يقول العلماء, الشجاعة محمود ما لم تتجاوز الحد فتصل إلى التهور!! والكرم محمودة ما لم يتجاوز حده فيكون إسراف!! والحلم محمود ما لم يتجاوز حده فيكون ذلة ومهانة!! والغيرة محمودة ما لم تتجاوز الحد فتصير ريبة وشكا! لذا قيل لداهية العرب (عمرو بن العاص) رضي الله عنه.. والله يا أمير المؤمنين لقد أعيانا أمرك، فلا نعلم بحقيقتك: أشجاع أنت أم جبان؟! قال: شجاع إذا ما أمكنتني فرصة وإن لم تكن لي فرصة فجبان!! أي أن الأمور تقدر بقدرها، فالجرأة لها وقتها، والحلم له وقته، وهكذا كان (أرطبون) العرب كما سماه عمر رضي الله عنه. لكن الذي يحصل في كثير من مجتمعاتنا سواء على مستوى الوظائف الرسمية، أو الشركات والمؤسسات والأفراد والجماعات والأسر والاجتماعات أن أكثر الناس يتوهم أن ما هو عليه هو من أخلاق سواء (جرأة، أو تأتي، أو حلم، أو كرم أو أدب أو عجلة أو تواني أو خوف) يتوهم سواء قصد أم لم يقصد!! شعر أم لم يشعر أن ما هو عليه هو الخلق التموجي، الذي يجب أن يحتذى.. فتجد بعضهم هادئ! متوانياً إلى حد أنه تفوت عليه المصالح، تجده يرى الرجل المتحرك الذي تنبض عروقه وهمته بالحياة والنشاط والحيوية، تجد يراه مستعجلاً!! بل ربما رماه (بالتهور).والعجلة! وهو ليس كذلك، بل أنت الكسول المتواني (أنت اللي ميت والعرب حيين!!) كما قالت العرب في أمثالها: الحي يحييك والميت يزيدك غبن!!) فالنشيط الحيوي المتحرك يجب ألا نصمه بالعجلة والسرعة والتهور، بل نصف أنفسنا بالتواني والكسل (وفي أنفسنا أفلا نبصر)؟! وكذلك من طبعه العجلة يرى الهادئ الرزين الحليم يراه متوانياً كسولاً بطيئاً!! وهكذا مع كل خلق جبل عليه المرء، فهو يرى أن ما هو عليه من أخلاق هو الحق والصواب الذي يجب أن يحتذى، وبه تقتدي!! ولا يتوهم قاصر نظر بأن هذه الأحكام متوقفة على الشخص فحسب، بل هذه الأحكام تبنى عليها القرارات والأوامر، والنواهي، ويبنى عليها تقييم الأشخاص، وتبنى عليها المواعيد والارتباطات.. فيجب على المرء أن لا يزكي نفسه، بل يتهمها فتجد الناجحين دائماً ما يتهمون أنفسهم، نجدهم دائماً ما يقولون عند تقييمهم للأمور (لعلنا استعجلنا، لعلنا توانينا، لعلنا قسونا.. وهكذا). وفي الحديث الشريف: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه..) و(التؤدة في كل شيء إلا في أمور الآخرة). والأصل في الإنسان هو العجلة (خلق الإنسان من عجل). الخلاصة: أن لا تتوهم لقصور نظرك أنك أنت النموذج!! فهذه تزكية للنفس لكنها مبطنة.. (ولا تزكوا أنفسكم)، وكن كما كان جدك العملاق الملهم (عمر) رضي الله عنه؛ حيث قال: إذا بدا لك من أخيك ما يريبك من مقال أو فعل، فاحمله على أحسن المحامل ما استطعت إلى ذلك سبيلا، فإن لم تجد لها في الخير محملا فاتهم نفسك واتهم فهمك أنت!!) لك الله يا عمر!! هذا الأسطورة الذي يسمه الغرب (إله العدل) هذا هو خريج الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية.. ولكن عندما كان عميدها هو محمد -صلى الله عليه وسلم-!! الخلاصة: أن على الإنسان ألا يتوهم ويتصور أن طبعه وخلقه وجبلته هي النموذجية، وكل ما سواها فهو على محك النقد!! فتجده دائماً يصنف الناس: فلان عجل، فلان متهور، فلان طائش، ويا ليته اقتدى ولو بقوم (إبراهيم عليه السلام) حين عاتبوا أنفسهم!! فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) سورة الأنبياء، وكذلك لا تضع في مخيلتك شخصية متكاملة، شخصية نموذجية ثم تبدأ بعرض المجتمع على هذه الشخصية الوهمية النموذجية المتكاملة!! فكل من يشابهها حذو القذة بالقذة فهو ناقص عرضة لمشرحة النقد والتجريح!! يرى الجبناء أن العجز عقل وتلك سجية العقل اللئيم!! والسلام عليكم.. محافظة رياض الخبراء [email protected]