نشرت (الثقافية) في عددها (344) الصادر يوم الخميس 30 جمادى الآخر 1432ه مقالاً بعنوان (الإمام عبد الرحمن الباني بركة هذا العصر) بقلم الدكتور (محمد بن لطفي الصباغ) تحدث فيه فضيلته عن جانب من نشأة الأستاذ (الباني) رحمه الله، وبيئته التي ترعرع فيها، وتكوين شخصيته خلال وجوده في (سوريا) وخلال السنوات السبع التي قضاها في (مصر) متابعاً دراساته العليا.. .. ثم عودته إلى (سوريا) وعمله المجيد فيها وخاصة في ميدان (منهاج التربية الإسلامية) عندما كان مفتشاً لمادة (التربية الإسلامية).... ثم مجيئه للمملكة وجهوده التي بذلها في ميدان (المناهج الدراسية)... وتحدث كذلك عن بعض مؤلفاته وآثاره المطبوعة والمخطوطة. ولقد كان الدكتور (الصباغ) حفظه الله موفقاً كل التوفيق في ذلك المقال الذي أرجو الله سبحانه وتعالى أن يجزيه عليه أحسن الجزاء. لقد ذكرنا الدكتور (الصباغ) بل شد انتباهنا بقوة إلى موت هذا الرجل الصالح العبقري الكبير، هذا الرجل الذي لا تجد مثله في اهتماماته وإنجازاته في مجال المناهج التعليمية التربوية الإسلامية، في دنيا العروبة والإسلام.. وقد رحل عنا رحمه الله، دون أن تهتم به وسائل الإعلام، ولا نقابات المعلمين، ولا جماعات المفكرين والمبدعين.. ولم تلتفت إلى موته جهة من الجهات الشعبية والرسمية!! شأنه في ذلك شأن كثير من عظماء هذه الأمة الذين يغادرون هذه الدنيا دون تصفيق ولا ضجيج، ودون بروتوكولات ولا مراسم، ودون اهتمام ولا احتفاء.... لكن ما يلقونه عند الله، بفضل ومنة منه، من الترحيب وحسن الاستقبال، بزغاريد الحور العين، وأهازيج الولدان المخلدين، وفي طليعتهم الأنبياء والشهداء والصديقون والصالحون.... كل ذلك سيغنيهم عن الاحتفاء بتوديعهم من الدنيا من قبل جماهير المصوتين والمصنفين للصادقين وغير الصادقين!! وبالإضافة إلى التوفيق الذي أحرزه مقال الدكتور (الصباغ) في ذكر مناقب أخيه وصديقه وجاره الأستاذ (عبد الرحمن الباني) ودعاني إلى الاهتمام به وإضافة ما عندي من بضاعة مزجاة إلى عطائه الكبير.. فقد ذكرني حفظه الله بمواقف مجيدة له - للدكتور الصباغ - كانت معي قبل حوالي خمسة وأربعين عاماً. حينما كنت مديراً لإذاعة (الرياض) وكان الواسطة بيننا هو الأخ المجاهد الأستاذ (محمود كلعو) شفاه الله وعافاه... وكنا في تلك الأيام نعيش انتفاضة حقيقية إيجابية في إذاعة (الرياض) للعمل على الارتقاء ببرامجها لتكون في القمة.. وقد حدث ذلك ولله الحمد، بتضافر جهود مجموع العاملين المخصلين الذين كانوا معي، وبدعم كبير من المفكرين وأساتذة الجامعات والكتاب الذين رفدوا الإذاعة في تلك الأيام بحصائد أقلامهم ونتائج يراعاتهم... وكان في طليعة هؤلاء الكتاب والمفكرين الدكتور (محمد الصباغ) متعه الله بالصحة والسعادة، فقد كان من أكثر المتعاونين معي في برنامجي اليومي (يا أخي المسلم) وكذلك كانت زوجته الكريمة.. كذلك فقد كتب لي برنامجاً أسبوعياً تحت اسم (في محراب الصالحين) كنت أقدمه بصوتي ويقوم بإخراجه بصورة موفقة الزميل الأستاذ (عبد الرحمن عبد الله المقرن)... أما (دعاء رمضان) اليومي والذي كنت أقدمه بصوتي ويذاع بعد آذان المغرب مباشرة طيلة شهر رمضان المبارك فقد كان يكتبه أيضاً الدكتور (محمد الصباغ).. وكان يستمع إليه ويتابعه الملك (فيصل بن عبد العزيز) عليه رحمات الله.. وقد جاءني الشيخ (إبراهيم العنقري) عليه رحمة الله وزير الإعلام في ذلك الوقت وقال لي: كم مدة (دعاء رمضان)؟ قلت له: حوالي خمس دقائق.. قال: طولوه بحيث تصير مدته عشر دقائق.. وعلى فكرة هذه ليست رغبتي فقط بل هي رغبة (طويل العمر).. قلت: هبا وكرامة وقمنا بتطويل البرنامج!! يذكر الدكتور (محمد لطفي الصباغ) يحفظه الله أن الأستاذ (الباني) عليه رحمة الله عاصر سقوط الخلافة الإسلامية الذي حصل في الربع الأول من القرن العشرين، وكان الأمر مصاباً جللاً لكل مسلم في هذا الوجود... وشهد كذلك احتلال الفرنسيين لسوريا ولبنان بالحديد والنار وتنكيلهم بالثوار والآمنين في بيوتهم، ولذلك فقد قام بعض المثقفين من الشباب المتدينين بإنشاء جلسة يتدارسون فيها الواقع وكيفية إصلاحه، وكانوا يلتقون في جبل (قاسيون)! وتوضيحاً لهذه المسألة فأظن أن الدكتور (الصباغ) يعني بجلسة (قاسيون) هذه التي كان يحضرها الأستاذ (عبد الرحمن الباني) عليه رحمة الله وأخواه الشيخ (بشير) عليه رحمة الله والشيخ (عبد الهادي) وآخرون مثل الشيخ (عبد الرؤوف الإسطواني) والدكتور (محمد أمين المصري) والسيد (محمد فؤاد المارديني) والدكتور (محمد خير العرقسوسي) عليهم رحمات الله، والأستاذ (عدنان السبيعي) وغيرهم.. وكلهم أساتذة كبار كان لهم دورهم الفاعل وأثرهم الكبير في الميادين المختلفة التي عملوا فيها.. أظن أن الأستاذ الصباغ كان يعني بتلك الجلسة حلقة العلم والإيمان التي كان يقيمها العالم الرباني والمربي الكبير الشيخ (محمد أمين كفتارو) عليه رحمات الله، فقد أقام حلقته العلمية الإيمانية في جامع (أبو النور) الذي يقع على سفوح جبل (قاسيون). وقد تعلم هؤلاء الشباب وغيرهم في هذه الحلقة العلمية الإيمانية بالإضافة إلى التخطيط للإطاحة بالمستعمر الفرنسي الكافر الفاجر.. تعلموا كيف يذكرون الله وكيف يدعون إليه على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن. كانت أسرة (الباني) كما ذكر الدكتور (الصباغ) من الأسر الدمشقية العريقة المتدينة وقد انتجت هذه الأسرة علماء كباراً منهم الشيخ (سعيد الباني) عم الأستاذ (عبد الرحمن) الذي نتحدث عنه، وقد أهداني أحد أبناء أخيه وهو الشيخ (بشير) رحمه الله نسخة من مؤلف من مؤلفاته قبل أكثر من خمسة وخمسين عاماً، وكان اسمه على ما أذكر (الكوكب الدري المنير في أحكام الفضة والذهب والحرير)... لقد كان الشيخ (سعيد) رحمه الله فقيهاً متمكناً من بين فقهاء عصره.. و(للبانيين) الأستاذ (عبد الرحمن) وأخويه الشيخ (بشير) والشيخ (عبدالهادي) وأخت لهم، قصته طريفة تروى في ميدان الدعوة الإسلامية، فأختهم الكريمة هذه تزوجها الأستاذ (عارف صدقي الطرقجي) عليه رحمة الله، عضو البرلمان في حينه وأستاذ مادة (الطب الشرعي) في كلية الطب بجامعة (دمشق) قبل أكثر من خمسين عاماً، وهو مرجع في القانون كما هو مرجع في الطب، وقد أنجب هذا الرجل من تلك المرأة عدداً من الأولاد الأذكياء المتفوقين في مجالاتهم العملية منهم الدكتور الطبيب (محمد المصون) والدكتور الطبيب (محمد الأديس) والأستاذة السيدة (رفيدة) وهي خريجة كلية الشريعة، وكلهم عاملون مجتهدون نشيطون في مجال الدعوة الإسلامية!!!