تترقب الأسرة الدولية في أيلول (سبتمبر) معركة سياسية في الأممالمتحدة في شأن الدولة الفلسطينية الموعودة وتراقب في آب (أغسطس) ما إذا كانت المفاجآت ستأتي من سورية أو ليبيا أو اليمن حيث الثورات لم تُحسم بعد لجهة الشعب الذي يطالب بالتغيير أو السلطة المتمسكة بالكرسي. مجلس الأمن سيبقى مكبّلاً، على الأرجح، مع بدء رئاسة الهند لشهر آب، علماً بأن لمجلس الأمن هذه الفترة نكهة الحرب الباردة بين الغرب والشرق حيث تتموضع دول كبيرة من العالم الثالث بين المعسكرين والتموضع أقرب الى روسيا والصين احتجاجاً على «احتكار» الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا صلاحية القرار من وجهة نظرها. لكنها بذلك تأخذ مكانها في محور «الممانعة» الذي يتخذ من التعطيل سياسة ليمنع مجلس الأمن من تناول قضايا وتطورات تستحق انتباهه، مثل حدث سورية. هذا المحور يضم الى جانب روسيا والصين كلاً من الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وهو أحياناً، يختبئ في ظل لبنان - المكبّل أساساً في الموضوع السوري - ليبرر تلكؤه في تحمل مسؤولياته وإغراقه في ممانعة مضرة له ولعلاقاته مع المستقبل العربي. المحور الثلاثي الغربي المتمثل في واشنطن ولندن وباريس - بدعم في معظم الأحيان من ألمانيا والبرتغال - يتصرف بتوافق وليس بتطابق الآراء في مواضيع الشرق الأوسط. هناك تطابق في مواقف الدول الثلاث في الموضوع الليبي أكثر مما كان في الموضوع السوري. إنما الأمر بدأ أخيراً يتغير بحيث تطوّر الموقف الأميركي بحدة ليتلاقى، بل وليتعدى أحياناً، الموقف الأوروبي. أما في الموضوع الفلسطيني - الإسرائيلي، فإن الاختلاف في المواقف الأميركية - الأوروبية واضح إلا أنه لن يتحوّل الى خلاف. كذلك، ليس هناك تحمس من جهة روسيا أو الصين أو محور «ايساب» ISAB (الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل) - لمواجهة ممانعة الولاياتالمتحدة في مجلس الأمن عندما يتعلق الأمر بفلسطين في الوقت الذي يتحمس هذا المحور للمواجهة في ممانعته طرح الأمر السوري في مجلس الأمن. وللأمر نكهة غريبة، لا سيما أن الهند تتباهى بديموقراطيتها وجنوب أفريقيا كسبت استقلالها بدعم من الشعوب وعبر مجلس الأمن والأممالمتحدة. فلماذا؟ وماذا يحدث في علاقات الدول الأعضاء في مجلس الأمن في إطار الحدث الليبي والسوري والفلسطيني؟ في الموضوع الليبي، بدأت مواقف جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن تتلاقى أكثر فأكثر في أعقاب معركة ضارية قادتها روسيا ضد ما اعتبرته تمادي حلف شمال الأطلسي (ناتو) في «تفسير» القرار 1973 ليقوم بعمليات عسكرية في ليبيا. هذا القرار هو الذي ساهم في تشدد روسيا والصين و «ايساب» في ممانعتهم السماح لمجلس الأمن بتبني أي موقف من الحكومة السورية حتى في لغة خفيفة تعارض قمع المتظاهرين، أو هكذا يشاء حلف «الممانعة» تفسير وتبرير مواقفه ملوّحاً بمعارضته «احتكار» القرار وتمادي الغرب في ترجمة الصلاحيات. اللافت أن روسيا تبدو الآن أقل تشدداً من جنوب أفريقيا والهند في الموضوع الليبي. