لا يدعم الفن سوى من يؤمن بأهميته، وفي رعاية أنشطة الفنون البصرية تختلف وجهات النظر بل والأفعال، فبينما يؤمن البعض سواء من القطاع العام أو الخاص بأهمية رفد هذا الجانب الثقافي، يتجاهل البعض الآخر دوره أو أهميته، وبين هذا وذاك مراتب ومواقف مختلفة. وكنت قد تعاونت سابقا مع وزارة التعليم العالي، ورأيت بنفسي اهتمام معالي الوزير بهذا المجال، خصوصاً في تقديره للفنان وتثمين إبداعه الفكري، ولعل مشروع اقتناء الأعمال الفنية لتجميل مبنى الوزارة والملحقيات الثقافية في الخارج خير دليل، كما شهدت اهتمام سمو الأمير فيصل بن عبدالله بالفن قبل أن يتقلد منصب وزير التربية والتعليم، من خلال تبنيه لمعرض مساجد يشد إليها الرحال، وكونه أيضا أحد أهم مقتني الأعمال الفنية في السعودية. ولكن من ناحية أخرى، ربما شهد العاملون في وزارة التعليم العالي أثناء البحث عن أعمال للاقتناء أو فقط العرض في محافل الوزارة الخارجية، أو شهد الأمير فيصل بنفسه كمقتنٍ حين يبحث عن خام سعودي مناسب، شهدوا مستوى الفنون البصرية المحلية، أيضا ربما عانوا مثلما يعاني أي باحث عن العمل السعودي التشكيلي المعاصر من قلة وجود العمل الجيد مقابل كثرة المعروض! ذكرت كلا من وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي في هذا الموضوع مع وجود غيرهم من رجال الدولة ممن يهتم بالفنون البصرية ويقتنيها، إلا أن تخصيصهم بالذكر سببه دورهم الوزاري، فمن المعلوم أن قيام الفنون البصرية ونموها وتميزها لن يكون بدون تعليم مناسب، وأعتقد أن من يقول إن الإبداع في مجال الفنون لا يحتاج لتعليم متخصص غافل عن هذه الآلاف من الكليات والمعاهد والأكاديميات في الغرب، والتي لا تقبل أساسا سوى المبدع الذي يجتاز معايير القبول بما يقدم من برتفيليو يوضح مهارته قبل حتى أن يبدأ التعلم؟ هذا غير أن أبرز من عرفهم تاريخ الفن درسوا بطريقة أو بأخرى ساهمت في صقل موهبتهم أو تحديد اتجاههم وأسلوبهم الفني، ولنا في قصة سلفادور دالي وعنجهيته في أكاديمية الفنون، وبيكاسو الذي ابدع بشكل ملفت في الرابعة عشر من عمره بموهبة لم تقف حائلا أمام التحاقه بالأكاديمية، ودراسة الإعلان في التأثير على أسلوب آندي وارهول، لنا في هؤلاء فقط نماذج لدور التعليم. أعود لوزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم، فالاهتمام بالفنون في التعليم العام وتدريسه بحرفية، إضافة إلى افتتاح أقسام متخصصة بالفنون الجميلة أو البصرية وفتح باب الابتعاث في التخصصات المرتبطة بهذا المجال، سيكون خطوة نرى ثمارها في مستوى الفن السعودي المعاصر.. وعليه فالفن ومستواه ونموه في يديكما.. أعطونا تعليم.. نعطيكم فن!