ميونيخ - في الشهر الماضي، شاركت في اجتماع تم تحت رعاية مبادرة كلينتون العالمية، وهي مؤسسة العمل الخيري العملاقة، التي ركزت على خلق المزيد من فرص العمل في الولاياتالمتحدة، وهو الهدف الذي تشترك في السعي إلى تحقيقه أغلب بلدان العالم. والواقع أن مجوعتنا الصغيرة -التي تتألف من فاعلي خير، وعدد قليل من رجال الأعمال، وبعض الرأسماليين المغامرين، وبعض «الطيبين» من المستثمرين - كانت تركز على الشركات المبتدئة، التي تشكل المصدر لقدر كبير من الطاقة التجارية والكثير من الوظائف. ولقد أمضينا الكثير من الوقت في تدارس أي التدابير القصيرة الأجل (باستثناء التنظيمات والسياسات الحكومية على وجه التحديد) القادرة على إحداث الفارق المطلوب. فانتهينا إلى استنتاج مفاده أن أكثر ما تحتاج إليه المشاريع المبتدئة يتلخص في اكتساب المزيد من القدرة على الوصول إلى الناصحين المخلصين (الموجهين). أجل، إنها في احتياج إلى المال، والاتصالات، والعملاء، والمعرفة، ولكن الوسيلة الأفضل غالباً للحصول على كل ذلك تقريباً تتلخص في الحصول على المساعدة والمشورة من موجهين من ذوي الخبرة. وهناك العديد من الأفكار الطيبة في هذا السياق: فبوسع الشركات الكبرى أن تعير المديرين الزائدين، والفنيين، والمهنيين، للعمل كموجهين ومرشدين للشركات المبتدئة المحلية. وتستطيع الجمعيات المهنية أن تضم جهودها إلى جهود الجهات الحاضنة الراعية. وبوسع رجال الأعمال أن يساعدوا بتنظيم مجموعات التوفيق على الشبكات الاجتماعية (ميت أب) على شبكة الإنترنت بهدف تبادل الخبرات، وبوسعهم أيضاً أن يوجهوا الدعوة إلى الموجهين المحتملين للتحدث إلى مجموعاتهم. (أنا بين أعضاء مجلس إدارة ميت أب). ولكن كان من الواضح في النهاية، رغم أن المستثمرين كانوا حاضرين للمساعدة، أن العالم الحقيقي لا يخلو من عدم التوافق. ذلك أن أصحاب رأس المال المغامرين يحاولون انتقاء الفائزين ومساعدتهم؛ ويحاول فاعلو الخير مساعدة المزيد من الناس لكي يصبحوا فائزين. فأصحاب رأس المال المغامرون يريدون تمويل فيسبوك المقبل، في حين يرغب محبو الخير في استخدام فيسبوك لدعم القضايا الخيرة. وفي بحثهم عن الفائزين، يستخدم أصحاب رأس المال المغامرون كل الإشارات الممكنة لاستبعاد غير الصالحين. فعندما تصلني رسالة بريد إلكتروني من صاحب عمل محتمل، أستطيع أن أرفضه بسهولة إذا أخطأ في تهجئة اسمي - أو إذا أخطأ في تهجئة أي كلمة في واقع الأمر. فإذا لم يكلف نفسه عناء البحث عن التفاصيل السليمة فما الذي يجعلني أضيع وقته معه؟ وإذا لم يكن لديه خطة واضحة للتسويق أو كان يفتقر إلى الخبرة اللازمة في السوق التي يستهدفها، فبوسعي أن أوفر على نفسي الوقت وأنتقل إلى الفرصة التالية. أما فعال الخير فإنه يتبنى توجهاً مختلفاً. فما مدى أهمية أو جسامة الخطأ الذي قدر يرتكبه أحد رجال الأعمال في تهجئة الكلمات، ما دام قادراً على استئجار كاتب خبير في الكتابة؟ وإذا لم تكن لديه خطة تسويق، فربما كان بوسع فاعل الخير أن يساعده في وضع خطة تسويق، أو أن يقترح عليه نهجاً يتبعه أو خبيراً يستأجره. وإذا كان أغلب تركيز رجل الأعمال على سوق صغيرة ولكنها مُحتاجة، فإن صاحب رأس المال المغامر سوف يقترح عليه تحويل تركيزه، في حين أن فاعل الخير سوف يساعده في التعرف على أفضل طريقة لخدمة ذلك السوق بشكل فعّال. لا شك أن هذين التوجهين لا يتعارضان جذرياً والاقتصاد الجيد يحتاج إلى كل منهما. ولكن من المفيد أن نفهم الديناميكيات التي يستند إليها كل من التوجهين، وأن نجري المبادلات والمقايضات بشكل صريح وليس