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يتحدث الآن بلغة «ما بعد القذافي» فيما رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما زار طرابلس أكثر من مرة لكنه لم يتكلف زيارة بنغازي - مقر المجلس الوطني الانتقالي المعارض لمعمر القذافي. بذلك أوضح زوما أنه مع سلطة القذافي وليس مع ثوار التغيير في ليبيا. أما الهند فإن مسؤوليها يتحدثون بحدة ضد الثوار، وضد التحرك في مجلس الأمن لإعطاء المحكمة الجنائية الدولية صلاحية إصدار مذكرات توقيف بحق معمر القذافي وابنه، وضد عمليات «ناتو» التي تقصف مواقع القذافي لتساعد الثوار. ما حدث هذا الأسبوع في الملف الليبي يفيد بأن الرهان على حسن النية مع القذافي ليس رابحاً حتى وإن كان هدف الوساطة أو المبادرة توفير «ماء الوجه» له ليتنحى عن السلطة ويبقى في ليبيا آمناً من المحاكمة. القذافي يتمسك بالمبادرة الأفريقية لأن عنوانها الأساسي هو: الإصلاح وليس التغيير، أي إصلاح النظام مع بقاء القذافي على رأسه. اختار أن يقرأ المبادرة الفرنسية على بقائه داخل ليبيا بعد أن يتنحى بأنها موافقة على بقائه في السلطة. قرأ أيضاً كلام الخطيب عن هيئة انتقالية بأنها عربة بقائه في السلطة فيما كان قصد الخطيب هو أن تكون أفكاره عربة التنحي عن السلطة بكرامة. كما وجد القذافي في الدعم الدولي لمهمة الخطيب فسحة له لشراء الوقت. طرد بريطانيا للديبلوماسيين الليبيين ورفع مستوى الاعتراف بالمجلس الانتقالي من محاور الى سلطة حكومية تطور مهم يؤثر في مهام عبدالإله الخطيب المقبلة. فلا حاجة الآن الى الهيئة الانتقالية أو الحكومة الانتقالية التي جاءت في أفكار الخطيب بعدما بدأت الدول الفاعلة في اعتبار المجلس الانتقالي فعلياً الحكومة الرسمية البديلة. وبالتالي، ما يجدر بالمبعوث الوسيط القيام به الآن هو التفكير بمبادرة متكاملة ذات آلية - وليس بمجرد أفكار تؤدي تدريجياً الى تنازل هنا أو تحايل على الأفكار هناك، فلا مجال للحل الوسط، وهذا يجعل مهمة «الوسيط» شبه مستحيلة. ذلك أن بنغازي تقول إن تنحي القذافي كشرط هو البداية، فيما تقول طرابلس إن رفض التنحي هو البداية. عليه، أمام الخطيب إما أن يقول للثوار «لا» لتغيير النظام و «نعم» لإصلاح النظام. أو أن يقول للقذافي بحزم وحسم إن التنحي هو البداية لأي كلام عن أمان في المغادرة. والأرجح أن الخطيب لن يتمكن من قول ذلك إلا إذا أجمع مجلس الأمن على لغة التبليغ. لذلك، توجد حاجة لإعادة إنتاج أفكار الخطيب في مبادرة لا تبدو أنها «عملية» سلمية مفتوحة الأفق ولا تفتح الباب على «رفع السقف» اما من ناحية القذافي أو الثوار. وهو بذلك يحتاج الى جدية أعضاء مجلس الأمن في معالجة عاجلة للملف الليبي في الوقت الذي يهدد فيه مدير استخبارات ليبيا عبدالله السنوسي بالتحالف مع «القاعدة» للانتقام وفي الوقت الذي يزداد معمر القذافي في الإغراق في «عقلية الحصار». صحيح أن للهند مصالح في ليبيا، لا سيما في مجال النفط، إنما الهند تراهن مراهنة خاطئة في ظهورها بأنها تعادي المجلس الانتقالي والثائرين ضد قمع القذافي. إنها تسيء الى نفسها لأنها تعادي المستقبل العربي، إن كان في ليبيا أو في سورية. القاسم المشترك بين الدول الثلاث في «ايساب» أن كلاً منها يسعى وراء