علّ الله أن يرحمنا برحمته إنه هو الرحمن الرحيم ويغفر زللنا ويتقبل منا الصيام والعبادة والحج إنه ولي ذلك والقادر عليه.. والله أعلم. * الرياض