قرأت في جداول المبدع حمد القاضي، وفي آخر جدول ليوم السبت 12 شوال 1432ه بيت الشعر الجميل للشاعر حمزة شحاتة، يقول فيه: لعتبت لو أجدى العتاب وإنما صَمتُ الحبيب تعتب وخطاب ولطالما تعجبني الأبيات التي يضعها لنا الأستاذ حمد على أكف الراحة لنتناولها بشكل سريع، ومع ذلك تضع في أنفسنا مسحة من جمال وعذوبة، هكذا هي اختياراته وفقه الله ورعاه. ولمن لا يعرف الشاعر حسن شحاتة، فهو من مواليد عام 1910م، وتوفي عام 1972م، شاعر وأديب سعودي من رواد الشعر الحداثي في الحجاز، ومن أشهر قصائده القصيدة المعروفة ب «سطوة الحسن». ويرى الشاعر شحاتة -رحمه الله- أن لا جدوى من العتاب؛ ذلك أن الصمت من الحبيب يختزل الكلام، منه العتاب كما قال، ومنه غير العتاب كما قال به عدد من الشعراء، وذلك من خلال نظرات الحبيب، فالعيون تتكلم أكثر من اللسان أحياناً، بل إنها أمضى من العصا والسيف، كيف لا وقد قال فيها جرير: يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهنَّ أضعف خلق الله أركانا أو ربما هناك لغة أخرى لا يعرفها إلا معشر (المتورطين) في الحب، ليس لها علاقة بالكلام المعروف بين سائر الناس. وكثيراً ما يدعو الشعراء إلى الصمت أمام الحبيب، فهو أجمل وأنقى وأحلى من الثرثرة، وهذا هو نزار قباني له في هذا المعنى أبيات، لكن بعيدة عن العتاب، ولو كان فيها إشارة للعتاب لكانت قريبة كل القرب من بيت شاعرنا شحاتة، وهنا يدعو نزار إلى الصمت في رحاب الجمال: فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً فالصمت في حرم الجمال جمال كلماتنا في الحب تقتل حبنا إن الحروف تموت حين تقال وبعودتنا إلى العتاب نجد أبا هلال العسكري له رأي يخالف به رأي المرحوم حسن شحاتة، وذلك حين يقول: ألم تسمع مقالتهم قديماً سيبقى الود ما بقيَ العتابُ وهو ما درج عليه كثير من الشعراء والأدباء والعامة، من أن العتاب يبقي الود، ذلك أن الذي تعاتبه فإنك تكنُّ له الود وتريد أن تزيل ما بينكما من سوء فهم، وهو أفضل من أن يبقى سوء الفهم ليتطور إلى حالة من البغضاء. وهذا ما أصر عليه أمير الشعراء شوقي، فبقدر ما تحب حبيبك يكون عتابك له، يعني بالمختصر المفيد: العتاب يتناسب طرداً مع الحب، لكن من الضروري ألا يتجاوز حده فتنقلب جلسات الأحبة إلى نكد. وقد أضاف أحمد شوقي صورة بديعة للعتاب، بأن قرنها باستحالة (المتاب) بمعنى (التوبة) في نهاية أبياته الثلاثة: عَلى قَدرِ الهَوى يَأتي العِتابُ وَمَن عاتَبتُ يَفديهِ الصِحابُ أَلومُ مُعَذِبي فَأَلومُ نَفسي فَأُغضِبُها وَيُرضيها العَذابُ وَلَو أَنّي اِستَطَعتُ لَتُبتُ عَنهُ وَلَكِن كَيفَ عَن روحي المَتابُ أما الصورة الفريدة الجميلة فأستعيرها هنا من ابن حجر العسقلاني رحمه الله، فهو لا يهمه العتاب، وقد أنزله منزلاً هامشياً، فليس بذي أهمية أمام الحالة التي عليها الحبيب أمام حبيبه، فيطالب الحبيب حبيبه بترك العتاب والإقبال على ما هو أجمل وأحلى، أي ترك المهم إلا ما هو أهم، وله فيما رمى إليه قصيدة رائعة لطيفة خفيفة، يقول الشيخ فيها: دَعي العِتابَ وَهاتي كأسَ فيكِ فَما في ذا الحَديثِ رَعاكِ اللَهُ أَوهاكِ ما أَعذبَ الراحَ أَجلوها بفيكِ وَما أَحلى لِقاكِ بإصباحٍ وَأَحلاكِ رحلتِ عَنّي بِقَلبٍ كانَ مَسكنكُم هَلا قرنتِ بِقَلبي جسمي الشاكي وقد يستغرب البعض مما يقوله الشيخ الجليل ابن حجر، وهو المعروف بالعلم والورع والتقوى عليه رحمة الله، أما من يطلع على أدب الفقهاء فمن المؤكد معرفته أن الشعر لا ينتقص من الرجال الأجلاء حتى لو كان في الغزل. هذا بالإضافة إلى الكنايات المخبأة في كثير من شعر الصالحين، فتكون في الغزل وهي ليست منه، ولذلك حديث آخر ليس هذا مجاله. ولفقيه الأدباء وأديب الفقهاء الشيخ علي الطنطاوي كتاب اسمه «من غزل الفقهاء»، سرد فيه نماذج رائعة لفقهاء وعلماء أنشدوا أشعاراً في الغزل، هذا الباب المحبب لدى أغلب شعراء العربية وكتابها، من العصر الجاهلي وحتى عصرنا الحالي. أشكر أستاذنا حمد القاضي على ما يحثنا به من تناول مواطن الجمال في أدبنا بإشارات ذكية في جداوله، والشكر لجريدة الجزيرة. وأخيراً.. يقول الشاعر: لا تحسبوا رقصي بينكم طرباً فالطير يرقص مذبوحاً من الألم أحمد عزو - الرياض