مقعد دائم العضوية في مجلس الأمن. جنوب أفريقيا باتت شبه عضو دائم (بلا حق النقض) من خلال تناوبها على المقعد الأفريقي كل سنتين، علماً بأن للأفارقة ثلاثة مقاعد وأن العرب يتناوبون على مقعد أفريقي تارة، ومقعد آسيوي تارة أخرى. البرازيل تنظر الى نفسها كقائدة ورائدة في أميركا الجنوبية لكنها، كما الهند، تريد أيضاً أن تلعب ورقة «العالم الثالث» لتقول لدول العالم الثالث: أنا ممثلكم وأنا صوتكم. كلاهما ينظر الى الموضوع الليبي في مجلس الأمن بأنه محوري في آلية اتخاذ القرار في مجلس الأمن. كلاهما له مصالح ضخمة مع الولاياتالمتحدة إنما مع الحفاظ على مسافة في مواقفهما السياسية. كلاهما منزعج من تمتع اليابان بالدعم الأميركي القاطع لعضوية دائمة لها في مجلس الأمن، مع الاعتقاد بعدم معارضة عضوية الهند والتعبير عن الترحيب بها. فالمقعد الدائم في مجلس الأمن يشكل مصلحة وطنية من الثوابت الأساسية للهند التي تنظر الى نفسها بأنها «عملاق سياسي» وليست فقط عملاقاً اقتصادياً. والمقعد الدائم رئيسية في طموحات البرازيل وجنوب أفريقيا. والدول الثلاث في محور «ايساب» تتخذ مواقفها في مجلس الأمن انطلاقاً من مصالح ذاتية سياسية إن كان في حلف الممانعة في الشأن السوري أو المعارضة في الشأن الليبي أو المراوغة في الشأن الفلسطيني. إنما لا «ايساب»، ولا روسيا والصين، وحدها في ترقية المصالح الذاتية فوق القيم والعدالة. فالولاياتالمتحدة طالما وضعت مصالحها أولاً، وقفزت على القوانين الدولية أحياناً، وتمادت بإعفاء إسرائيل من المحاسبة على حساب الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال المرير. واليوم، إن إدارة باراك أوباما تجد نفسها حيث وجدت الإدارات السابقة نفسها مضطرة للتسلق هبوطاً عن وعودها للفلسطينيين إرضاء لإسرائيل ولاعتبارات انتخابية. دنيس روس، مهندس السياسة الأميركية نحو الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، هو صاحب لقب «مستر بروسس» أي السيد المكتفي بمجرد «عملية» السلام وليس بالتوصل للسلام. باراك أوباما أوكل إليه هذا الملف كما سبق وأوكله إليه الرؤساء بوش الأب والابن وبينهما بيل كلينتون. روس يقول للأوروبيين إنهم على خطأ في تحذيرهم من إفرازات الممانعة الأميركية للاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة. الأوروبيون لن يستطيعوا، بمفردهم، أن يساعدوا الفلسطينيين، لا في «الرباعية» ولا في مجلس الأمن ولا في الجمعية العامة. إدارة أوباما تتكئ على انشغال الشعوب العربية بالتغيير الداخلي في بلادها ولا تخشى ردود الفعل ما لم يتحرك «الشارع» الفلسطيني داخل إسرائيل. دنيس روس جاء الى الواجهة لاحتواء الانتفاضة الفلسطينية الأولى وأنجز ذلك، باعترافه وبتباهي اندلاع الربيع العربي الى فلسطين سيشكل أكبر تحد له لكنه، حالياً، يفترض أن ذلك مستحيل. لذلك، لا يخشى ردود الفعل على الموقف الأميركي المعارض لتنفيذ تعهد قيام دولة فلسطين والمعارض للتحرك في أيلول (سبتمبر) في الأممالمتحدة في هذا الاتجاه. شهر المفاجآت في آب أو شهر المواجهة والإحباط في أيلول؟ الأممالمتحدة تراقب وتترقب بمزيج من الممانعة والمبادرة.