ما الفرق بين «الأسوة» و «القدوة» ؟ لست أدري . وأجد في القرآن الكريم قوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة..). (الأحزاب: من الآية21) . والأسوة هنا : القدوة ؛ كما قال ابن عباس: سنة حسنة واقتداء صالح. وقال ابن عمر رضي الله عنه: أسوة في جوع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال السدي: مواساة عند القتال. وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبعض أصحابه:«أما لكم في أسوة ؟» .. والقدوة برسول الله مطلقة؛ فهو قدوة لجميع الناس، وفي جميع الأحوال. وفي التنزيل: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده). (الأنعام: من الآية 90). وفي البخاري أن مجاهدا سأل ابن عباس عن سجدة « ص » فقال ابن عباس:{ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } فكان داود ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به، فسجد بها داود عليه السلام، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة: قص الله عليه ثمانية عشر نبيا، ثم أمر نبيكم أن يقتدي بهم، قال: وأنتم، فاقتدوا بالصالحين قبلكم. وبالنسبة لسائر الناس فالأسوة تتجزأ، فيكون أحدهم مثلا يحتذى في علمه، ولا يكون كذلك في شأن آخر، أو يكون قدوة في عمله، أو في أخلاقه، أو في دعوته، أو في بره بوالديه وصلته برحمه، أو في ضبط الوقت. وربما كان قدوة في جزئية أو مرجعا في باب من الأبواب، كالحديث أو الفقه أو اللغة أو التاريخ أو الأدب. حين تقرأ قوله تعالى والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما). (الفرقان:74)، تعلم يقينا أنه لا ينبغي ولا يمكن أن يكون الناس كلهم أئمة في كل شيء، وإذا لم يبق أتباع، وإنما الإمام هو القائد الذي يأتم الناس به كما قال تعالى إن إبراهيم كان أمة). (النحل: من الآية120) قال ابن عباس في قوله :كان إماما في الخير. ولعل من موجبات الخلل والارتباك في المناخ الإسلامي اليوم شعور الكثيرين بأنهم في مقام القيادة والإمامة والمبادرة والتوجيه، حتى ضاعت المعالم واشتبهت الطرق، وكل فتى يقول: إن يطيعوني يرشدوا .. ويرى أن الحل بيده، وأن الأمر واضح للعيان وضوح الشمس في رابعة النهار، ولكن الناس لا يعقلون ولا يريدون أن يفهموا ! وقد وجدت أكثر الناس اندفاعا هم أقلهم تجربة، والأيام كفيلة بمنحهم الحنكة والحكمة إن كانوا قابلين لها، ووقاهم الله شر الدروس القاسية التي تحطمهم أو تهلكهم ! فالدعاء بالإمامة يحتمل التجزئة أن يكون إماما ولو في شيء واحد، أو باب من أبواب الخير. وهذا من شأنه أن يمنح الداعي والقارئ فسحة عملية وإمكانا واقعيا غير مرتبط بالغيب أو المستقبل. ليكن الداعي بهذه الآية متأملا لمعناها بفعله اليومي، ليكن قدوة لطلابه في نظافة ثيابه، أو في حفاظه على الوقت وأدائه للأمانة، أو في وضع النفايات في الأماكن المخصصة لها، أو في الالتزام بالأنظمة المرورية في القيادة والوقوف واحترام الآخرين، ليكن الطالب قدوة في أداء الواجب وفهم الدروس والإحساس بالمعنى التعبدي في البحث والدراسة والقراءة، ليكن الأب قدوة في الثراء العاطفي مع أسرته وأولاده، وتمرير الكلمات الودية على لسانه والسؤال عن الحال، والتعبير عن الشوق والحب، والدعاء بالصالحات، لتكن الزوجة أسوة في صبرها واستيعابها المواقف الصعبة، وتوفير الجو الطيب في المنزل، والتحفيز على الإبداع والإنتاج والعطاء. ليكن الابن قدوة في بره بوالديه وحسن أدبه معهم، وتقبيل الرأس وتقبيل اليد. إن هذا يضيف بعدا جديدا للدوافع التي تحملنا على الفعل، حتى يصبح الإنسان لا يشعر أنه يمثل نفسه فحسب، بل يشارك في تمثيل نمط اجتماعي نموذجي، وهو جزء من الانتماء للمجتمع وللبلد وللأمة كلها، فليس سرا أن العالم اليوم يصنع تصوراته عن الشعوب والأوطان والأديان عبر الصور الصغيرة والكثيرة التي يشاهدها أو يسمعها عنهم، ولذا قال ربنا: (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم). (الممتحنة:5) قال ابن عباس: لا تسلطهم علينا فيفتنونا. وقال قتادة:لا تظهرهم علينا فيفتتنوا بذلك؛ يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه. وإنها لفتنة عن دين الله، أن يتلفت جاهل فيمن حوله فيرى التخلف والجهل وفساد الأخلاق والسلوك لدى نفر من الناس فيسأل عنهم فيقال: هؤلاء المسلمون!. من هؤلاء التائهون.. الخابطون على التخوم.. أعشى خطى أبصارهم رهج الزوابع والغيوم.. والليل يرفل حولها.. والموت أنسره تحوم.. من هؤلاء التائهون..أفهؤلاء المسلمون.. أبدا تكذبني وترجمني الحقائق والظنون.. أبدا وكيف.. وفي يمينهم كتاب لا يهون.. (محمود حسن إسماعيل) إن أعظم دعاية لدين الله أن تكون أخلاقيات المنتسبين إليه وعقولهم وأفهامهم وتصرفاتهم تنم عن رقي ووعي وإنسانية ونضج وأدب وحب للخير وإيثار وتسامح وعفو وفطنة وذكاء .. فاللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.