وأقتبس هذه الكلمات من أقوال الأديب الراحل جبران خليل جبران: بعض الناس نحبهم رغم البعاد فهم في البعد أغلى.. والبعض نحبهم ونسعى كي نقترب منهم ونتقاسم تفاصيل الحياة معهم ويؤلمنا الابتعاد عنهم ويصعب علينا تصور الحياة حين تخلو منهم.. والبعض نحبهم ونتمنى أن نعيش معهم ونفتعل الصدف لكي نلتقي بهم ونختلق الأسباب كي نراهم.. والبعض نحبهم فنملأ الأرض بحبهم ونحدث الدنيا عنهم ونثرثر بهم في كل الأوقات ونحتاج إلى وجودهم.... كالماء والهواء ونختنق في غيابهم أو الابتعاد عنهم.. والبعض نحبهم لأننا لا نجد سواهم وحاجتنا إلى الحب تدفعنا نحوهم.. فالأيام تمضي والعمر ينقضي والزمن لا يقف ويرعبنا أن نبقى بلا رفيق.. والبعض نحبهم لأن مثلهم لا يستحق سوى الحب ولا نملك أمامهم سوى أن نحب فنتعلم منهم أشياء جميلة ونرمم معهم أشياء كثيرة ونعيد طلاء الحياة من جديد ونسعى صادقين كي نمنحهم بعض السعادة. كل هذه النماذج هي في شخص ذلك الملاك الطاهر الذي رحل عنا. فإن كان ما نطالعه الآن نفثات من صدر مكلوم وآهات موجوعة على فقد الأحبة والغالين، إلا أنها جزء من أحداث مجتمع متكاتف يحزن أفراده على فقد المخلصين من الرجال والنساء، الذين يشكل رحيلهم مأساة لنا وحزناً كبيراً، ومن افتقدناه في هذه الأيام هو رجل من جيل فريد، أصبحنا لا نسمع خبر أصحابه إلا كما يقال قديما (في سطور كتاب أو في قبر تحت التراب) فأي عزاء نقدمه لذلك الملاك غير قلوبنا التي ترفرف تحية لجسده الطاهر. فقد اختاره ملك الموت من بيننا ليتحقق فيه قول الشاعر: والموت نقَّادٌ على كَفّهِ جواهرٌ يختار منها الجيادا وقد كان الفقيد بصدق من أجود تلك الجواهر في نقاء قلبه وصفاء سريرته. فليرحمك الله أيها الإنسان الطاهر فرغم صدقك الذي يطير بنا دوماً إلى آفاق عالية بعيدة كل البعد عن أكاذيب البشر وخداعهم ونفاقهم، ورغم آمالك العظيمة وأمنياتك الخلاقة التي كانت تعانق أرواحنا، فكلماتك التي تنضح بالإيمان والتقوى لا زالت تأسرنا.. لا زال رنينها يقرع قلوبنا ولا نطمح برؤيتك إلا في جنة الخلد حيث نتمنى.. يا من يعز علينا فراقه.. كنت لنا في سيرنا نعم الرفيق.. ولقد تعلمنا منك الكثير الكثير وقلوبنا جُمعت على معنى المحبة من خلال كلماتك الساحرة.. فهل بعد كل هذا نفترق!! عجبا لهذه الدنيا الفانية. فالوداع أيها العزيز الغالي.. فبعد اليوم لن نبحث عنك ولكن سنجد صوتك يتعالى في قلوبنا وسنكتب لك بقلمك كلمات للذكرى. مجمع عيادات دار العرب