مستتراً. وقد يزعم أصحاب رأس المال المغامرون، عن حق، أن شركات مثل جوجل وئي باي تجعل الحياة أكثر كفاءة وراحة للجميع. وسوف يرد عليهم فاعلو الخير، عن حق أيضاً، بأن الشركات الضخمة تحتاج لكي تزدهر إلى اقتصاد صحيح وتوزيع عادل للدخل، وليس فقط بعض الفائزين. والواقع أن كلاً من الجانبين يحتاج على الآخر - ويحتاج إلى إبقاء الجانب الآخر تحت المنظار. وكلا الفريقين يرتكب غالباً خطأ التفكير في الأجل القصير: فأصحاب رأس المال المغامرون يتصرفون على نحو أقرب كثيراً إلى تجار الأوراق المالية، وفاعلو الخير كثيراً ما يعطون المال لغرباء بدلاً من التبرع بالوقت (كموجه أو مرشد) لجعل عمل الخير أكثر فعالية. إن أصحاب رأس المال المغامرين الذين يحاولون بناء شركات عالمية المعايير لا يركزون كثيراً على البيئة من حولهم، ولكن المستثمرين «الطيبين» وحتى المهتمين بالتمويل منهم، يميلون إلى الاستثمار في مجتمعات بعينها ويدركون أن صحية تجارتهم تعتمد في النهاية على صحة المدارس والاقتصاد من حولهم. ويتعين على أصحاب رأس المال المغامرين الذين يعتبرون أنفسهم من المفكرين العالميين أن يفكروا على نحو مماثل في صحة العالم من حولهم. لا أحد يتوقع من أصحاب رأس المال المغامرين أن يسلموا مواردهم لمدارس القرى، ولكن ربما كان بوسعهم أن يزيدوا من تركيزهم قليلاً على تدريب الموظفين الجدد بدلاً من تصيدهم من المنافسة برواتب مبالغ فيها. وبوسعهم أيضاً أن يشجعوا موظفيهم على التبرع بوقتهم لنادي رجال الأعمال المحلي. والواقع أن هذا يحدث بالفعل وبمعدلات أكبر مما نتصور، ولا شك أن تأثيره أعظم (على المستهلكين والموظفين فضلاً عن المتلقين) مقارنة بالتبرع بالمال لمؤسسة خيرية. إن السوق التي تتسم بالكفاءة تعمل على نحو أفضل في تخصيص الموارد حتى فيما يتصل بخدمات التوجيه والإرشاد، ولكنها تعمل على ما هو أكثر من مجرد المال. فقد يتحفز الموجهون المحتملون ليس بدافع المال أو حتى الكرم، بل بدافع الكبرياء: فهم يريدون أن يعرفهم الناس بحكمتهم التي يمكنهم تقاسمها. ومثلهم كمثل رجال الأعمال، فإنهم قد يرغبون في حل المشكلات وقد يمتلكون القدرة على التأثير (ولكن من دون أن يتفرغوا للقيام بذلك). وقد يرغبون في الحصول على الفرصة لتجربة بعض الأمور مرة أخرى من خلال شخص آخر. بل إن بعضهم ربما كانوا من أصحاب رأس المال المغامرين في عملهم اليومي! أما بالنسبة لرجال الأعمال والأشخاص الذين يستأجرونهم لإطلاق مشاريعهم المبتدئة، فإن الناس يحتاجون إلى وظائف، ولكنهم يحتاجون أيضاً إلى إنشاء مشاريع مبتدئة لحل المشكلات التي تزعجهم أو لملاحقة الفرصة التي تلهمهم. وربما كانوا راغبين في التحرر من شركة ما، أو الاستمتاع بحريتهم في القيام بالأمور على نحو لا يمكنهم اختياره في وظائفهم القديمة. الحق أن الطريقة الأساسية التي قد يؤدي بها التوجه الذي تنتهجه «السوق» إلى نتائج سيئة، عندما يفسد أصحاب رأس المال المغامرون المنافسة ويلحقون الضرر بالسوق، تتلخص في اللجوء إلى السلوك المفترس أو الممارسة الأكثر شيوعاً والتي تتمثل في شراء المنافسين الذين يعجزون عن التغلب عليهم. ومن المؤكد أن أي اقتصاد من دون قِلة من كبار الفائزين لن يتمتع بالقدر الكافي من المشاريع الاقتصادية الضخمة، والأمثلة الملهمة، لكي يصبح على القدر نفسه من الديناميكية التي كانت عليها الولاياتالمتحدة ذات يوم. ولكن في نهاية المطاف، يتعين علينا أن ندرك أن الاقتصاد الذي لا يوجد به سوى قِلة من كبار الفائزين لن يحظى بالعدد الكافي من العملاء اللازمين لدعمه. * * * خاص ل(الجزيرة)