التباطؤ في اتخاذ القرارات الدولية الحازمة والعاجلة في مجلس الأمن الدولي، شيء محير، فيما يخص الدول العربية، التي تعاني شعوبها من قتل النظام لها، وهو ما يجري حاليا على أرض الواقع المنظور، لا أؤيد التدخل الأمريكي والغربي بالشأن العربي، لما يشكله تدخله من انتهازية تأتي لصالحه وليس لصالح العرب، وذاكرة المشاهد العربي تدرك ذلك جيدا، ولكن! نحن الآن أمام وقائع وأحداث مستجدة فيما نجم عن الثورات العربية وموقف الغرب المتخاذل حيالها، وكيفية تعاطي الغرب معها للكيل بمكيالين، في تداخل المصالح والأهواء والرغبات، لنأخذ ليبيا بداية، وكيف تم الإسراع في طبخ المشكلة الليبية داخل أروقة مجلس الأمن الدولي بشكل سريع وحاسم بتحويل قوات الأطلسي (الناتو) لدخول ساحة المعركة للمشاركة الفعلية في إنهاء عهد الطاغية الليبي، بينما كان الغرب يداهن الطاغية القذافي، لابتزاز أمواله لتصب في خزانات الدول الغربية متجاهلين، من قبل الإعمال الإجرامية التي قام بها الطاغية وأولاده ضد شعبه وبلده، إلى أن ثار عليه شعبه، فسارع الغرب يثأر من أفعاله التي عمت بشرورها العالم كله، فكانت فرصة عظيمة سنحت للغرب لتدمير ليبيا من ناحيتين، الأولى هو التخلص من الطاغية كمصدر داعم للمشاكل في بلدانهم والاستحواذ على النفط الليبي وما يعقبه من مشاريع إعمار لليبيا التي دمروها. من ناحية ثانية،لكي يبقى الغرب لمدة طويلة بليبيا بصفتها الموقع الاستراتيجي العربي المهم في القارة الإفريقية، وذات الجوار الملاصق لمصر العربية، مثلما هو الجنوب السوداني بالنسبة لمصر، لأحكام طوق الخناق على اكبر بلد عربي، وكممر ثنائي آمن لإسرائيل للدول الأفريقية والعربية، فالغرب يهمه بالدرجة الأولى مصالحه وليس حبا بليبيا وشعبها، والذي لازالت قوات الناتو تغير وتدمر المدن الليبية.. هذا فيما يتعلق بالمسألة الليبية. أما فيما يتعلق بالمسألة السورية والتي تناهز الحالة بها شهرها السابع، فإن أمريكا ومعها الغرب، تجري معالجة الشأن السوري بكل تباطؤ لإضافة المزيد من الوقت المعطاء للنظام السوري من أجل قتل شعبه، وتثبيت حكمه ليس بالطبع حبا بالنظام السوري، ولكن لأجل الاستقرار الآمن في هضبة الجولان لتنام إسرائيل في العسل قريرة العين، تحت حراسة النظام السوري، الذي أمّن الهدوء لها طيلة خمسة وأربعين عاما، وهذا ما أكده رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، في مقولته الشهيرة (لن تهدأ إسرائيل ما لم تهدأ سوريا) وهي الحقيقة من عهد حكم الراحل حافظ للابن بشار لم تطلق طلقة واحدة في اتجاه مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.. لذلك لازال موقف الغرب المتخاذل من الثورة السورية هو الموقف المعروف سلفا، أمن النظام السوري هو صمام الأمان لدولة بني صهيون، أما منلوج النظام السوري، لمقولة - سوريا دولة الممانعة والمقاومة - نغمة نشاز عزفت عليها إيران في تنفيذ مآربها السياسية، لكون سوريا بلد عربي ذات موقع استراتيجي يحقق الطموحات الإيرانية التوسعية، من العراق إلى لبنان حيث حزب الله، لغزة. فسوريا في غاية الأهمية لإيران كحليف عربي، لذلك دخلت إيران بمساعدة لوجستية بمعدات عسكرية وأسلحة وصواعق لقمع الثورة السورية مخافة سقوط حليفها النظام العربي السوري، بكل أسف. تركيا أيضا دخلت على الخط فهي لا تريد أن تستأثر إيران بسوريا فالأخيرة جارة لها مخافة انتقال المشكلة للعمق التركي فعلى حدودها يقبع الآلاف من السوريين المهجرين قسرا من بلداتهم السورية. إذن هناك حالة صراع خفي على سوريا ما بين إيران الصفوية وتركيا العثمانية، لذلك هناك أجندات ومصالح إقليمية ودولية متداخلة بالشأن السوري، وهو ما برهنته المعطيات على أرض الواقع المرير الذي يعيشه الشعب السوري بثورته السلمية ضد النظام الغاشم الذي يتكئ بمساعدة إيرانية، متمثلة بذراعه بلبنان حزب الله. وحياد تركي مناصح للنظام السوري، لذلك كان تخاذل الغرب وأمريكا معا، حيال الحسم واضحا وجليا في إيقاف آلة الحرب الدائرة رحاها على رقاب الشعب السوري ما بين القتل والتنكيل والاعتقال، هو موقف متفرج على الثورة السورية، وليس السعي العاجل لإيقاف آلة الحرب، مكتفين بالقرارات الواهنة ذات المدى التنفيذي الطويل الذي سيمر عبر أقنية أكثرها ممانعة لها كروسيا والصين العضوين الدائمين بمجلس الأمن الدولي!! في الأيام القلية الماضية يبدو أن الأتراك شعروا أخيرا باليأس المحبط في نصح النظام السوري، ولا هناك مانع لديهم حسبما يبدو لي لو أن هناك قرارا دوليا سيصدر عن مجلس الأمن الدولي، لكي يدين النظام السوري، قس على ذلك روسيا بعد زيارة الوفد الروسي الكبير لسوريا أخيرا، كذلك الصين ربما لا تمانع، مثلما كانتا ممانعتين بالشأن الليبي، ومن ثم موافقتها، فتنتفي الممانعة في حالة المصالح بالنسبة لروسيا والصين، وقد أعياهما نصح النظام السوري، وليس باستطاعتهما الوقوف بوجه الأسرة الدولية!! الكثير من العرب لا يؤيد تدخل عسكري عبر (الناتو) وان كان هذا مطلبا ملحا من قبل شباب الثورة، لتدمير قوى وقوات النظام دون المساس بالمنشآت المدنية، وسوق الجناة لمحكمة العدل الجنائية الدولية، طالما النظام عاقد العزم الدؤوب على حسم الثورة السورية عسكريا، غير عابئ بمطالب شعبه السلمية المطالبة بالحرية والإصلاحات، في بداية الثورة، أما الآن فقد فات الأوان وانتفت المطالبة بالإصلاحات بعد المواجهة الدامية، وتعنت النظام رفضه القرار جامعة الدول العربية الأخير وقوله عنه - كأنه لم يكن - فالسؤال: ما هو الحل للمشكلة السورية الدامية مابين تخاذل الغرب وعجز العرب؟! [email protected]